الخليل: لمناسبة الذكرى الأربعين لرحيل الشاعر الكبير يوسف الخطيب (سيف فلسطين)، فقد نظّم الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين وبيت الشعر الفلسطيني بالتعاون مع بلدية دورا والمؤسسات و المراكز الثقافية احتفالاً بهذه المناسبة .. تأكيداً على دور الراحل الكبير وإسهاماته في إسناد المقولة الثقافية الفلسطينية والعربية وما قدّمه للقصيدة العربية من تطوير وتحديث وإضافة ..

لقد فقدت الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية واحداً من الأسماء الوازنة والعالية التي كان لها الفعل الأكيد في النضال الوطني الفلسطيني والعربي .. فقد كان الخطيب مثقفاً كبيراً يستحقّ الاحترام والتقدير لمواقفه وجرأته في المداخلة والنقد .. فقد كان بحقّ مثقفاً استثنائياً.

وقد افتتح الشاعر مراد السوداني الأمين العام للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين الاحتفال بكلمة الاتحاد، جاء فيها :

"تمرّ ذكراك العالية والباقية علو قامتك النخل وبقاء فعالك البيض على الرغم من أسداف العتمة الثقيلة وأنياب الغربة الناقعة وناغرية المنفى اللافحة..

نحدّق اليوم في إرثك الناجز العميم، لنرى فيوضات الخير وطاقة الفعل الجسور والعناد العارم الذي يليق بروحك الحربية وسياقك الأتم، فعلاً وإنجازاً وانحيازاً للحرية الحمراء وشمائل الجمال والحق والصدق.. إنه الخير العام الذي أعليت دشمه ووسعّت فضاءاته.. وجعلت فلسطين رأس حربتك الثقافية وجعلتها غرّة القول ورأس النشيد.. بقيت ثابتاً على الثابت تحلم بالبلاد وبعث فضائل الأجداد لتمتد في الأمة امتداد الزيت في الزيتون.

لم تقف على باب أحد.. ولم ينحرف قلمك لمديح سلطان ولم تك من حاملي المباخر، رغبة في عطاء أو رهبة من قمع..

أوصدت الكثير من الفضاءات، أمام هبوب شعريتك الجامحة فما زادك ذلك إلاّ ثباتاً وإصراراً.. وظلّ صوتك الهادر يعلي مقام المنازلة والجهر بالبلاد كاملة غير منقوصة في زمن النكوص والإنكسار الكابي.

ها نحن في الأرض المحتلة نؤكد لك من جديد أننا سنبقى غير رجّافين ولا هيّابين، لأنها مقولة جديرة بالحياة والحلم والعافية والعنفوان.. مقولة هذه الفلسطين التي منحتها الوقت والجهد وأنشدت لها قوس الكلام المعافى.

وها هي أفعالك الشعرية تقتحم السجون لتكون بين أيدي السادة الأسرى وفي المدارس والجامعات، ليبقى الجيل الجديد على العهد والوعد وفاء للجيل المؤسّس الذي كنت وبحق أحد أعمدته الوازنة وبقيت على الدوام سادناً للكلام العنيد والمثقف الكفء الذي يليق بالبلاد وتليق به البلاد..

لنا موعد في دورا، سنزرع شجرة الصفصاف ونخلاً بحجم قامتك الفارهة، وسنطرز على صخور التلال قصائدك الباقية، وسنعلم الصغار على سواتر النار أنك تقدّمت عندما جبن البعض وآثرت على نفسك عندما هبط الهابطون عن أُحد الثقافة والمقاومة، وأنك ما ركضت وراء مغنم، فكانت غنيمتك الأعز والأجلّ روحك العفيفة المحاربة، ولك في أبي ذر ومنتبذه أسوة.. يا لجمهرة الشعراء في روح سيف فلسطين!!

