كيف تساعد الروبوتات في تحسين السلامة العامة ومنع الحوادث
عند بناء الأبراج الشاهقة، سيتوجب على العمال الوقوف على حواف ضيقة لإكمال عمليات التشييد، وعلى الرغم من اتباع إرشادات السلامة العامة في مواقع العمل في بعض الدول، إلا أن الحوادث الناجمة عن مهن خطيرة كهذهِ تحدث دائماً.
ولكن ومع دخول الروبوتات جميع مجالات الحياة، وبالاعتماد على لغة الأرقام، رصدنا أن زيادة استخدام الروبوتات في مجالات العمل المختلفة (1.34 روبوت لكل 1000 عامل) أدت إلى تقليل معدلات الإصابات المرتبطة بالعمل بمقدار 1.2 إصابة لكل 100 عامل بدوام كامل. فهل نحن على وشك القضاء على تلك الحوادث المؤسفة كليًا ؟ وكيف تساعد الروبوتات في تحسين السلامة العامة ومنع الحوادث بشكل عام؟ وهل سيخلق وجود الروبوتات في العمل حوادث جديدة؟ سنجيب عن تلك الأسئلة في هذا المقال.
كيف تعمل الروبوتات في مكان العمل على تحسين السلامة ومنع الحوادث؟
الحقيقة أن الروبوتات تُساهم في تقليص الحوادث في مواقع العمل وهذهِ حقيقة لا يمكن إنكارها. ويرجع هذا في المقام الأول إلى أن الروبوتات يمكنها أن تحل محل الموظفين في البيئات الخطرة المحتملة.
وأثناء البحث عن بيانات تثبت أن الروبوتات في المصنع يمكنها تقليل الإصابات، وجدنا دراسة أكاديمية بعنوان " الروبوتات الصناعية وسلامة العمال" من عام 2022، والتي درست العلاقة بين اعتماد الروبوتات الصناعية وسلامة العمال وصحتهم. وتشير الدراسة بوضوح إلى أن استخدام الروبوتات في الأنشطة التي تتطلب مجهود بدني كبير يمكن أن "يقدم فوائد كبيرة فيما يتعلق بالسلامة للعاملين من البشر، حيث يمكن للروبوتات أن تساعد في منع الإصابات أو الآثار الصحية الضارة الناتجة عن العمل في ظروف خطرة".
في السيناريو نفسهُ الذي تحدثنا عنه في المقدمة، فإن الروبوتات يمكنها أن تحل محل عمال البناء وبالتالي سيكتفي العمال بمراقبة أداءها في مكان آمن على الأرض، أضف إلى ذلك أن استخدام الروبوتات في المستودعات سيساعد في تقليل مخاطر سقوط العمال فيها. حيث تستطيع الآلات الروبوتية الوصول إلى العناصر التي تكون مرتفعة للغاية بالنسبة للموظفين. وهنالك عدة سيناريوهات مشابهة يمكن للروبوتات فيها تحسين السلامة ومنع الحوادث، ونذكر منها:
- يمكن للروبوتات أن تقلل من عدد الإصابات المرتبطة برفع الأشياء الثقيلة: عن طريق استخدام الروبوتات لتقليل حاجة العمال إلى رفع أو حمل أشياء ثقيلة. ويؤدي هذا إلى تقليل إصابات الظهر للموظفين وتوفير قدر كبير من المال لأصحاب العمل في تكاليف التأمين الصحي وتعويضات العمال.
لقد بدأت بالفعل شركة صناعة السيارات الشهيرة مرسيدس باستخدام روبوت على شكل إنسان يسمى أبولو (من Apptronik) لرفع وحمل الصناديق الثقيلة ووضع الأشياء على الأرفف.
- يمكن للروبوتات أن تقلل من عدد الإصابات المرتبطة بإرهاق العمال أو الخطأ البشري: ومن بين المزايا الأساسية للروبوتات أنها قادرة على العمل لفترات متواصلة دون الحاجة إلى أخذ قسط من الراحة.
وعلى النقيض من البشر، لا يتراجع أداء الروبوت كلما طالت فترة بقائه في العمل. وتشير الدراسات إلى أن العمال يواجهون خطر أكبر للإصابة عندما يكونون متعبين، أو يعملون لساعات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، وفي ضوء الدراسات التي جمعناها، يمكننا القول أن الروبوتات قادرة على حماية العمال لأنها قادرة على تقليل المخاطر الناجمة عن الخطأ البشري مثل الانسكابات الكيميائية مثلاً.
