معززة بمئات رجال الشرطة الذين تم احضارهم من مركز البلاد، وطائرة مروحية كانت تحوم فوق المنطقة، قامت جرافات وزارة الداخلية صباح اليوم، الاثنين، بهدم أربعة بيوت في قرية أم الحيران غير المعترف بها، الواقعة شمال بلدة حورة- وأبقت نحو 40 طفلا بدون مأوى. وقد منعت الشرطة وسائل الإعلام والمصورين من الاقتراب إلى المنطقة. ويشار إلى أنه سيتم بناء مستوطنة يهودية تابعة لبلدة ميتار على أراضي العائلة.
وكانت السلطات الإسرائيلية أجلت أبناء عائلة أبو القيعان في الخمسينات من أراضيهم ونقلتهم إلى مكان تواجدهم الحالي.

أحد أصحاب البيوت المتضررة، أحمد أبو القيعان، قام في التسعينات ببناء بيت له ولأبناء عائلته، وأرادت السلطات الإسرائيلية نقله من مكان سكنه إلى بلدة حورة، وذلك بالرغم من رغبتهم في حياة قروية واعتماد أبناء العائلة في معيشتهم على تربية المواشي. وبعد مفاوضات مستمرة توصلوا إلى اتفاق مع ما يسمى "مديرية النهوض ببدو النقب"، حول مكان وجود قسائم البناء التي على العائلة الموسعة أن تسكن فيها.
كانت هناك قضيتان قيد البحث: مديرية "النهوض" بالبدو اشترطت بيع قسائم أرض للشبان فوق سن الـ23، في حين طالبت العائلات أن يتم شراء قسائم أرض لكل من بلغ الـ18 من عمره. وبعد رفض المديرية أن يتم حفظ قسائم لصغار السن، لضمان مستقبلهم في السكن، أما القضية الثانية فكانت حجم التعويض للعائلات المهجرة، التي ذاقت الأمرّين خلال 56 عامًا من العيش في ظروف قاسية، بدون بنى تحتية أو شبكة كهرباء، وحتى المياه يتم نقلها بالصهاريج.

وقد اقترحت المديرية دفع تعويض قدره 100 ألف شيكل على بيت كبير من اللبن، يتم دفع 48 ألف شيكل من هذا المبلغ لقاء القسيمة. وكان سؤال أبناء العائلة: كيف يمكن لأفقر مجتمع في إسرائيل أن يبني بيت جديد مقابل 50 ألف شيكل؟
ويبادر إلى الذهن عدة أسئلة في عملية الهدم التي تمت اليوم: كم كانت تكلفة تشغيل الطائرة المروحية وثمانية باصات محملة برجال شرطة أحضروهم خصيصًا من مركز البلاد، نظرًا لانشغال شرطة اللواء الجنوبي في منطقة النقب الغربي؟ هل بهذه الطريقة من المعاملة "سيسعد" بقية السكان الذين تم تهجيرهم من أراضيهم إلى أراض ليست لهم ويريدون العيش كما بقية البشر، بالانتقال للسكن في البلدات المعترف بها، بالرغم من أنها تشكل بؤر الفقر المدقع والبطالة الأعلى في إسرائيل؟

هذا وعلى صعيد متصل، ناقشت هيئة الكنيست، اليوم الاثنين، اقتراح كتلة التجمع الوطني الديمقراطي البرلمانية لحجب الثقة عن الحكومة جراء سياسة هدم البيوت العربية في النقب والمدن الساحلية والطيبة وكفر قاسم والبلدات العربية عمومًا.
وقال النائب د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع في الكنيست، في عرضه لحجب الثقة إن "هناك قرارات حكومية لا يستطيع المواطنون تحملها، ويجب تغييرها لأنها تضاعف الغبن بحقهم... فسياسة التخطيط والبناء المتبعة تجاه البلدات العربية تخلق وضعاً اصبحت فيه الاف البيوت العربية غير قانونية وغير مرخصة، ليس لأن المواطن العربي لديه هواية البناء غير المرخص، وإنما بسبب الخرائط الهيكلية التي لا تسمح للمواطن العربي استصدار التراخيص، إذ أن البلدات العربية التي فيها خارطة هيكلية ملائمة لاحتياجات المواطنين، وهي قليلة، فإن نسبة البيوت غير المرخصة قليلة جداً، وهذا يدل أن سياسات التخطيط هي المشكلة لأنها لا تأخذ احتياجات المواطن العربي بالحسبان".

