أجّل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراره الخاص بتقرير القاضي ريتشارد غولدستون المتعلق بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وذلك للدورة القادمة التي تبدأ شهر مارس/آذار المقبل.

وكان من المفترض أن يصدر القرار اليوم، لكن الوفد الفلسطيني طلب التأجيل بناء على ضغوط أميركية وروسية، وذلك طبقا لما ذكره مراسل الجزيرة في جنيف.

وجاء أن الفلسطينيين يرفضون في الوقت نفسه القول بسحب التقرير، "وإنما ترحيله للدورة القادمة للمجلس المقررة في مارس/آذار القادم".

كما أشار المراسل إلى ضغوط أميركية مورست على الفلسطينيين لسحب القرار، ونقل عن فلسطينيين بجنيف أن الأميركيين تذرعوا بأنهم يعدون لمشروع سلام بالمنطقة، وأن إقرار التقرير من شأنه أن يعطل هذا المشروع.

ونقل المراسل عن العديد من منظمات حقوق الإنسان استياءها الكبير من الموقف الفلسطيني، حيث اتهمت تلك المنظمات الولايات المتحدة بتسييس التقرير، وأنها نجحت مرة أخرى بإنقاذ إسرائيل.

من جانبه قال المراقب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم خريشة إن الفلسطينيين ليس لديهم الحق من الأساس بطلب سحب القرار، مفسرا ما جرى بأنه كان نتيجة اتفاق دول أفريقية وعربية وإسلامية على تأجيل النظر في القرار لدورة المجلس المقبلة.

وقال خريشة للجزيرة إن الكثير من الدول أكدت حاجتها لمزيد من الوقت لدراسة تقرير غولدستون المكون من 600 صفحة ويضم عشرات التوصيات والاستخلاصات.

وقال خريشة إن الفلسطينيين بدورهم "يفضلون أن يحصل القرار على إجماع المجلس، حتى تنبثق عنه قرارات مهمة تنصف حق الفلسطينيين، ولذلك فضلوا منح المزيد من الوقت للدول لدراسة التقرير ومناقشته في مارس/آذار القادم".

وأضاف "نحن لا نريد الاستعجال أو القفز في الهواء، حتى لا ينتهي المطاف بالتقرير كما انتهت إليه تقارير سابقة"، مؤكدا تثمين السلطة الفلسطينية لمهنية وموضوعية وحيادية تقرير غولدستون.

وكانت قد أكدت تصريحات صحفية للسفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إبراهيم خريشة، سعي السلطة الفلسطينية لسحب دعمها لمشروع قرار من المقرر أن يتم التصويت عليه في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يندد بالسلوك الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وهو ما أكدته أيضا مصادر دبلوماسية وصحفية عربية وغربية.

وتفيد هذه المصادر بأن السلطة تعرضت لضغوط أميركية وإسرائيلية لسحب دعمها للقرار بدعوى أن من شأنه أن يقوض جهود عملية السلام.

ففي إشارة إلى التحذيرات الأميركية من خطورة أن يؤدي اعتماد القرار في مجلس حقوق الإنسان إلى إعاقة عميلة السلام في الشرق الأوسط، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن خريشة قوله "نحن لا نريد أن نضع العقبات أمامهم".

ومضى خريشة يقول "نحن نريد استصدار قرار قوي للتعامل مع التقرير للحصول على أكبر قدر من الفائدة"، لكنه استدرك بأن مواصلة السعي في استصدار القرار حاليا تعني مواجهة الفيتو الأميركي، رغم إشارته إلى أن 33 عضوا من أصل 47 من أعضاء مجلس حقوق الإنسان يدعمون القرار.

وأكد أن "تأجيل النظر في القرار قد يفسح المجال أمام الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى تسوية أخرى بشأنه منها إعداد الطرفين لهيئتين مستقلتين تحققان في جرائم الحرب المحتملة".

ونسبت صحيفة نيويورك تايمز لمصدر دبلوماسي عربي طلب عدم الكشف عن هويته تأكيده وجود ضغوط أميركية قوية على أعضاء المجلس الحقوقي لتأجيل النظر في القرار.

وفي السياق نفسه نقلت صحيفة واشنطن بوست عن دبلوماسيين أوروبيين تأكيدهم أن السلطة الفلسطينية قررت سحب دعمها لمشروع القرار الذي كان موضع ترحيبها عند تقديمه الأسبوع الماضي من قبل دول عربية وإسلامية.

