ربما لا تدرك هذه الحقيقة لكنك قد تحمل في تركيبك الوراثي بعض سمات إنسان النياندرتال، وبالنسبة إلى جميع البشر في شتى أرجاء العالم (باستثناء الأفارقة الذين يعيشون في منطقة جنوب الصحراء الكبرى) فإن نسبة من واحد إلى ثلاثة في المئة تقريبا من الحمض النووي (دي إن إيه) لديهم انحدرت من نسل إنسان النياندرتال، وهو أقرب مخلوق إلى إنسان العصر الحديث الذي اندثر منذ نحو 39 ألف عام.

وقال علماء، يوم أمس الاثنين، إن عظام فك اكتشفت في رومانيا لرجل عاش منذ 40 ألف عام بها سمات تنم عن أسلافنا من إنسان النياندرتال وقريبة من نوعنا البشري على نحو لم يشاهد قط من قبل.

وأوضح الاكتشاف أيضا أن التزاوج الداخلي، أو ما يعرف بزواج الأقارب، حدث مع إنسان النياندرتال في وقت حديث أقرب مما كان يعتقد من قبل.

وقال سفانتي بابو، عالم الوراثة بمعهد ماكس بلانك لتطور السلالات البشرية بألمانيا 'أوضحنا أن واحدا من الأنواع المبكرة للغاية من إنسان العصر الحديث المعروفة من أوروبا لها أسلاف من إنسان النياندرتال يرجع عهدها إلى أربعة إلى ستة أجيال على شجرة العائلة البشرية'.

وأضاف 'إنه يحمل الكثير من الحمض النووي لإنسان النياندرتال بدرجة أكبر من أي إنسان آخر شوهد حتى الآن من العصر الحديث أو الإنسان الأقدم نسبيا'.

وقال ديفيد راي، عالم الوراثة بمدرسة هارفارد للطب، إن نسبة تتراوح بين ستة إلى تسعة في المئة من الطاقم الوراثي (الجينوم) الخاص بهذا الفرد مشتقة من أحد الأسلاف من إنسان النياندرتال.

وقال بابو إن هذه الدراسة التي نشرت نتائجها في دورية (نيتشر) توضح أن نوعنا البشري تزاوج داخليا مع إنسان النياندرتال في أوروبا أيضا وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط مثلما كان يعتقد من قبل.

كانت أبحاث سابقة قد أشارت إلى أن زواج الأقارب هذا حدث منذ 50 ألفا إلى 60 ألف عام قبل أن تطأ قدما نوعنا، الذي نشأ أصلا في أفريقيا، الأرض ليرتحل إلى قارتي أوروبا وآسيا وغيرها.

وأضاف راي 'وصل إنسان العصر الحديث إلى أوروبا منذ 43 ألف عام وانقرض إنسان النياندرتال منذ 39 ألف عام'.

وقال راي إن التحليل الوراثي أوضح أن هذا الفرد كان يجمع بين الصيد وجمع الثمار وأنه من 'جنس رائد' دخل أوروبا لكنه لم يسهم كثيرا أو لم يسهم بالمرة على المستوى الوراثي في ذرية الأوروبيين فيما بعد.

وأضاف 'إنه أمر مثير لأنه يعني أن أوروبا لم تكن يقطنها بصفة دائمة نفس النسل أو الذرية منذ أولى موجات هجرة إنسان العصر الحديث إلى أوروبا'.

وازدهر إنسان النياندرتال المتين البنية الكثيف الحاجبين في أنحاء أوروبا وآسيا منذ 350 ألف عام حتى بعد 40 ألف عام بقليل واندثر في الفترة التي وصل فيها جنسنا (هومو سابينس) أو الإنسان العاقل.

وعلى الرغم من السمعة القديمة التي اشتهر بها إنسان النياندرتال بأنه أخرق متواضع القدرات الذهنية يقول العلماء إن أبناء عمومتنا كانوا يتصفون بتوقد الذكاء وذلك في ضوء قدراتهم وأساليبهم المعقدة في الصيد واحتمال استخدامهم للغة التخاطب والإشارات والأدوات الرمزية والقدرة على استئناس النار.

وعثر على عظام الفك السفلي تلك عام 2002 في كهف اسمه آواسي بجنوب شرق رومانيا وباءت بالفشل جميع محاولات استخلاص الحمض النووي منه غير أن التقنيات المتطورة سهلت التوصل لهذا الاكتشاف.