وأضاف النائب زحالقة: "مشكلة البناء غير المرخص هي مشكلة جدية ومنتشرة، فلا يجوز التعامل معها من خلال تطبيق القانون الصارم وعلى هوى وزير الداخلية، ولا يمكن هدم كافة البيوت المسمى غير المرخصة التي تريد السلطات هدمها، وهذا الاسلوب قد يفجر مواجهات لا نرغب بها".
وأكد النائب زحالقة أن "هذه مشكلة لها حل في حوزة الحكومة، وهو تجميد أوامر الهدم والشروع في مفاوضات مع ممثلي المواطنين العرب والسلطات المحلية العربية، إذ أن خبراء التخطيط قالوا أن للبناء فير المرخص يوجد حل. ففي بعض البلدات العربية لم توسع الخارطة الهيكلية منذ ثلاثين عامًا ولم يبقَ خيارًا للمواطنين سوى البناء دون تراخيص".

وتطرق النائب زحالقة في خطابه في حملة هدم البيوت المستعرة في الفترة الأخيرة في الطيبة وكفر قاسم والنقب، قائلاً إنه "في الآونة الاخيرة نشهد فائض من الناشط باصدار أوامر هدم من قبل وزارة الداخلية وسلطات التخطيط، ففي الطيبة على سبيل المثال، هناك 20 منزلاً في الطرف الشرقي من المدينة صدرت بحقها أوامر هدم رغم ان البيوت قائمة منذ عشرات السنين، إلا أن الادارة المدنية في الضفة الغربية قررت بعد الآن أن هذه البيوت غير مرخصة وغير قانونية".

وأردف النائب زحالقة مثالاً آخر في كفر قاسم مشيرًا إلى أن "السلطات أصدرت في الآونة الأخيرة أوامر هدم بحق 100 منزل ودحرجت القضية الى أروقة المحاكم بدلاً من أن توفر خارطة هيكلية مناسبة للقرية".
كما تطرق النائب زحالقة الى قضية هدم البيوت في اللد والرملة وحي الجواريش على وجه التحديد، قائلاً إن الدولة التي تعهدت بارض بديلة لأهالي القرية بعد ترحيلهم من الجنوب، خالفت وعودها وصادرت الارض البديلة ولا تتيح للمواطنين التطور الطبيعي.

كما وتطرق النائب واصل طه في خطابه إلى عشرات آلاف البيوت التي تعيش العائلات العربية فيها تحت تهديد أوامر الهدم. وقال: "مثل عدم جدوى التصفيات والهجمات العسكرية ضد الشعب الفلسطيني، فإنه لن تكون هناك جدوى في سياسة هدم البيوت التي تنتهجها حكومة إسرائيل، فمع الشعب الفلسطيني الحل هو إنهاء الإحتلال، وفي حالة سياسة هدم البيوت هناك حاجة لإقامة لجنة طوارئ لبحث الضائقة السكنية في الوسط العربي بدل هذه السياسة الفاشلة".

وأضاف طه: "لقد مرت قرابة الستين عامًا على وعود حكومة إسرائيل في حل هذه الأزمة ولكن شيئًا منها لم ينفذ".

وردًا على بار أون وزير الداخلية قال طه: "هناك حاجة ماسة ليس إلى هدم البيوت، بل لوضع حلول وذلك بتغيير سياسة وزارة الداخلية في هذا الشأن، لأن هدم البيوت العربية سوف يزيد من حدة التوتر بين اليهود والعرب، ويزيد الكراهية للمؤسسات الإسرائيلية الحاكمة، التي تتبنى هذه السياسة منذ قيام الدولة". وأكد طه أن "مصطلح القرى غير المعترف بها هو مصطلح من إنتاج إسرائيلي الهدف منه السيطرة على الأرض وطرد العرب من قراهم وخاصة في النقب".

وزاد طه أنه "من غير المعقول أن تبنى مستوطنة يعيش فيها عشرات الأنفس، وتكون رسمية ومعترف بها، وأمامها قرية فيها آلاف العرب وموجودة قبل قيام الدولة وتكون غير معترف بها، آن الأوان لإسقاط هذا الغبن والإعتراف بهذه القرى البالغة 45 قرية في الجنوب". وقال طه، "إنّ 20 ألف من البيوت المهددة موجودة في هذه القرى".

من جانبه رد وزير الداخلية، روني بار أون، على اقتراح حجب الثقة قائلاً إن "الحكومة لن ترضخ للضغوطات وستستمر في سياسة الهدم حتى لو استغرض ذلك عشر سنوات، رغم طرحكم الموضع اسبوعًا تلو أسبوع".
الى ذلك، اسقط الائتلاف الحكومي اقتراحات حجب الثقة الثلاث التي تقدمت بها كتل المعارضة بما فيها اقتراح كتلة التجمع الوطني.
.