اختارت جليلة أبو ريا ابنة شهيد يوم الأرض رجا أبو ريا من سخنين، أن تستذكر خلال مراسيم إحياء الذكرى الـ 41 ليوم الأرض، والدها الشهيد، وأن تسلط الضوء على معاني ودلالات الشهادة في سبيل الدفاع عن الأرض والوطن.

جليلة التي تحدثت باسم عائلات شهداء يوم الأرض، حيث استشهد في 30 آذار من العام 1976 ستة أشخاص دفاعا عن الأرض، رفضا للمصادرة ومخطط تهويد الجليل على حساب الوجود العربي، بينت أهمية إحياء الذكرى وتوريثها للأجيال الشابة، لتعميق الوعي وترسيخ الأحداث الوطنية بالذاكرة وتخليدها بالتاريخ.

فيما يلي كلمة ابنة الشهيد أبو ريا التي ألقتها في المهرجان القطري لإحياء الذكرى الـ 41 ليوم الأرض الذي أقيم، الخميس، في دير حنا:

وعندما نادت الأرض في آذار ملء منجديها الشهداء لبوا النداء، وكيف لا يلبون نداء أمهم الأرض، تلك التي ولدوا من رحمها في مخاض عسير، وكيف لا يلبون نداء البئر والبيدر، وكيف لا يلبون نداء الحبق والزيتون والزعتر.

 كان أبي الشهيد يصعد إلى علياء السماء وهو الذي ترك أمي وحيدة شابة في عمر الورود تحمل أربع بنات وحيدات، كان يطل علينا دوما ككوكب دري، من بعيد البعيد، من ملكوت الغيب روحه تطوف حول البيت القديم في ليالي الشتاء، تحرسنا قرب عتبات الرخام وتطوف بابنا لتعايدنا كلما حل هلال عيد، وعندما يعود الثلاثون من آذار من أقبية التقويم بكل ذكرياته، كانت تفوح الدرب، حيث استشهد عطرا وكأن البهاء ينثر أزاهير المروج هناك.

أجل أنت الشهيد البطل الذي رفع هامته يوم تقدم أشباه الرجال وجال في الميدان، فهنيئا لك الشهادة لأنك شهيد بأذن الله حي عند ربك ترزق.

غادرنا أبي ليواجه مصيره ويتحدى بذلك الحجر بندقية القناص التي صوبها نحوه لتستقر في الرأس رصاصته الغادرة.

تركنا تلفح شمس السماء وجوهنا ومطر الشتاء يبللنا ورياح الحياة تأخذنا ولا تعيدنا.

عشنا كل آلام اليتم والشوق والحنان والحرمان في غياب الكفيل والمعيل، وما كان ليعزينا إلا أنه مات شهيدا فداء للأرض والوطن.

أنظر إلى السماء فاراك يا أبي، احدثك فتسمعني، اخترت لي أما فكانت نعم الأم، واخترت لي اسما فكان نعم الاسم، ولحظة ولادتي أذنت في أذني اليمنى وأقمت الصلاة في أذني اليسرى، فكان أول صوت سمعته هو صوتك يا أبي وأول كلمة سمعتها الله أكبر... الله أكبر.

أبي... هذه الكلمة التي لم أنطقها يوما، أليس هذا ظلم، أليس ظلما عندما يتكلم الكل عن أبيه وأنا لا أعرف ملامحه وصوته حتى، فما عاد بيتنا حلوا كسائر البيوت، فأبي الذي ألقاه في المنام وكلما أصحو يموت.

قدم الحياة لأجل الحياة واختار الفناء من هذه الدنيا لأجل البقاء، فكل قطرة دم سقت زيتون الوطن فارتفع شامخا، وكل روح شهيد كسرت قيود الطواغيت، وكل يتيم غسل بدموعه جسد أبيه الموسم بالدماء، وكل أم ما زالت على الباب تنتظر اللقاء.

أسترجع صفحات منسية سطرها والدي الشهيد بدم زكي، أقرؤها وأردد فداك نفسي أيتها الأرض الابية، تمازجت دماء الشهداء وسطرت على صفحة هذه الأرض، ميثاق عهد يتردد في كل آذار ليقول: 'لنا الشهادة وجنات النعيم، ولكم الحياة والكرامة، نحن السابقون وأنتم إن شاء الله بنا لاحقون، ما مات شهيد إلا ليبعث حيا، ويبعث لمن بعده الحياة، طوبى لكم أيها الشهداء، وطوبي للأرض التي ولدتكم من رحمها، وطوبى لمن ظل عليها يحمل أسماءكم ويكمل مسيرتكم ويهتدي بهديكم'.

أما أنتم يا أعداء الحياة، فموتوا بغيظكم، إنا هنا باقون على درب الوفاء سائرون، وبأرضنا إلى الأبد متمسكون.

اقرأ/ي أيضًا | دير حنا: الآلاف في مسيرة ومهرجان يوم الأرض

باسم ذوي الشهداء تكلمت وتشرفت وبنور الشهداء استنرت وعلى رب العزة توكلت... وكل آذار وأنتم بخير.