جمعية 'زهرة الأقحوان' هي جمعية نسائية يافاوية تميزت بطابع نشاطها العسكري، إذ شاركت في المقاومة الفلسطينية المسلحة مع الرجال الفلسطينيين في يافا، وبالذات في منطقتي كرم الصوان وسكنة درويش المحاذيتين لمدينة 'بات يام' على حدود يافا جنوبا.

مهيبة خورشيد

اليافاوية مهيبة خورشيد كانت من أوائل النساء التي اختارت الكفاح المسلح دربا في سنوات 1947 و- 1948 بعدها انضمت إليها أختها ناريمان خورشيد لتحولا جمعية زهرة الأقحوان، التي أسستاها للأعمال الخيرية الاجتماعية وللتقارب ما بين الأديان ولأهداف أخرى، إلى منحى العمل السياسي، وبعد ذلك تحديدا للكفاح المسلح حيث تمكنت الجمعية من جمع السلاح من بنادق وقنابل يدوية ومدافع رشاشة، واستطاعت أن تجند 12 عضوا من الفتيات العازبات ومنهن: يسرا طوقان وعدلة فطاير وفاطمة أبو الهدى ونجلاء الأسمر التي أصبحت من قادة منظمة الأرض السرية وكذلك بعض الرجال، واستطاعت أن تدرب هؤلاء الفتيات الأعضاء على استعمال السلاح. وبدأت عضوات الجمعية بتنفيذ العمليات المسلحة جنبا إلى جنب مع الرجال بالإضافة لأعمال أخرى مثل المشاركة بالمظاهرات وجمع التبرعات لشراء الأسلحة وجمع المعلومات الاستخباراتية.

المعلومات المذكورة أعلاه مدونة في مواقع وكتب كثيرة عن النشاط النسائي في فلسطين، إلا أنه وللأسف هناك الكثير من تاريخنا موجود في الأرشيفات الإسرائيلية وهو غير موجود لدينا. ففي أرشيف 'الهاجاناه' في مدينة تل أبيب (الذي ارتاده كلما سمح لي وقتي للاطلاع بالأساس على معلومات تتعلق بغيتو يافا بعد الاحتلال) بملف رقم 122/105 رسالة هامة موجهة من الجمعية إلى القائد الحاج أمين الحسيني.

في مثل هذه الأيام من سنة 1948 يبدو أن جمعية زهرة الأقحوان النسائية العسكرية بدأت تعاني من محاولات جدية لتوقيفها عن نشاطها العسكري 'الرجالي' مما حدا بها إلى إرسال رسالة تاريخية الى القائد حاج امين الحسيني في يوم 16 من آذار/مارس سنة 1948 تشكو بها سوء معاملة بعض القادة العسكريين في يافا، وبالأخص الشيخ حسن سلامة إضافة إلى القائد العام لمنطقة يافا عادل نجم الدين العراقي، وقائد منطقة الجبليه عبد الباري الهسي.

وهنا نورد بعض نصوص جاءت بالرسالة (من النسخة المترجمة للعبرية) '.... لقد وجدت جمعيتنا لزاما عليها الانضمام لحرب الجهاد المقدسة للمشاركة مع إخوتنا المناضلين بالدفاع عن أرضنا المقدسة من أجل إرجاع الأرض وكرامة نسائنا العربيات من العهود السابقة اللواتي تركن صفحات من العزة والكبرياء في الفتوحات العربية.... فهذا هو حقنا القانوني الواضح كوضوح الشمس'.

'لقد انضممنا إلى المحاربين في منطقة كرم الصوان وسكنة درويش بسبب قربهما من أماكن سكننا، وبذلك نستطيع العودة إلى بيوتنا عند انتهاء المعارك... لقد تركنا انطباعات إيجابية على المسؤولين عن المنطقة، وخاصة على القائدين عبدالوهاب العراقي وعلي بيه التركي اللذين كانا يحضران للمنطقة ويشاهدان ويسمعان بأنفسهما عن أعمالنا المشرفة... والدليل على ذلك ما كتب في صحيفة الدفاع 'البنات العربيات في صفوف المحاربين الأولى' وما جاء في صحيفة فلسطين ' زهرة الأقحوان تعيد للمرأة العربية كرامتها الماضية' والكثير من المقالات في صحف الدول المجاورة'.

وتأكيدا على ذلك، ومن ملف أرشيف 'الهاجاناه' ذاته جاء خبر في صحيفة 'المصري' الصادرة في دمشق يوم 1948/4/7 تحت عنوان ' المرأة العربية في ميدان

ناريمان خورشيد - رداءة الصورة من المصدر

الجهاد' من مقابلة مع ناريمان خورشيد ' وشرحت لي هذه السيدة التي تبلغ الخامسة والثلاثين من العمر أن حركة التجنيد بين الفتيات العربيات ناشطه على قدم وساق، وأن كثيرا من العائلات العربية المحافظة سمحت لفتياتها بالتدرب على استخدام الأسلحة للدفاع عن البيوت العربية من اعتداءات الإرهابيين اليهود،وقد حدث في إحدى المرات أن حاولت تشكيلة من فرقة الهاجاناه مهاجمة مركز الأيتام الإسلامي في يافا، فانبرى لها المجاهدون العرب، وإلى جانبهم عشرة من فرقة زهرة الأقحوان العربية، واستمرت المعركة ثلاث ساعات استشهدت خلالها فتاة عربية، وانجلت عن اندحار القوات الصهيونية إلى أماكنها'.

ونعود إلى الرسالة: 'إن الشيخ حسن سلامة، ومعه القائد الجديد عادل نجم الدين (مسؤول حامية مدينة يافا – الكاتبة ) قد ضايقانا ومنعانا من الاستمرار بعملنا، بالرغم من أننا لم نره في المناطق التي عملنا بها. وذلك بسبب موقفه الداعم لقائد منطقة الجبلية الذي لا يعجبه النشاط الجدي في منطقتنا نتيجة دعمنا ومضايقاتنا لراحة اليهود في منطقة بات يام حيث كبدناهم خسائر جمة بالأرواح والمركبات ولم يكن لطرفنا أية خسائر. وعندما اتضح للشيخ حسن سلامة أنه لن يثنينا أمر عن عزمنا ونضالنا، أوقفنا عن العمل بأوامر صارمة.. وإذا كانت قد صدرت أوامر بمنعنا من الجهاد فلماذا دعيت بعض الجمعيات النسائية للمشاركة بالاحتفال الذي أقامته اللجنة العليا على شرف القادة العرب والبريطانيين، وتم تقديم عضوة جمعيتنا أمام القادة البريطانيين على أنها فتاة عربية محاربة تحسن استعمال السلاح الأمر الذي أثار تقدير الحاضرين وبعض القادة البريطانيين قالوا: 'سوف نحارب إلى جنبكم بالقريب' وأما سكرتير اللجنة السيد أمين عقل واحد الأعضاء الدكتور عازر فقد عبرا عن إعجابهما بنا'.

وجاء التوقيع باسم جمعية الإخاء - التفاني – نكران الذات 'زهرة الأقحوان'.

نسخ : الأمين العام لجامعة الدول العربية – عبد الرحمن عزام باشا، قائد جيش التحرير في دمشق.