إلى: نمر شعبان

العنوان: نمر@عسقلان أكاديمي

صباح الخير أو مساء الخير. فليكن التوقيت نهارياً أو ليلياً. القرار لك. فقط أغمض عينيك وتخيل الوقت الذي تحبّه من النهار. لا أحد يمكنه أن يسلبك ذلك. عقلك سيبقى ملكك. عقلك الذي يبدو متماهياً مع زمننا، بالمقارنة مع رؤوس كثيرة مغلقة على ظلمتها، وإن كانت تعيش في ضوء مدن وممالك عربية تنهض فيها المباني الزجاجية.

أكتب إليك على عنوان >. عنوان إلكتروني استوحيتُه من أسلوبك. أنت المعتقل في سجن عسقلان. لم تنس أن العالم خارج جدران الحبس يتغير. واكبته. استخدمت مفردات > لتذكر بقضية من الماضي وتستمر. خاطبت طلاب >، وخاطبت معهم ملايين الشباب العرب الذي ملّوا المنابر ومعتليها، وانتابهم القرف من خطابات تستعرض مهارات الإنشاء لتلاميذ >. هل تعلم أن رسالتك منشورة على موقع عرب48 (www.arabs84.com) على الإنترنت؟ لعلك تعلم. لكن لا أظنك تدرك حجم تداولها، عبر الشبكة الدولية، من عنوان إلكتروني إلى آخر. أنت مقروء بكثافة. عبر واسطة هي ابنة يومياتنا. كم أنت قريب. كم أن > نراهم ونسمعهم كل يوم بعيدون. أبعد من عسقلان. أبعد من مملكة > التي اخترعها دريد لحام في أحد أفلامه. هل هناك يسكن عمالقة فلسطين الذين لا تنفك شاشات التلفزة العربية ترسم لهم صوراً خرافية لا حياة فيها، ولا غرام، ولا موسيقى، ولا فيلماً تلفزيونياً أو فيديو كليب؟

نمر..

أريد أن أعترف لك. عندما قرأت عنوان رسالتك >، العنوان مع أسطر سريعة، كنت قد أطلقت حكماً: رسالة من الرسائل اليومية التي تصلنا عبر الفاكس وال>، لتذكرنا بصوت واحد، صوت المعركة التي يجب ألا تعلو عليها أي >. هكذا عوّدنا، يا نمر، أولئك المتغنون أبداً بالنشيد الممل نفسه.. > ناهيك عن الأحكام > المبرمة. أتخيلك تترنم بلحن تحبّه عندما تضيق بك الزنزانة. أكثر من خمسين عاماً مرّت على احتلال الأرض. تصوّر لو أن عالمنا توقف بانتظار استرجاعها.. لو أننا قاطعنا الرقص واللحن، أي لحن. أعتذر منك. سامحني لأني، بدوري، وقعت في المقلب الثاني للفخ نفسه. ظننت أن الأصوات كلها من مقام >. لكني قرأت رسالتك ثانية، على مهل. أنت في سجنك تتابع، مثلنا في بيوتنا، برنامج مواهب حقق جماهيرية، بصرف النظر عن كل ما يمكن مناقشته فيه. قررت أن تذكّرنا بك وبالظلم الذي تعيشه مع كل طلعة شمس محجوبة عنك، من دون أن تحقّر يوميات شبان وفتيات يستمتعون بالغناء ويحلمون بالشهرة، من دون أن تقلل من شأن الأفراح الصغيرة. عرفت، قبل الجميع، كيف تطوّع تلفزيون 2004 ليصبح في خدمة نمر 2004. لم تطالبه بشيء. فقط ضممت يومياتك إلى يوميات > الأكثر انتشاراً اليوم في وطننا العربي. أنت، حيث أنت، بشري.. وخلّي المنادي ينادي.

على فكرة يا صديقي، هل لاحظت كيف يمكن لبرامج الهواة العرب أن تكون نماذج مصغرة عن > العرب؟ هل لاحظت كيف عوقب التونسي أحمد الشريف والمصري محمد عطية، عندما اعترضا على أداء أغان اختيرت لهم في >، بتسميتهم >؟ هل ترى كيف يتمدد منطق الحكم في بلادنا؟.. جامعة عربية مصغرة ومتلفزة 24/24. حتى > لا نراه كاملاً، بشوائبه. المونتاج >. الفرق أن> شباب. لا فرق كبيراً في ثقافة السلطة: تخفي، تكشف، وتعاقب ال>. هل تقرأ الرسائل الخلوية (sms) أسفل الشاشة؟ هل ترى كم > الكويتيون السعوديين، واللبنانيون المصريين؟ وما رأيك بالمرور > لفلسطينيي 48 في >؟ ألم تتابع معنا استضافات قناة > نفسها للنائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة، إذ اعترفت القناة بأنه يناضل من أجل فلسطين وأهلها من قلب الحياة السياسية الإسرائيلية؟ هي > نفسها التي همّشت، في > فلسطينيين لأنهم يحملون جوازات سفر إسرائيلية، ويحملون أيضاً تعب السفر إلى الأردن، وأصواتاً تغني عربيات قديمة وجديدة. والأحلى من ذلك، يا نمر، أن إعلان > يقول >!

ها أنت > من >. ها أنت أدركت أن الترفيه لغة مشتركة، يمكنها أن تكون لصيقة بقضايانا. وأنها أكثر شعبية وانتشاراً، حتى بين المتحمسين لقضيتك وفلسطينك، من > قناة المقاومة.. مثلاً. ها أنت أذكى مقاوم. وها هي شاشاتنا تمجّد الموت، دائماً الموت. ويا حبذا لو كان على مستوى الشيخ أحمد ياسين، هنا يصبح الموت هو > الفلسطيني، دون الحياة. فتهتم التلفزيونات العربية بفلسطينها لأيام معدودات.

نمر..

اليوم، ستعرض الحلقة الأخيرة من >. ستجلس معنا أمام الشاشة مترقباً الفائز، منتظراً على الأرجح حلقة أخيرة ليومياتك المتعبة. أتمنى من كل قلبي ألا تكون معاقباً، من قبل جنود الاحتلال، بحرمانك من مشاهدة التلفزيون. وفي الحالتين سنتذكرك في أمسية ربيعية بيتوتية.

______________________________________________

( عن "السفير"، بيروت)