وأقر مصدر دبلوماسي أميركي رفيع للصحيفة بأن القرار الفلسطيني جاء بعد ضغوط أميركية قوية، وقال إن "الفلسطينيين يدركون أن قرارا كهذا سيشكل ضربة قاسية لعملية السلام، وهذا ليس هو الوقت المناسب للمضي في مثل هذه الأمور".

وبدورها كشفت مصادر فلسطينية مطلعة للجزيرة نت أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تلقى خلال اليومين الأخيرين اتصالين من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، التي دعته إلى عدم الموافقة على ما جاء في التقرير بدعوى أنه سيعمق الفجوة التي قل اتساعها مؤخرا مع الإسرائيليين.

وحسب المصادر فإن محمود عباس تعرض لضغوط شديدة من رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض لدفعه للموافقة على سحب الإقرار الفلسطيني الذي يعني اعتماد التقرير وبدء الإجراءات العملية لتنفيذ توصياته.

ووفقا للمصادر فإن سلام فياض تذرع بالوضع الاقتصادي وإمكانية عرقلة عمل شركة اتصالات فلسطينية جديدة واستغلال إسرائيل والإدارة الأميركية للموافقة الفلسطينية على التقرير بغية التراجع عن تعهدات بالعمل على تسوية سلمية للصراع.

وبينت أن فياض اعتبر أن الموافقة على التقرير والعمل على ترويجه خطأ "لأننا لا نستطيع الوقوف في وجه أميركا وإسرائيل".

غير أن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات نفى في تصريحات نقلتها الجزيرة أن تكون السلطة طلبت سحب القرار.

وكانت إسرائيل قد اشترطت قبل أيام سحب السلطة الفلسطينية موافقتها على التقرير الذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب أثناء حربها على غزة مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية جديدة بالعمل وإعطائها الترددات اللازمة.

كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن استصدار القرار سيشكل ضربة لعملية السلام.
دان تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في بيان وصل عــ48ـرب نسخة منه، سلوك السفير ابراهيم خريشة في اجتماع مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ودعاه إلى سحب طلب تأجيل بحث تقرير القاضي ريتشارد غولدستون على الفور، وإلى المضي بثبات في إحالة التقرير إلى مجلس الأمن الدولي، والطلب إلى المجلس إحالة التقرير إلى محكمة الجنايات الدولية، لملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين وتقديمهم الى العدالة الدولية، بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجميع الانتهاكات، التي اقترفتها قوات الاحتلال في عدوانها على قطاع غزة نهاية العام الاضي ومطلع هذا العام .

وأضاف البيان أن طلب تأجيل البت بالتقرير خدمة مجانية للسياسية العدوانية لحكومة اسرائيل وإجازة مرور لدولة إسرائيل لممارسة الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، والتحضير لعدوان جديد يمكن أن يطال بآثاره المدمرة كلا من لبنان الشقيق وقطاع غزة الباسل، الأمر الذي يجب أن تنأى بنفسها عنه جميع الاوساط والمرجعيات السياسية الفلسطينية والعربية كذلك، بصرف النظر عن الأسباب والدوافع .

وختم تيسير خالد تصريحه بالتأكيد إنه سبق أن طرح ما جاء في تقرير ريتشارد غولدستون وما يقدمه من شواهد وأدلة وبراهين على ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب على الاجتماع الأخير للجنة التنفيذية، ودعا إلى ضرورة متابعة دعوة مجلس حقوق الانسان ومجلس الأمن الدولي، وحملهما على تحمل مسؤولياتهما في إحالة ملف الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الإنسان في العدوان الإسرائيلي الأخير والمتواصل على قطاع غزة الى محكمة الجنايات الدولية حتى لا تفلت إسرائيل من العدالة الدولية، كما حدث بعد مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ومجزرة قانا عام 1969، وغيرها من الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان والتي ترقى الى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
استنكر النائب د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي البرلمانية، قرار السلطة الفلسطينية الموافقة على عدم البت في تقرير جولدستون في الهيئة العامة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف وتأجيل الموضوع إلى اكثر من نصف عام.

وقال النائب زحالقة إنّ "الشعب الفلسطيني يكاد لا يصدق هذا الخبر، لأنه فعلاً يتجاوز كل الخطوط الحمراء، ولا يحق لأحد أن يعبث بدماء أكثر من 1400 شهيد فلسطيني بينهم أكثر 400 طفل استشهدوا في العدوان الإجرامي الذي شنته إسرائيل على غزة نهاية العام المنصرم".

