- خالد الجبر -

 

في الشّارعِ؛ حيثُ يعيشُ النّاسُ،
أسيرُ جَنِيبا/
أتفحّصُ وجهي في قارعةِ الطُّرُقاتِ،
لعلّي أجدُ النّارَ،
لعلّي أجدُ الواجهةَ ال أبحثُ عنها،
ولعلّي أرتدُّ على نفسي،
لكنّي أبقى في العتمِ جَدِيبا/
في الشّارعِ؛ حيثُ الفتنةُ والموسيقى والألوانُ وكلُّ صُنوفِ الخلقِ،
أطمئنُ نفسي:
قد يتوارى الغيمُ قليلاً،
قد ينبتُ ريشٌ للغيمِ،
وقد يجدُ المصلوبُ صَليبا/
يستوقفُني العابرُ مثلي،
يسألُني أشياءَ، ولكنّي أنداحُ بعيدًا
عَفُنَت ذاكرتِي بالأسماءِ وبالأشياءِ...
فلا أتذكّرُ حتّى اسمي.
أنَاْ أبحثُ عن بعضِ خُطايَ ال ضاعتْ؛
أبحثُ عن فضَّةِ قلبي المسروقةِ منّي بالحيلةِ؛
أبحثُ عن يافطةٍ تتوزَّعُ أشلاءَ الحُلمِ؛
أفتِّشُ عن ذاكرةٍ تجمعُني لأعيشَ قليلاً...
مثلَ النّاسْ
لا في الفكرةِ، لا في الحلمِ، ولا حتّى في الكُرّاسْ
آكلُ... أشربُ... أهدأُ... أغضبُ... أهنأُ... أتعبُ، 
لكنّي في آخرِ ليلِ العُمرِ أنامْ
فَرخَ حَمامْ
كي أصحُوَ في فجرِ اليومِ القادمِ...
والعرَقُ الحُرُّ يغطّي جسدي المنزوحَ لهيبا/
في الشّارعِ...
في آخرِ هذا الشّارعِ،
أحملُ كيسينِ اثنينِ على كَتِفي
وأنادِي: مَنْ يعرفُ كيفَ يخلّصُني من فرحِي المُرّْ؟
أعطِيهِ قناديلَ العُمْرْ
أمنحهُ قافيَتي، أو عافيتي
وأغلّقُ بابِي الواقفَ كالعثرَةِ في كَفَّيَّ مَهِيبا/
كلُّ العُمرِ يعودُ مُرِيبَا/
حينَ تلملمُه العثَراتُ: الخيبةَ تلوَ الخيبةِ،
وتنقِّي قمحَكَ من بعضِ زُؤَانِ السّنواتِ،
فلا تجدُ القمحَ...
زُؤانُ السّنواتِ كثيرٌ، والقمحُ حُطامْ
والشّارعُ يكبرُ... 
يمتَدُّ الشّارعُ مثلَ الغَيبِ قَشِيبا/
والعابرُ مثلي يرحلُ مثلي...
وأنا ما زلتُ وحيدًا... ما زلتُ بعيدًا.. ما زلتُ غَريبَا/


* أديبٌ وباحثٌ فلسطينيٌّ، وأستاذ اللّغة العربيّة وآدابها في جامعة البتراء الأردنيّة.