تصف نظرية الانفجار الكبير (Big Bang) كيف جاء الكون من نقطة البدء الأولى قبل 13.7 مليار سنة وأخذ في التمدد منذ ذلك الحين، لكنها لا تفسر ما حدث قبل ذلك.

لكن فريق بحث من جامعة بنسلفانيا يعتقد بوجود آثار أدلة في الكون الحالي يمكن استخدامها للنظر إلى الوراء قبل حدوث الانفجار الكبير.

وبناء على دراستهم، كان هناك كون ينكمش، وله هندسة (geometry) ثنائية الأبعاد -الزمان والمكان- ويشبه كوننا الراهن المتمدد. وانهار الكون السابق ثم عاد إلى الظهور عبر الانفجار الكبير.

ووفقا للنظرية النسبية العامة لأينشتاين، يمثل الانفجار الكبير "نقطة البدء" أي الحدث الكبير الذي ولد فيه ليس فقط المادة، بل أيضا الزمان والمكان. وبينما لا تقدم النظريات الكلاسيكية أي أدلة أو مؤشرات حول "الوجود" قبل تلك اللحظة، يستخدم فريق بحث بنسلفانيا حسابات الجاذبية الكمية للعثور على خيوط تؤدي إلى فهم الزمن الأبكر.

أبهاي أشكيتار، أستاذ الفيزياء ومدير معهد فيزياء وهندسة الجاذبية بجامعة بنسلفانيا وقائد فريق البحث، يشير إلى أن نظرية النسبية العامة يمكن أن تصف ماضي الكون وصولا إلى نقطة معينة تصبح فيه المادة كثيفة جدا بما يجعل معادلاتها غير سارية.

بعد تلك النقطة، احتاج الباحثون إلى تطبيق الأدوات (النظرية) الكمية التي لم تكن متاحة لأينشتاين. وبواسطة التركيب بين فيزياء الكم ونظرية النسبية العامة، استطاع أشكيتار وفريق البحث تطوير نموذج علمي رياضي يتتبع بواسطة المحاكاة الحاسوبية آثار الأدلة عبر الانفجار الكبير باتجاه الكون (السابق) المنكمش، وكانت فيزياؤه تشبه فيزياء الكون الراهن.

وفي دراسته المنشورة بالعدد الحالي من مجلة فيزيكال ريفيو لترز المتخصصة وأتاحت جامعة بنسلفانيا خلاصتها، أظهر فريق البحث أنه قبل الانفجار الكبير، كان هناك كون في حالة تقلص، بهندسة زمان ومكان مماثلة لهندسة كوننا الراهن المتمدد.

وعندما سحبت قوى الجاذبية الكون السابق نحو الداخل (المركز) وصل الأمر إلى نقطة أصبحت فيها الخصائص الكمية للزمان والمكان تجعل الجاذبية تغدو طاردة بدلا من أن تكون جاذبة. وباستخدام تعديلات كمية لمعادلات أينشتاين الكوزمولوجية الكونية، أظهر الباحثون أنه مكان الانفجار الكبير كان هناك -في الحقيقة- ارتداد كمي كبير.

وقد دهش الباحثون لدى اكتشافهم أن كونا كلاسيكيا آخر سبق الانفجار الكبير لدرجة أنهم أعادوا إجراء المحاكاة الحاسوبية بعد تغيير قيم مدخلات النموذج على مدى عدة أشهر. ورغم ذلك، وجدوا أن سيناريو الارتداد الكمي الكبير لا زال قويا.

ورغم أن الفكرة العامة حول كون آخر سابق على الانفجار الكبير كانت مطروحة من قبل، فإن هذا هو التوصيف الرياضي الأول الذي يؤسس بشكل ممنهج لوجود ذلك الكون، ويستنبط الخصائص الهندسية للزمان والمكان فيه.

وقد استخدم الباحثون منهجا متقدما يعرف بالجاذبية الكمية الدوارة لمقاربة مسألة المزاوجة بين النظرية النسبية العامة والفيزياء الكمية، وكان معهد فيزياء وهندسة الجاذبية بجامعة بنسلفانيا رائدا في تطويره.

في هذه النظرية، تنطوي هندسة الزمان والمكان ذاتها على بنية "ذرية" غير مترابطة (متفردة) وتكون الكمية المتصلة المعروفة (continuum) ليست إلا حالة تقريبية. وتكون بنية المكان منسوجة حرفيا من خيوط كمية أحادية البعد.

وقرب الانفجار الكبير، تم تمزيق هذا النسيج بعنف بحيث تصبح الطبيعة الكمية للهندسة هامة، وتجعل الجاذبية طاردة بقوة مما يصعد باتجاه الارتداد الكبير.

وفقا لأشكيتار كان عمل الفريق في البداية يفترض نموذجا متجانسا للكون. ورغم عدم دقة الافتراض، فإنه أعطاهم ثقة في المفاهيم الأساسية التحتية للجاذبية الكمية الدوارة.

وسيستمر الباحثون في تنقيح وصقل النموذج للوصول إلى تمثيل أفضل للكون كما نعرفه، وفهم أفضل لملامح الجاذبية الكمية.


"الجزيرة"