قرية هوج

حدثني الوجيه الفاضل : الحاج يوسف أحمد عبد المالك الشيخ من مواليد ( 1940 ) ومن قرية هوج الفلسطينية ، سكان غزة منطقة الدرج فقال :

عيّن اليهود مختارا يهودياً على كل قرية عربية في سنوات الأربعينات ، وكان اسم المختار اليهودي لقرية هوج ( خواجا نمر ) و هو أحد رجال منظمة الهاجانا الإرهابية ، والتي شكلت فيما بعد نواة جيش الاحتلال الإسرائيلي ، والتي كانت وراء قتل وتشريد مئات ألوف الفلسطينيين من ديارهم ، وكان اليهود يبنون عند مدخل كل قرية ما كان يعرف بـــ ( الكُبنية ) أي مغتصبة ، كما يفعلون اليوم تماماً من تقطيع الضفة الغربية بالمغتصبات ، حيث يبنون عند مدخل كل مدينة فلسطينية مغتصبة ، بل أحاطوا جميع مدن وقرى وطرقات الضفة الغربية بالمغتصبات .

أخبر الخواجا نمر سكان القرية بأن جنود الهاجاناة سيهجمون على القرية يوم الاثنين ، وأنه يجب عليهم الرحيل قبل الهجوم ، كان ذلك سنة 1948 ، خرج من القرية من تمكن من الخروج ، ووقف شباب ورجال القرية يدافعون عن قريتهم حتى سقطت القرية في أيدي العصابات اليهودية .

عاثت العصابات اليهودية في القرية فسادا ، فحرقوا جميع أجران الحبوب ، وهدموا البيوت ، وحرقوا كل ما فيها ، وقتلوا كل من تواجد في القرية من الأحياء .

تبلغ مساحة القرية ( 24 ألف دونم مربع ) ، ويحدها من الجهة الشرقية قرية المحرقة ، ومن الجهة الغربية قرية نجد ، ومن الشمال قرية برير، ومن الجنوب قرية حليقات .

وعلى الطريق الرئيس المؤدي إليها كانت تقع قرى القسطينة والمسمية .

وكان سكان قرية هوج كلهم قبيلة واحدة ، ومنهم اليوم عائلات ( أبو العيش – والنجار – والشيخ – وسالم – والغوطي ) .



-8-



صورة من صور بيوت العزاء في فلسطين قبل النكبة

حدثني الحاج زاهد سلمان حسن أُسلُخ ( أبو سلمان ) من مواليد مدينة بئر السبع الفلسطينية سنة 1936 م ومن سكان غزة التفاح :

كانت بيوت العزاء في فلسطين تمتد إلى أسبوع كامل وليس ثلاثة أيام كما هو عليه الحال اليوم ، ولكنها كانت في بعض الحالات ثلاثة أيام ، فإذا كان الميت كبير السن فتحوا له العزاء أسبوعا كاملا ، وإذا كان طفلا فتحوا له العزاء ثلاثة أيام .

وكان للعزاء حرمة كبيرة ، وكان من المحرمات الاجتماعية داخل العزاء في ذلك الوقت ، الضحك والكلام والقيل والقال ، كما يحدث اليوم كثيرا في بيوت العزاء .

وكان أهل الميت يحدون أسبوعا كاملا ، لا يغتسلون ولا يغسلون الملابس ولا البيوت ، ولا يحلقون اللحى ، ولا يتعطرون ، ولا يأتون نساءهم ، ولا يفتحون المذياع الذي ظهر مؤخرا أي في سنة 1940 تقريبا ، وكان كل فرد يحترم الآخر ، وكان الرجل يذهب إلى بيت العزاء حاملاً القهوة والأرز ، ويغلق التاجر متجره أو محله إن كان قريبا من بيت العزاء ، كما كان الرجل يؤجل مناسبة الزواج لمدة عام إكراما لأهل الميت ، وكان النساء والرجال يبيتون عند قبر الميت أربعين يوما ومعهم الطعام والشراب ، والتمر والقطين ، ويوقدون النار لعمل الشاي والقهوة ، وكانت أشهر المأكولات عند قبر الميت طعام السُّمقية ، وهي أكلة شعبية شامية شهية ، تتكون من السُّماق والسلق واللحم والطحينة الحمراء وزيت الزيتون ، وأذكر أنني ( الكاتب ) بت ليلة واحدة وأنا ابن العاشرة من العمر بجوار قبر جدي رحمه الله ، وبرفقة جدتي وأعمامي وعماتي قبل حوالي ستة وأربعين عاما أي في سنة 1963 ، في مقبرة ميدان فلسطين والموجودة حتى الآن ، وتعرف بمقبرة الشيخ شعبان ، وأذكر أن من العادات الموروثة في ذلك الوقت ، بناء المعرشات والخيم ( جمع خيمة ) بجوار وفوق قبر الميت ، ووضع الطعام على سطح القبر خاصة الخبز و السمقية ؛ خشية أن يفسد من الحر ، حيث أنه لم يكن في ذلك الوقت ثلاجات ولا مبردات كما هو اليوم .



