في ذكرى النكبة: لاجئون داخل الوطن وخارجه يتذكرون ويتحدثون ويحلمون
مع اقتراب ذكرى النكبة الفلسطينية عام 1948، قامت صحيفة فصل المقال بمقابلة مجموعة من اللاجئين داخل الوطن وخارجه.
الحاجة حسنة الخليل،الرويس"كنا نقبّل يد عمي وهو ميت.."
كل أهل البلدة صعدوا إلى جبل صنيبعة، وهذا ما سيحكيه لنا أكثر من واحد التقيناهم ممن عاصروا أو سمعوا عن الحدث في تلك الأيام،تضيف أم محمد "تسلل بعض الرجال إلى القرية وأخرجوا جثمان عمي من المسجد وأدخلوه إلى مغارة وغطوه بالقش،كي يعودوا ليدفنوه فيما بعد، إلا أن الجيش لم يسمح للناس بالدخول إلى القرية، كنا نسترق الدخول الى القرية لنأخذ بعض الخضار والقمح والذرة كي نأكل، أما عمي الذي استشهد فقد كان النساء يزرنه في المغارة لمدة ستة أشهر، كنا نقبل يدّه وهو ميت، كانت حطته وعقاله على رأسه كـأنه نائم، فيما بعد نجح بعض الرجال بدفنه في مقبرة الرويس". بعد هذا تدخل أحد وجهاء طمرة وطلب من الناس أن يسلموا البواريد وقد وعده اليهود بإعادة أهالي الرويس إلى القرية، وبالفعل سلموا البنادق لليهود وطبعا لم يعودوا للرويس، ولكن الأهالي لم ييأسوا وعادوا بالفعل،تقول الحاجة حسنة" عدنا إلى بلدنا ودخلنا البيوت والحقول ولكن الجيش طردنا منها مرة ثانية وفي الليل اعتقل بعض الرجال والنساء، ثم هدموا القرية كي لانعود اليها وبعد شهرين هدموا الجامع"."أقمنا في شوادر ثم في براكيات عند دار جاد المصطفى في طمرة، كنا أثناء ذلك نحضر الماء من آبار قرية الرويس، وعندما طالت القصة اشترينا قطعة أرض في طمرة وحفرنا بئرًا أمام الدار".
عن أرضها في الرويس تقول الحاجة حسنة أم محمد "كانت عندنا أرض وتين وخضار،التينة بحجم البيت، كنا نزرع المقاثي والبندورة وكل شيء،وما زالت الأرض لنا ونحلم بالعودة .. ثم تتساءل ..فكركم بنرجع؟؟ نحن لم نبع ولم نبادل بالأرض...
طه أبو الهيجا.."لم أكن أذهب لزيارة الرويس..
محمد سعيد سمارة أبو الهيجا: شقيقي أتقــن العــبرية
من مواليد 1939 في حيفا حيث كان والده يعمل في المدينة،ولكنهم من الرويس يقول" عشت حتى سن ست سنوات في حيفا مع والدي ثم انتقلنا إلى الرويس عام 1945، كنت في حيفا أذهب إلى مدرسة البرج تحت المحكمة، كان لي خال في الصف الحادي عشر، وكان لي شقيق يذهب معي للمدرسة ولكنه مرض في ساقه ونقلناه الى مستشفى هداسا لعلاج ساقه، وصار يتقن العبرية بسبب ذلك.
سكنت كل أسرة لدى أحد المعارف أو النسب الخ، سكنا في غرفة واحدة أنا وأبي وأمي وشقيقي في غرفة عند دار أبو محمد موسى علاء الدين ذياب رحمه الله، كان بمثابة أخ للوالد، بعد خمس سنوات اقتنينا غرفتين من الطين من أحد الجيران وأقمنا فيهما حوالي عشرين سنة، ثم اشترينا هنا حيث نقيم الآن في العام 1964،كنت قد تزوجت عام 1959، كان لنا بيت في الرويس وحولنا مزروعات خضار وتبغ ومنحلة عسل،ويعترف ويقول: أحد افراد العائلة باع من الأرض بمبلغ بخس جدا، ولكنه كان مضطرا للبيع لأنه تورط ماديا.
