تحت عنوان "انتخابات الحُكم المحليّ ومكانة الثّقافة واللّغة العربيّة"، نظّمت جمعيّة الثقافة العربيّة في حيفا، يوم أمس، الأربعاء، ندوة خاصّة غير مسبوقة بمناسبة الانتخابات للسلطات المحليّة في البلاد، والتي ستجري يوم الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، حضرتها مجموعة من العاملين في الحقل الثقافي.

وافتتح الندوة الكاتب أنطوان شلحت بكلمة أشار فيها إلى أن هذه الندوة تأسيسيّة، مبيّنًا أنّ الجمعية تهدف من خلالها إلى التركيز على قضايا الثّقافة واللّغة العربيّة من خلال الحُكم المحليّ.

واعتبر شلحت أنّ الحكم المحليّ يُشكّل عنوانًا مهمًا للفلسطينيين في الداخل، وأنه يتجاوز إطار توفير الخدمات اليوميّة والحياتيّة فحسب إإلى سياق كفاحهم المتواصل والمفتوح من أجل الحفاظ على الهويّة وترسيخها على أساس الانتماء الوطنيّ والقوميّ، خاصّةً بعد أن رَفع "قانون القومية" الإسرائيلي مسألة مناهضة الهويّة الفلسطينيّة واللّغة العربيّة إلى موقع البند الدستوري.

وقال شلحت الذي أدار الندوة إنّ هذه فرصة لفحص مبلغ اهتمام المرشّحين في هذه الانتخابات، سواء للرئاسة أو للعضوية، بهذه القضيّة، سوية مع اختبار مبلغ اهتمام الأحزاب بها، وفيما إذا كان إيلاء الثّقافة واللّغة العربيّة يحتلُّ مكانة متقدّمة في البرامج الانتخابيّة.

وتحدّث في المداخلة الأولى الصحافي ربيع عيد، الذي عرض مسحًا أجراه خصيصًا لهذه النّدوة راجع فيه مجموعة من البرامج الانتخابيّة لعدد من مرشّحي الرّئاسة وقوائم العضويّة في عدّة بلدات عربيّة.

وقدّم عيد تحليلًا لظهور قضايا اللّغة العربيّة والثّقافة في البرامج الانتخابيّة من خلال تصنيفات أجراها على قوائم العضويّة والمرشحين صنّفها فيها إلى أربعة أقسام تراوح بين القوائم الحمائليّة (عائليّة/ طائفيّة/ حاراتيّة)، والقوائم الأهلية التي تحوي عدّة شرائح، والقوائم الحزبيّة، والقوائم المستقلّة.

وأوضح عيد أنه انتقى في عيّنة المسح مدنًا عربيّة وقرى وبلدات متوسّطة وقوائم عربيّة في ما يُعرف بـ"البلدات المختلطة"، في محاولة لتبيان صورة قُطريّة أوسع عن المجتمع الفلسطيني في الداخل ككلّ، تعكس حال الثّقافة واللّغة العربيّة في البرامج الانتخابيّة.

وطرح عيد تساؤلات حول طبيعة البرامج الانتخابيّة وكيفيّة كتابتها من قبل المرشّحين، وهل هي برامج وخطط عمل أم تُكتب كرفع عتب لأنه مطلوب خلال الحملة الانتخابيّة توزيع نشرات وبرامج؟ وهل تعبّر هذه البرامج عن حراكات مجتمعيّة؟ أو هل انخرط مهنيّون وأكاديميّون في صياغة هذه البرامج؟

الصحافي ربيع عيد وإلى يساره الكاتب أنطوان شلحت

وخلص عيد إلى القول إن هناك تباينًا في حضور قضايا الثّقافة واللّغة العربيّة في البرامج الانتخابيّة وهو أمر متعلّق بطبيعة القائمة وطبيعة البلدة، مبيّنًا أنّ في "المدن المختلطة" تحضر قضايا الثّقافة واللّغة في سياق الحفاظ على الهويّة الفلسطينيّة داخل المدينة الإسرائيليّة ذات الأغلبيّة اليهوديّة، وأن للأحزاب وبعض القوائم تاريخًا وإرثًا في العمل البلدي مما انعكس على شكل ومضمون البرنامج الانتخابي وطرح مشاريع ثقافيّة مختلفة منها ما هو مفصّل وواضح.

