على سفح الجبال وسط تونس وبين غطاء أخضر ترسمه الأشجار النادرة، التي تتسابق أكثر من 83 نوعا من الطيور على الانتقال فيما بينها، عاد "غزال الأطلس" إلى الركض مرة أخرى بعد غياب قارب على 116 عامًا.

هذا المشهد الذي افتقدته تونس منذ أكثر من قرن من الزمان، إثر اختفاء "غزال الأطلس"؛ بسبب الحروب والصيد العشوائي والزحف السكني، عاد مرة أخرى مع جلب 43 رأسا من هذا النوع من الحيوانات من إسبانيا، مؤخرا، ليستقر في موطنه الأصلي في البلاد.

وفيما تشبه رحله مصالحة بينه وبين محيطه الأصلي، انطلقت الغزلان القادمة من منطقة "ألمارية" الإسبانية منذ أيام على سفح جبل السرج بولاية سليانة، وسط أنواع عدة من أشجار القيقب النّادرة والفرنان والصنوبر الحلبي والسرو، وإلى جانب عشرات الأنواع من الطيور كصقور الشاهين والعقاب.

عملية استرجاع 43 غزال أطلس تمت على مرحلتين، قبل أيام، بشراكة بين باحثين وعلماء في مجال البيئة من تونس وإسبانيا، في إطار البرنامج الوطني للمحافظة على الحياة البرية بتونس.

وإعادة توطين هذه الفصيلة من الغزال من شأنها أن تخلق ديناميكية بيئية على المدى البعيد بعد العناية والاهتمام بها، ومن ثم توزيعها على عدد آخر من المحميات والحدائق بتونس، وإعادة تنشيط هذه الأماكن وجلب الزوار إليها من جديد.

وفي هذا السياق، قال الباحث التونسي في علم البيئة وإدارة التنوع البيولوجي،عبد القادر الجبالي، في حديث له، إن "بعد ما حدث من انهيار شبه كامل لغزال الأطلس في تونس، قمنا باتصالاتنا مع الباحثين والمهتمين به في منطقة ألمارية الإسبانية، نظرا للخبرة التي يتمتعون بها في العناية بهذه الفصيلة طيلة 45 سنة، وقمنا بإقناعهم بالتعاون وتحقيق هذا المشروع".

وأضاف الجبالي، وهو أيضا نائب رئيس الجمعية التونسية للحفاظ على الحياة البرية (مستقلة)، صاحبة مبادرة جلب هذا الحيوان لتونس من جديد، أن "بشائر نجاح هذه التجربة ستظهر عندما يتزايد أعدادها هذا الشهر بعد موسم التكاثر في شهري نيسان/ أبريل  وأيار/ مايو".

وحسب الباحث البيولوجي، فإنّ العناية بالغزال ومتابعته علميا تتم بوضع بعض الشارات في أعناقهم ومتابعتهم بالأقمار الصناعية.

وعن كيفية استفادة العنصر البشري من مثل هذه النوع المشاريع، يقول الجبالي إن "كل مشروع للمحافظة على الحياة البرية وإعادة توطين الحيوانات فيها يتم التفْكير في كيفية استفادة الإنسان منه".

ويتابع أن "أولى الخطوات تكون بخلق عملية مصالحة للتونسي مع بيئته وطبيعته، فيجب أن نتخلص من اعتبار الحيوان البري طريدا، بل لا بد من اعتباره عنصرا مهما في هذه الطبيعة حتى لا ينقرض كما تم في السّابق".

ووفق الباحث فإن "قيمة 43 غزال أطلس تصل إلى 130 ألف يورو، قدمت مجانا إلى تونس في إطار برنامج الصداقة التونسي الإسباني."

وبالعودة إلى تاريخ اختفاء هذا الفصيل من تونس، يضيف اللجبالي أن "انقراضها تزامن مع فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والاستعمار الفرنسي لتونس (1881-1956)، وهي فترة حروب عرفت انقراض حيوانات عديدة أخرى بالبلاد منها الأسد الأطلسي والنمر والحيرم الأطلسي وغيرها".

ولم تكن الحروب وحدها عامل طرد لهذا النوع من الحيوانات، بل اكتساح الفلاحة لمجال كبير من البيئة، وهدم الجبال لتصبح ضيع فلاحية، ساهم أيضا في اختفاء غزال الأطلس، بعد أن تحولت بيئته التي يعيش فيها إلى أخرى غير ملائمة، بحسب الجبالي.

ويقيم غزال الأطلس وسط حظائر تابعة للحديقة الوطنية التي تتوسط جبل السرج وتمتد على مساحة 1720 هكتارا.

وعن تلك الحديقة يتحدث مدير إدارة الغابات بولاية سليانة، هيثم العامري، قائلا إن "المحمية الموجودة بالحديقة تأسست عام 2010 على مساحة 100 هكتار وهدف تأسيسها تنموي بالأساس".

هذا الهدف، بحسب العامري، يتمثل في خلق ديناميكية في هذه المنطقة سواء من خلال إجراء مزيد من البحوث العلمية المتعلقة بالبيئيّة والثروات الطبيعية، أو من خلال جعلها مزارا دائما لأصدقاء البيئة لاكتشاف طبيعتهم الثرية.

ولا تفوته الناشط البيئي ورئيس جمعية تونس إيكولوجيا، عبد المجيد الدّبار، أي مناسبة متعلقة بالبيئة والطبيعة، وفي جبل السرج يستقبل هو الآخر كغيره من محبي الطبيعة غزال الأطلس.

وبهذه المناسبة يقول إن "هذا زاد بيئي هام لا بد أن يعود لبلادنا، نحن بحاجة اليوم إلى خلق توازن بيئي مع ما يشهده المناخ من تغيرات".

ويضيف أن "ظاهرة السياحة الإيكولوجية (البيئية)، بدأت تتفاقم في تونس، وهذا أمر جيّد، أن تخلق مصالحة بين المواطن ومحيطه حتى تتغير النظرة النمطية للطبيعة والحيوان".

يشار إلى أن أنه منذ عام 1985 عمل باحثون أوروبيون بالتعاون مع الإدارة العامة للغابات على إعادة توطين عدد من الحيوانات على غرار السياف والمها ونعام شمال أفريقيا.

ولكن مشروع جلب غزال الأطلس يعد هو الأول الذي يتم على أسس علمية، على حد قول الباحث البيولوجي عبد القادر الجبالي.

ويعتبر غزال الأطلس من أندر الغزلان، ويوجد حاليا موطنهم الوحيد في شمال منطقة الصحراء الكبرى ويعيش في تشكيلة عريضة في التضاريس الكثيرة مثل التلال الرملية والصخرية وغابات البلوط والصنوبر ومراعي وهضاب الصحراء الحجرية.

اقرأ/ي أيضًا | في مثل هذا اليوم: اندلعت الثورة الجزائرية

وتقلصت أعداد هذا النوع من الحيوانات بسبب الإقبال على جلوده ولحمه خاصة بعد أن أصبح اصطيادها يتم بالمسدسات الحديثة الآلية.