ابراهيم أبو الهيجا-أعد كتابًا عن الرويس"
والدي كان يحكي لنا دائما عن الرويس وأنه تعلم في الدامون حتى الصف الرابع، كان يحكي لنا أنه اقتنى (بوط) لقدميه، وكي لا يتسخ البوط كان يحمله ويمشي حافيا أثناء ذهابه الى المدرسة" يضيف إبراهيم" أقوم حاليا بإعداد كتاب عن الرويس، منذ زمن صلاح الدين الأيوبي حتى يومنا، "الرويس هي واحدة من خمس قرى كان صلاح الدين الأيوبي قد اقتطعها وقدمها هدية لقائده حسام الدين أبو الهيجا جزاء له على بلائه في الحروب ضد الصليبيين، وهي الحدثة-الرويس-كوكب- سيرين- عين حوض، وذلك في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي.
حتى عام 1800 لم يكن في الرويس أحد، كانت أرضًا زراعية وقفًا، بدأوا بالإستيطان فيها عام 1800، وبلغ عدد سكانها عام النكبة 383 نسمة ومساحتها 1200 دونم، وعدد بيوتها 77 بيتا. توجد أثريات في الرويس، منها مغارة تم طمها أثناء فتح شارع إلى نيشر،علما أنهم يهتمون عادة بالآثار، ولهذا سوف أحاول أن أعرف ما هي الآثار التي كانت في تلك المغارة ولماذا طمروها!
ويضيف ابراهيم" كانت حدود الرويس مع طمرة عبارة عن حجر منقوش طوله 120 سنتمترًا وعرضه 70 سنتمترا ،كانت زفة العريس تصله ثم تدور حوله وتعود إلى القرية، كان في كل بيت بئر ماء وفي بعضها بئران،واستشهد من القرية اثنان وأسر اثنان عام النكبة، بعد خروج الناس من القرية ومحاولتهم العودة قامت قوات الإحتلال بهدمها ، وبعد عامين هدموا مسجدها.
علي أحمد عيسى رجعنا إلى ميعار فهدموها..
نصر الله زهرة الجش-برعم-الأمل مقرون بالعمل
بهاء رحال- بيت لحم-لا يسقط حق العودة
بهاء رحال كاتب من قرية اسمها عرتوف تقع الى الجنوب الغربي من مدينة القدس وهي من القرى المدمرة يقول بهاء" العودة حق لا يسقط بالتقادم وهو حق شخصي مكفول بكل القوانين الدولية والقرارات الأممية ، وليس من حق أي إنسان أن يسقط هذا الحق إلا الإنسان نفسة ، والعودة هي حلم كل لاجيء وكل نازح وسيتحقق يوماً ما مهما طال الزمان، الأجيال تتوارث هذا الحلم الراسخ في عقول الأطفال والشباب والشيوخ أما بالنسبة للتعويض فاذا كان التعويض هو لاسقاط حق العودة فهو مرفوض تماما أما أن مفهوم التعويض كما جاء بالقرارات الدولية هو تعويض اللاجيء او النازح عن الضرر الذي ألم به جراء النكبة واللجوء وهذا معناه مختلف تماما اعتقد ان الاجيال تحفظ وصيه الآباء والأجداد.
سعيد هدروس- السويد: لم أزر لوبية ولكنني أعرف تفاصيلها..
رغم كل الظروف القاسية التي مررنا بها رغم كل التشريد رغم قصفنا وقتلنا في مخيمات اللجوء نعم بقي الأمل موجودا ويوما بعد يوم يزداد هذا الأمل حضورا مع كل ذكرى نكبة حال الشعوب العربية لا يختلف كثيرا عن حالنا وبالتأكيد عندما تتمكن الشعوب العربية من الإمساك بحقوقها الإجتماعية والمطلبية وعندما تتحرر من قبضة الطغم السياسية الحاكمة سوف تكون قدرتها أكبر على دعم وإسناد قضيتنا وبالتالي سوف نكون أقرب لنيل حقنا بالعودة
فخري هواش – المكر- البروة
الأستاذ فخري هواش يعمل مدرسا يقول بهذه المناسبة" ما ما يدور على الساحة من مناورات سياسية للاستحواذ على حق العودة والمساومة عليه لا يلغي حق العودة، برأيي أن حق العودة حق شخصي لكل مُهجر ولا يحق لأي هيئة أن تساوم عليه، أجدادنا علمونا لا يضيع حق ووراءه مطالب، وسفو نحكي حكايتنا لأبنائنا.وما دام هناك من يروي فحقنا لن يضيع. بالإضافة لهذا كتب فخري قصيدة عن البروة لم نستطع نشرها هنا لضيق المساحة.