-9-



صورة من صور الأفراح في فلسطين قبل النكبة

وعنه أيضاً : كانت الأفراح تستمر لأسبوع أو أكثر، وكان الجميع يشارك بها حتى سكان القرى الأخرى المجاورة ، كانوا جميعاً يقفون وقفة رجل واحد ابتهاجا وفرحا بالعروسين ، كانت الدبكة الشعبية لرجال كبار في السن ، يشارك بها الجميع تقريبا ، وكان كل ذكر يجيدها ؛ لأن الدبكة الشعبية تراث يعتز به السكان في ذلك الوقت ، حيث يقف الجميع في دائرة كبيرة ، يتوسطهم قائدهم أو معلمهم أو كبير القوم فيهم .

وكان الرجال يشاركون في زفة العريس ، ويمشون به محمولا على الأكتاف مسافة كبيرة ، ربما تصل إلى خمسة كيلو مترات أو أكثر ، وكلما وصلوا بيتا من البيوت التي كانت متباعدة في ذلك الوقت ( أي غير متلاصقة كما هو اليوم ) ، كان أهل البيت يضعون الكراسي لاستقبال الزفة ، ويصبون العصير أو الشراب لجميع المشاركين فيها ، كما كانوا ينشرون على الرؤوس الملح والورد والشعير .

وكان يشاركهم الخيالة ، وهم رجال يمتطون الخيل ، ويتبارزون بالسيوف ، ويجرون بينهم السباق ، ويزينون ظهور الخيل بأجمل السرج الملونة والمطرزة تطريزا شعبياً خاصاً ، وكانت الخيول تتراقص على نغمات الموسيقى الشعبية ، بمشهد مثير للبهجة والفرح .

كان ما يعرف بـــ الصيرة ، وهو مكان يتجمع به الحريم ، وصيرة أخرى للرجال ، وأخرى للطعام .

كان الناس من النساء والرجال يتوافدون حاملين معهم الهدايا ، فالرجال يحملون أكياس السكر، والنساء يحملن على رؤوسهن الآنية الواسعة والممتلئة بالحلويات ، كالحلقوم والشوكولاتة والسمسم وما شابه ذلك ، وكن يرتدن الثوب الفلسطيني الخاص بالأفراح ، وهو لباس مطرز بالنقوش الشعبية الخاصة ، عن طريق الإبرة والخيط ، كما كُن يشاركن في زفة العريس ، ولكنهن لا يقفن أمام الرجال .

كان يسبق يوم الفرح يوم يعرف بالسامر، وهو ما يشبه حفلة الشباب اليوم ، كما كانت هناك ليلة الحناء للنساء ولازالت دارجة حتى اليوم .

وفي يوم الفرح لم يكن في ذلك الوقت موكب سيارات كما هو اليوم ، فقد كانت العروس تخرج من بيت أهلها مغطاة بعباءة سوداء ، ثم تمتطي جملا تم تجهيزه خصيصا لذلك ، حيث يضعون على ظهره ما عُرف بالهودج ، وهو يشبه غرفة صغيرة جدا فوق ظهر الجمل ؛ لتجلس فيها العروس مستورة ، وبصحبتها صندوق ملابسها ، وكان يسمى بصندوق العروسة ، فلم يكن في ذلك الوقت الأثاث المنزلي المتعارف عليه اليوم ولا كهرباء ، فكان العروسان ينامان على الأرض فوق فراش خاص بهما ، وكانت ليلة الفرح تختلف من منطقة إلى أخرى في فلسطين ، فمنها ما كان ينتهي قبل غروب الشمس ، ومنها ما كان ينتهي قبل الفجر بقليل ، وكانت الراقصات تعملن في جميع الأفراح تقريباً ، وهن ما كان يطلق عليهن لقب النور أو النوريات ، وكن يرقصن في الأفراح شبه عاريات ، كما كانت الإضاءة تعرف بـــ كلوبات تعمل على الكيروسين ( أو شنابر الكاز باللهجة المحلية ) .

كانت عادة ذبح الأغنام أو البقر أو الجمال عادة سارية بين السكان الفلسطينيين قبل النكبة ، واستمرت تلك العادة إلى ما بعد النكبة لسنوات طويلة ، ولا يزال البعض منها حتى الآن ، وكان الناس يجتمعون لتناول طعام الغداء في اليوم الثاني من الزفاف ، وفي بعض المناطق في يوم الزفاف نفسه .

يتبع بإذن الله وإلى اللقاء

.