"تتعزز اسطورة سيطرة البدو على النقب، في التفكير الاسرائيلي. وهناك عدة أهداف لهذه الأسطورة غير المثبتة ولأسباب نشرها، منها: تبرير الامتناع عن تخصيص موارد مناسبة لتطوير القطاع البدوي، الامتناع عن اقامة بلدات بدوية جديدة واعداد الرأي العام للهجوم البلطجي الواسع ضد البدو.

"تنطوي حملة القذف المستترة وراء هذه الفرية على كثير من السخرية. ولا ينحصر ذلك في تنكيلنا المتواصل بالبدو منذ خمسين عاما، بل أصبحنا نتهمهم اليوم، بأنهم يسيطرون على أراضي النقب التي نطردهم منها منذ قيام الدولة. إن ما تحاول الجهات الرسمية تصويره كعمليات استيلاء – أي السيطرة على الأرض بشكل غير قانوني – يعني عمليا تثبيت الوضع القائم لنصف بدو النقب الذين قرروا مواصلة العيش في الصحراء، بدل الانتقال الى البلدات السبع التي تم تخطيطها لهم (رهط، تل السبع، اللقية، حورة، كسيفة، عروعر وشقيب السلام). لقد تولد هذا الوضع نتيجة عدم رغبة الدولة بتخصيص الموارد المطلوبة لجعل هذه البلدات، او تلك المنوي اقامتها، ملائمة للعيش بشكل يجعل البدو يرغبون بالانتقال اليها.

"لقد نشأت أسطورة "السيطرة" في عام 1994، عندما قام المواطن دخل الله أبو جردود، من أبناء عشيرة العزازمة، بالعودة إلى أراضي أبائه غير البعيدة عن كيبوتس "ربيبيم". وعلى الرغم من كون حمولة أبو جردود، بما فيها دخل الله، تضم 27 رجلاً يخدمون في الجيش الاسرائيلي ويؤدون الخدمة الاحتياطية، فقد تم طردها من أراضيها في العام 1985. واعلنت السلطات عن اراضي الحمولة منطقة عسكرية مغلقة. لكنها قامت بعد اخلاء البدو منها، باقامة بلدة "أشليم" على جانب من الأرض، فيما تم تأجير ما تبقى منها لمبادرين شخصيين خططوا لزرعها باشجار الزيتون واقامة برك لتربية الأسماك. وأصر دخل الله على موقفه الرافض لمواصلة السماح للسلطات بمعاملته بشكل اعتباطي، كمواطن من الدرجة الثانية. وبعد عدة أيام، لحق بدخل الله قرابة 500 مواطن من أبناء العائلات الاخرى التي دبت فيها حالة من اليأس ورفضت مواصلة تربية أولادها في منطقة رمات حوباب، أكثر الأماكن السامة في الدولة، وهي المنطقة التي طرد البدو اليها بشكل متواصل.

"في السابق لم يكن الاصرار على نيل الحقوق من الميزات التي تمتع بها البدو، الأمر الذي جعل السلطات تدخل في حالة من الضغط (في حالة أبو جردود). وفي حينه خطط وزير الأمن الداخلي، ابيغدور كهلاني، لطرد ابو جردود ورجاله واعادتهم الى رمات حوباب، لكن رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، منعه من ذلك خشية وقوع مواجهات مع الجنود البدو المسلحين. ونتيجة لذلك، اقترح وزير شؤون البيئة، في الحكومة التالية، رفائيل ايتان، اخراج البدو من الجيش الاسرائيلي، لكن وزير الأمن، يتسحاق مردخاي، رفض اقتراحه. ولم يتنازل رفائيل ايتان، وقام بتجنيد افيغدور ليبرمان، مدير مكتب رئيس الحكومة (نتنياهو) لمحاربة اقامة البلدة البدوية الجديدة، بئر حيل، التي تعهد وزير البنى التحتية، ارئيل شارون، آنذاك، باقامتها لتوطين عائلة أبو جردود. واهتم ايتان بتمرير قرار حكومي يعرقل تنفيذ القرار.

...

"حسب السياسة التقليدية المتبعة في البلاد، تعمل السلطات على توطين البدو على أقل مساحة من الاراضي. أي في البلدات السبع القائمة فقط. لكن البدو الذين يعيشون في الصحراء غير معنيين بضغطهم داخل تلك البلدات البائسة التي تعاني اصعب ظروف الفقر والبطالة في الدولة. لقد وافق هؤلاء البدو على العيش في بلدات تناسب تقاليدهم ونمط حياتهم ومزودة بالخدمات، لكن السلطات لم تقم، أبداً، بانشاء مثل هذه البلدات.

"عندما كان وزيرا للبنى التحتية، أدرك أريئيل شارون، أنه لن يتم حل مشكلة الانتشار البدوي في النقب، بدون توسيع امكانيات توطينهم. ولذلك قرر اقامة ست بلدات جديدة، تتلائم مع المعايير آنفة الذكر، والتي يتقبلها غالبية الجمهور البدوي. ومنذ خمس سنوات يعمل الوزراء على افشال تحقيق رؤية شارون، معتمدين على اسطورة "السيطرة"، ويقف على رأس هؤلاء، ابيغدور ليبرمان وتساحي هنغبي. صحيح أن شارون حاول، مؤخراً تخصيص مبلغ مليار شيكل لاقامة هذه البلدات، لكن ناشري الاسطورة في حكومته، نجحوا بتحويل الخطة لخدمة أهدافهم. وتم تخصيص نصف المبلغ لأجهزة "تطبيق القانون"، كالدوريات الخضراء، فيما خصص القسم الثاني لتطوير البلدات القائمة، ولذلك لا يتوقع حل مشكلة البدو في عهد شارون".