وأضاف زحالقة: "من المخجل والمهين أن يقوم طرف فلسطيني رسمي بالتنازل عن تقرير أعدته جهة دولية، كشفت وأثبتت جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. ومن المخجل ومن المهين مقايضة دماء شهداء غزة برخصة للهواتف النقالة أو بمفاوضات وهمية وعبثية لم تجلب سوى الويلات للشعب الفلسطيني".

وشدد زحالقة على أن "طلب تأجيل البت بالتقرير لا يخدم سوى إسرائيل ويعطيها الضوء الأخضر لتكرار جرائمها، بعد أن اطمأنت بأنها وقادتها السياسيين والعسكريين يفلتون من العقاب والمحاسبة".

وأشار زحالقة إلى أن "إسرائيل بقياداتها السياسية والعسكرية، التي طاولها التقرير، تنفست الصعداء بعد قرار التأجيل، واعتبرته انجازاً عظيماً لها وعلى قدرتها على الإفلات من المحاسبة والعقاب الدوليين".

وأوضح أنه قبل أسابيع نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مساع وضغوط على السلطة لسحب دعمها لتقرير جولدستون، مقابل بعض الوعود الإسرائيلية والأميركية، ويبدو أن هذه الوعود والإغراءات قد أثمرت لصالح إسرائيل وضد مصلحة الشعب الفلسطيني.

ودعا النائب زحالقة كل القوى السياسية الفلسطينية وفي مقدمتها حركة "فتح" والتنظيمات المشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية إلى تفعيل ضغوط على السلطة حتى تتراجع عن موقفها المثير للسخط والغضب والإذلال، ولتقوم بواجبها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، لا عن حسن العلاقة مع أميركا وإسرائيل.

وأضاف أنه "لمن المفارقة ومن علامات الزمن الرديء أن تكون هناك حاجة للضغط على القيادة الفلسطينية حتى لا تتراجع هي عن تقرير أعدته جهة دولية".أكدت منظمة المؤتمر الإسلامي أن الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية اتفقتا سويا على قرار الأمم المتحدة بتأجيل التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الخاص بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

وقال الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو إن التأجيل جاء بناء على اتفاق أميركي مع السلطة الفلسطينية قبلت به منظمة المؤتمر الإسلامي.

ونفى أمين سر المجلس التشريعي الفلسطيني محمود الرمحي أن تكون الدول العربية طلبت التأجيل، مؤكدا أن من طلب تأجيل التصويت هو السلطة الفلسطينية.

وقال إن محاولة التبرير بأن الدول العربية هي من أراد ذلك أمر "غير صحيح"، واعتبر طلب السلطة تأجيل إصدار القرار "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وتنكرا لدماء وجرحى غزة".

قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إن من العار أن يدعو صوت فلسطيني لتأجيل النظر في نتائج لجنة التحقيق في حرب غزة التي رأسها المبعوث الدولي غولدستون.

واتهم فوزي برهوم المسؤول في حركة حماس الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمحاولة إنقاذ إسرائيل من مشاهدة قادتها يمثلون أمام المحاكم الدولية.

وقال برهوم إن حماس تصر على وقوف "قادة الاحتلال" أمام المحاكم الدولية مجرمي حرب وأن أي شخص يحاول منع حدوث ذلك سيعد شريكا في الجريمة.

أمنستي تأسف لتأجيل تقرير غولدستون


طالبت منظمة العفو الدولية (أمنستي) الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإحالة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون إلى مجلس الأمن فورا والذي أجّل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراره بشأنه إلى الدورة القادمة التي تبدأ في مارس/آذار المقبل.

وأعربت العفو الدولية عن أسفها لقرار التأجيل على التصويت. ودعت مجلس الأمن إلى وضع لجنة مستقلة من الخبراء لمراقبة تشكيل إسرائيل وحماس للجان تحقيق في الممارسات التي وردت في التقرير.

وكانت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أرين خان قد حثت الحكومة الأميركية على فحص نتائج التحقيق التي أوردها القاضي ريتشارد غولدستون في تقريره.

وقالت: "يجب على البيت الأبيض الآن أن يدرس ذلك التقرير، ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إحالته إلى مجلس الأمن الدولي".

وأضافت أن "من مسؤولية مجلس الأمن الدولي أن يأخذ هذا التقرير بنفس القدر من الجدية التي أبداها تجاه تقارير أخرى، مثل تلك المتعلقة بالوضع في دارفور، لا يجوز أن تكون هناك معايير مزدوجة فيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية". كما نفت خان أن تكون نتائج تحقيق القاضي غولدستون متحيزة ضد إسرائيل.