الكاتب محمد علي السعيد "ولدت أنا وأشقائي سرًا"
وفي قرية البعنة ولدت حيث تزوج ابي من خطيبته من عائلة الاسدي في شعب في عرس غريب في نوعه فالعروس مصمودة والعريس مختبئ في الجبل لأنه من المغضوب عليهم من المتسللين، وولدت وأشقائي سرا (تماما في في قصة باب الشمس للروائي الياس خوري).
وبقيت قرية شعب مع القليل من سكانها الأصليين، وأحضرت الحكومة الاسرائيلية الى القرية بدو الغنامة والبقارة وكذلك الكثير من سكان قرية ميعار المجاورة، وسكنوا بيوت سكانها النازحين، (وتربطني علاقة طيبة فيها روح المداعبة مع العائلة البدوية التي سكنت بيت جدي).شعب قرية قائمة فيها سلطة محلية ومؤسسات حكومية ولكن أرضها مصادرة ومحرمة على سكانها الأصليين، في بداية السبعينات قررنا العودة الى شعب، ولكن دائرة أراضي اسرائيل المختصة بأموال الغائبين رفضت إعطائنا قسيمة من أرضنا واقترحت علينا قسيمة أرض تابعة للغائبين فرفضت الاقتراح، وكذلك رفضنا البيع أو التبديل وبقينا نسكن البراكية من الصفيح الى أن كنا في طمره اشترينا بيتا وأرضا عام 1975 .
يولد أبناء أقاربي يكبرون ويتزوجون ويموتون ولا أراهم مباشرة، ومؤخرا حدث التواصل مع بعضهم بفضل وسائل الاتصال الحديثة... ولكن شعب قرية قائمة وليست مهدمة وممنوع مني أن أسكنها فقانون الحاضر غائب يسري عليّ .. إنها حالة استثنائية تقودني الى رؤيا ليست متشائلة بل سوداوية في المستقبل المنظور، فأنا مهجر في الداخل وقريتي قائمة وهذا وضعي فما بالكم بالمهجرين في الداخل وقراهم مهدمة نهائيا، نزورها يوم النكبة من باب التعويض النفسي ولكن لن يضيع حق وراءه مطالب، والذل العربي لن يدوم طويلا.
سليم البيك- ترشيحا- الإقامة خارج فلسطين
شعبنا الفلسطيني في المخيمات، أو في مخيمات سوريا وقد عشت فيها، يعيش قراه ومدنه التي تهجّر منها بالمعنى المادي والمعنوي، ليس الأمر مجرد نوستالجيا لحياة لم نعشها، بل أن أسماء كترشيحا والجش وعين الزتون والكابري والطيرة وغيرها تملأ المخيمات وطرقاتها، كأن كل مخيم هو فلسطين مصغّرة. اليوم، وفي هذه المخيمات، ومع القصف والقتل الذي تتعرض له بناسه ومبانيه وطرقاته،كأنها عملية تصفية لرمز مادي لوطن ما عرفه أهالي المخيم إلا معنوياً، كأنها تصفية استكمالية للتصفية العرقية التي قامت بها العصابات الصهيونية عام ٤٨ للوطن المادي الحقيقي، بترابه ومائه.
اليوم، بعد اندلاع الثورات العربية، وهي ثورات شعبية بالمعنى الأولي والنهائي برغم انتهازية أطراف في مصر كالإخوان ونتوء جماعات متطرفة كما في سوريا، نحكي عن ثورات شعبية تجرأت على أن تثور على أنظمة مغالية في قمعيتها في حالة السلم ثم دمويتها في حالة الثورة عليها كما في سوريا، وشعوب كهذه لا تعجز عن الإطاحة بجماعات تحاول سرقة ثوراتها. اليوم، وبعد هذه الثورات، تغيرت أسقف توقعاتنا لما يمكن أن تقدم عليه الشعوب، ونحن كفلسطينيين أولى من غيرنا في إشعال الثورات والانتفاضات، منها ما قد يحملنا كلاجئين إلى أوطاننا. لن أدخل في توقعات أمر كهذا لطالما كان هاجسنا، لأن شعوباً عربية أثبتت أنها أبعد من توقعات أفراد كحالتي.فجأة، أعطاني أملاً أننا كفلسطينيين في صلب كل ذلك، أننا لطالما ناضلنا من أجل حقنا في العودة، وأننا سنناله إن يوماً أردنا فعلاً ذلك.