وأشار في مداخلته إلى أن القوائم ذات الطابع الحمائلي غالبًا ما تتعامل مع قضايا الثّقافة واللّغة كطروحات وشعارات عامّة وغير مفصّلة، أو حتّى أنها لا تطرح برنامجًا انتخابيًا بالأصل، بالإضافة إلى أن هناك موجة من القوائم المستقلّة التي تطرح برامج وخطابًا بمستوى عالٍ من الجدية والإقبال على العمل وفي نفس الوقت تحمل بعض ثغرات التجربة الأولى بالعمل البلدي والسياسي.

وشدد عيد في ختام مداخلته على ضرورة إجراء بحث ميداني شامل يجمع ما يُطرح خلال الانتخابات وما يُنفّذ وتحدّيات تنفيذه، خصوصًا أنه لا توجد دراسات ميدانيّة للفلسطينيين في الداخل تهتم بقضايا الحكم المحليّ ومكانة اللّغة العربيّة والثّقافة.

في المداخلة الثانية، تحدّثت الفنانة منار زعبي عن تجربتها الشخصيّة في العمل الفنّي الفردي والمؤسساتيّ، والتّحدّيات التي تواجه الفنانين عمومًا في سياق العلاقة مع المجالس المحليّة والبلديّات في البلدات العربيّة.

الفنانة منار زعبي خلال مداخلتها

واعتبرت زعبي أن الكثير مما يقال خلال الحملات الانتخابيّة حول الثّقافة هو ديكور وليست مشاريع عمل حقيقيّة تحمل رؤية، مستعرضةً أمام الحاضرين عددًا من المبادرات الثقافيّة التي عملت ونشطت فيها وبادرت لها، وبيّنت مجموعة من المفاصل الشائكة التي تحكم علاقة الحُكم المحليّ مع العمل في الحقل الثقافيّ. وقالت أيضًا إن هذه الندوة مؤسِّسة، وهناك حاجة لجسم استشاري تأسيسي على مستوى وضع رؤية ثقافيّة للفلسطينيين في كل مكان.

في المداخلة الثالثة والأخيرة، تحدّث الباحث والأديب د. أيمن كامل إغبارية في البدء عن مصطلحات تعريفيّة حول المثقّف والثّقافة والحركة الثقافيّة طارحًا مجموعة من الأسئلة تواجه الفاعلين في الحقل الثقافيّ وعن شروط إنتاج الثّقافة.

وقال إغبارية إن المثقّف كان دومًا جزءًا من مجتمعه، إلّا أنّ السنوات الأخيرة طرحت نماذج وحالات ىيكون فيها مثقّفون منفصلين عن مجتمعهم ومن دون أي تواجد مجتمعي لهم أو حتّى جمهور؛ وطرح تساؤلات حول الفجوة في التعامل مع الثّقافة، فهل هي فقط الثّقافة الرفيعة، أم أنها أيضًا تشمل أشكالًا وأنماطًا من الثّقافة الشعبيّة التي تستهوي جمهورًا واسعًا؟ وكيف يمكن إعادة اللحمة بين الثّقافيّ والسياسيّ؟

الباحث والكاتب د. أيمن كامل إغبارية

وأكّد إغباريّة أنه لا توجد ثقافة من دون مثقّفين، محذرًا من نموذج المثّقف المحسوب على السلطة. كما تساءل إذا ما كانت الأحزاب السياسيّة في الداخل أو القائمة المشتركة تحمل مشروعًا ثقافيّا، داعيًا إلى إعادة الاعتبار للمثقّفين والحذر من تغليب السياسة على الثّقافة أو السياسيّ على الثقافيّ، وإلى ضرورة وجود مشروع ثقافي وطني فلسطيني جامع يعطي الإمكانيّة للناس لأن تحلم، ويسعى لإعداد مجتمع منفتح ومتعدّد.

اقرأ/ي أيضًا | خاص | التجمع والجبهة يخوضان الانتخابات بقائمة مشتركة في أم الفحم