المخاطر المرتبطة بالروبوتات في مكان العمل
نعم ما قرأتهُ صحيح! وعلى الرغم من كون مقالنا يتحدث عن مساهمة الروبوتات في تحسين السلامة العامة، إلا أننا لا يمكننا أن نتحدث عن الموضوع من جانب واحد. إذ توجد مخاطر مرتبطة بوجود الروبوتات في مكان العمل وقد تم إثباتها. ففي عام 2015، قُتل موظف مستودع في شركة مياه معبأة بعد أن تم سحقه بواسطة رافعة شوكية آلية بدون سائق تُعرف باسم LGV (مركبة موجهة بالليزر).
في الواقع، تم تجهيز الروبوتات من هذه النوعية بأجهزة استشعار أمان مصممة لاكتشاف الأجسام أو العمال في مسارها. وبفضل هذه الآلية، فعندما تكتشف أجهزة الاستشعار وجود عائق، تتوقف المركبة عن الحركة تلقائي ويصدر صوت إنذار حتى تتم إزالة الجسم أو حتى يبتعد العامل عن المكان. ويتطلب دليل الشركة المصنعة من العمال تفعيل وضع "التوقف الطارئ" قبل إزالة أي عائق. ليمنع هذا الوضع الرافعة الشوكية من استئناف أنشطتها الطبيعية فور بمجرد إزالة العائق.
في الحالة التي حدثت عام 2015، تم تشغيل إنذار المستشعر بواسطة قطعة من الغلاف البلاستيكي أسفل الشوكات المرتفعة للشاحنة. ولسوء الحظ، لم يفّعل الضحية وضع التوقف الطارئ، لتسحقه الرافعة الشوكية بعد أن استأنفت وظائفها الآلية. وتشكل الحادثة السابقة مثالاً واقعياً على الحوادث التي يمكن أن تنتج عن عدم الفهم أو المعرفة أو السيطرة على الروبوتات في بيئة العمل.
لم تكن تلك الحادثة هي الوحيدة من نوعها، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لقي عامل حتفه سحقاً في مصنع لتعبئة الخضروات في كوريا الجنوبية بعد أن أمسكتهُ الأذرع الآلية للآلة وضغطت عليه على حزام ناقل.
بعيداً عن تلك الحوادث المؤلمة، يمكننا رصد بعض المخاطر الأخرى التي ترتبط بوجود الروبوتات في مكان العمل، لعل أبرزها زيادة مخاطر بيئة العمل مع الأشكال الجديدة للتفاعل بين الإنسان والآلة، مثل التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية، والليزر. أضف إلى ذلك، الخشية من المشاكل العقلية التي يمكن أن تنشأ عندما يصبح الروبوتات زملاء عمل. فهل تساعد الروبوتات في منع الحوادث أم تساهم في خلق حوادث جديدة؟
هل تساعد الروبوتات في منع الحوادث أم تساهم في خلق حوادث جديدة
حتى نجيب بشكل قطعي على هذا السؤال، نعود للدراسة الأكاديمية التي سبق وأشرنا إليها وهي "الروبوتات الصناعية وسلامة العمال" من عام 2022. لقد خلصت تلك الدراسة وباستخدام البيانات من كل من الولايات المتحدة وألمانيا -باعتبارهما من الدول الرائدة في استخدام الروبوتات- وبعد مراجعة البيانات بشأن إصابات العمل من إدارة السلامة والصحة المهنية والتي تغطي الفترة من 2005 إلى 2011 إلى أن الزيادة في عدد الروبوتات كانت قد وفرت 1.69 مليار دولار سنوي من تكاليف الإصابات.
وتعكس هذه النتيجة إلى حد كبير انخفاض في معدلات الإصابات في شركات التصنيع والتي انخفضت بمقدار 1.75 إصابة لكل 100 عامل بدوام كامل.
بالإضافة إلى ذلك، قيمّت الدارسة تأثير الروبوتات على الصحة العقلية للعمال في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تجد الدارسة أي دليل على وجود تأثيرات كبيرة على الصحة العقلية للعمال. بيد أنها وجدت أدلة تشير إلى أن ضغوط سوق العمل والمخاوف الناجمة عن تصاعد الاعتماد على الروبوتات قد يكون لها آثار ضارة على الصحة العقلية للعمال.
الخلاصة أن الروبوتات تساعد في تحسين السلامة العامة وتمنع الحوادث، ولكن يجب علينا أن نطوّر آليات جديدة لمراقبة عملها ضمن بيئات العمل المختلفة. كما يجب أن تتم مراقبة البيانات الواردة حول الإصابات الناتجة عنها والتي يمكن تلافيها باستخدام الروبوتات نفسها، حيث يمكن استخدام روبوت مهمته مراقبة السلامة العامة ضمن بيئة العمل. ومهمته هي التدخل في حالة الطوارئ، وبذلك يمكننا حسم الجدل الناتج عن استخدامها ومدى تأثيره في منع الحوادث البشرية.