يا لقسوة الطريق وقلّة الزاد، ويا لصبرك النبوي وانتباهتك الوارفة التي اضاءت عطاءً وإعلاء لسياق الفداء والتضحية.. ويا لعنادك الجامح وأنت تعبر وحشة الدرب بقلب مضيء وروح أصيلة..

ها أنت أيها الشاعر الفارس تقتحم لجّة الغياب بحضور هتّاف .. مؤكداً أنّ الشاعر الحق لا يموت إلاّ في قلوب ميّتة أصلاً.. ولكنك باقٍ بقاء التراب الحرّ الذي يفضح الظلموت والظلم والانكسار والعدمية، ويفتح شبابيك الحقل لفراشات البرّ والحجل والخيل الرمّاحة في سهوب البلاد وبراحها.

باق أيها الفارس الشهم على الرغم من النسيان المدان وأدوات الإلغاء والحصار ، تشقُ كلماتك يباس الوقت لتخضّر المقولة عالياً بحجم وفائك العالي وبصيرتك النافذة..

فطوبى لك وأنت حتى الرمق الأخير تصرّ على الكلمة الطلقة، وطوبى لك وأنت تزرع بذارك الشعرية في الأرض المحتلة لتنفذ من بؤبؤ الخائرين والمحاصرين والصغار المهانين، وطوبى لك وأنت تنتصر قولة وشعراً وموقفاً، وطوبى لك بعطائك الغامر وإصرارك الفذّ، والسلام على روحك حتى ترضى ونرضى".

فيما قدّم كلمة العائلة عن إبنة الراحل أندى الخطيب، المسرحي نضال الخطيب الذي أشار إلى مناقب الراحل وإنسانيته كأب ومبدع قدّم الكثير للمشروع الثقافي الفلسطيني والعربي .. واستعرض نضال سيرة ومسيرة الخطيب التي شكّلت علامة فارقة في المشهد الثقافي العربي وحالة الحصار التي تعرّض لها .

فيما ألقى ماهر النمورة عضو إقليم جنوب الخليل لحركة فتح كلمة حركة فتح، والتي أشار فيها لدور الشاعر الكبير وأن دورا تفتخر بهذا العلم الثقافي والوطني الذي ستقوم بتكريمه من خلال مؤسسة ثقافية تحمل اسمه، مضيفاً : لقد كان الخطيب اسماً عالياً في سماء الثقافة والإبداع ضرب مثالاً في شجاعة المثقف واجتراحه، ما يجعلنا ننحني أمام إبداعه وإسهاماته الإبداعية ويستحق منا الوفاء .

فيما ألقى محمد ذياب أبو صالح قصيدة مهداة للشاعر الكبير ، وكذلك الشاعر سامي مطير، فيما ألقت الكاتبة خديجة أبو عرقوب كلمة بهذه المناسبة، واختتم رفيق درب الراحل الكاتب أبو الأمين النمورة الاحتفال بكلمة حميمة عن الراحل الكبير مؤكداً ضرورة تكريم المبدعين في حياتهم وتخليد ذكراهم بحفظ إرثهم الإبداعي وطباعة أعمالهم وتعميمها .

وقد تضمّن الاحتفال فيلماً وثائقياً عن حياة الراحل إعداد وإخراج المخرج باسل الخطيب بالإضافة لقصيدتين مغناتين من كلمات الشاعر الخطيب .

وقد أجمع الحضور على تسمية مكتبة دورا باسم الشاعر الراحل والعمل على تشكيل لجنة لبناء صرح ثقافي يحمل اسم الشاعر الكبير تأكيداً على فاعليته ودوره .

وقدّم النحّات نعيم الخطيب مجسّماً نحتياً هو شعار الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، للأمانة العام للاتحاد، كما تم توزيع العديد من الأعمال الشعرية الجاهزة التي صدرت عن الاتحاد العام للكتّاب إلى العديد من المؤسسات والمراكز الثقافية تعميماً لإبداع الراحل وتعريفاً بمشروعه الشعري والإبداعي .

1/8/2011