في اليوم السابع والعشرين لإضرابهم البطولي، يمكننا الاستنتاج أن الأسرى لا يصارعون ببطونهم الخاوية السجان الصهيوني، الذي يحرمهم أبسط مقومات الحياة فقط، بل يصارعون، أيضًا، "وضعًا فلسطينيًا وعربيًا" قد يحتاجون معه لمعجزة لتحقيق الحد الأدنى من أهدافهم.

ويأتي الإضراب لتحدي الجمود في الوضع الفلسطيني/ العربي، وكسره وليس فقط لتحقيق مكتسبات يومية تمس شروط وظروف أسرهم.

ورغم العزل والتعتيم والتشويه الذي يتعرض له إضرابهم وقيادته، فإن الصلابة والتماسك اللذين تبديهما قيادة الإضراب هو مؤشر على فشل سلطات الاحتلال ومصلحة سجونها في النيل من وحدة الأسرى والمس بشرعية قيادتهم ومطالبهم العادلة.

ورغم إصرار سلطات الاحتلال على إحباط، ما تعتبره هدفًا سياسيًا للإضراب، من خلال مواصلة عزل الأسير مروان البرغوثي وإبعاده عن أيّة تنسيقات ومشاورات ومفاوضات لاحقة، وهو عزل اتبعته في محاولة منها لتشويه السمعة وحرق الأوراق، بواسطة شريط الفيديو المفبرك الذي بثته مصلحة السجون، وكلها محاولات تنفي وتسقط ما يشاع من خلال أبواق الاحتلال، أيضًا، عن سيناريو يتم فيه إطلاق سراح البرغوثي عبر وساطة أردنية (على غرار إطلاق الشيخ أحمد ياسين في حينه) ليكون خليفة لمحمود عباس بمباركة إسرائيلية عربية رجعية.

إصرار سلطات الاحتلال على عدم منح البرغوثي أيّ امتياز، بل حرمانه من دوره الذي يضطلع به في قيادة الإضراب، والذي قد يصل إلى حد التفاوض مع سائر أفراد القيادة وربما الموافقة على جزء من شروط الأسرى بدونه، وبالتالي قصر مكتسبات الإضراب على الجانب المتعلق بظروف الأسر، واختيار "أهون الشرين"، لإنهائه قبل ذكرى النكبة وزيارة ترامب وقبل أن يأخذ مداه من التفاعل الجماهيري، الذي قد يعرقل وينسف ما يتم تحضيره من "طبخة سياسية" جديدة تتمثل بإعادة إطلاق المفاوضات العبثية برعاية ترامبية لتوفير الغطاء لمخطط الإدارة الأميركية الجديدة في الخليج، وتحديدا بما يتعلق بالموضوع الإيراني.

 وحتى هذا السيناريو المتشائم، أيضا، لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستجابة لمطالب الأسرى أو جزء كبير منها، بل كلما كانت المقايضة أكبر سيكون حجم المطالب التي سيحققها الأسرى أكثر، وقد ينتهي باتفاق يجري التوافق عليه ضمن تحييد البرغوثي عن الإنجازات بشكل كامل أو بتهميش دوره ومنعه من تحقيق مكاسب "شخصية" تنعكس على مكانته كقائد مستقبلي للشعب الفلسطيني.

أما السيناريو المتفائل، فهو أن يقلب الإضراب الطاولة على ما يطبخ في محور واشنطن تل أبيب بموافقة سلطة أبو مازن، من خلال رفض التنازل عن الدور القيادي للبرغوثي والإصرار على تصدره لأي مفاوضات وأي اتفاق ينهي الإضراب، حتى لو كان ذلك بثمن التنازل أو إرجاء بعض المكاسب، الأمر الذي يعني إشعال الأرض تحت أقدام ترامب قبل أن تطأ أرض فلسطين ونسف المخططات الأميركية الإسرائيلية التي يجري تحضيرها لفلسطين والمنطقة برمتها.