في الساعات الباكرة من صباح يوم الجمعة، مع الصمت الذي ساد شارع "طارق عبد الحيّ" في الطيرة، تسرّب الخوف إلى كل زاوية من زوايا المدينة، التي شهدت منذ بداية العام الجاري، ستة جرائم قتل، لم تُوجَّه أي لائحة اتهام على علاقة بها.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

كل جريمة من الجرائم المرُتكَبة، تثير العديد من التساؤلات، وتترك وراءها آثارا دامية، لكن اللافت وليس الجديد، أن جميع هذه الجرائم لم تؤدِ إلى تقديم أيّة لوائح اتهام. ثلاثة من هذه الجرائم أسفرت عن اعتقالات، لكن ذلك لم يفتح أيّ أفق نحو العدالة، أو نحو محاسبة مُرتكبي هذه الجرائم.

من موقع الجريمة في الطيرة، الجمعة ("عرب 48")

وباتت شوارع مدينة الطيرة التي تعجّ بالحياة والتجار بشكل عام، اليوم، أشبه إلى ساحة حرب؛ بل باتت الجرائم مثل إطلاق الرصاص والعبوات الناسفة، أمرا شبه يوميّ، بحسب ما يروي سكّان المدينة، وذلك وسط غياب شبه تامّ لقوة رادعة.

وقد تكون الجريمة المزدوجة التي ارتُكبت في المدينة، الجمعة، خيرَ دليل علي غياب القوة الرادعة، إذ بدأت مطاردة سيارة الضحايا من قِبل سيارة مُرتكبي الجريمة على بُعد خمسين مترا، ووقعت الجريمة على بُعد مئتي متر من موقع محطّة الشرطة في المدينة.

ضحيتا جريمة القتل في الطيرة، الجمعة، (من اليمين) يوسف أبو خيط ومحمد تيتي

ولم تكن هذه الجريمة الأولى في المدينة، التي تُتركَب بالقرب من محطة الشرطة؛ ما يطرح أسئلة بشأن جدوى هذه المحطات.

وقُتل في مدينة الطيرة منذ بداية العام الجاري، ستة شبان، وهم: مروان ناصر، وأيهم ناصر، ومعاذ عبد الحي، وصبري مرضي فضيلة، ومحمد تيتي ويوسف أبو خيط.

خوف... "لا أحد يشعر بالأمان"

كانت مدينة الطيرة، آمنة قبل افتتاح محطة الشرطة، بحسب ما قال مواطنون في حديث لـ"عرب 48"، وباتت اليوم محاصرة بين جدران من الخوف.

يقول ماجد قاسم، وهو أحد سكّان مدينة الطيرة، إنه "لا أحد يشعر بالأمان، فالكل ينتابه الخوف الشديد".

ضحية جريمة قتل؛ مروان ناصر

وبدا الخوف كان واضحا على أهالي الطيرة، وبخاصّة إزاء الحديث لوسائل إعلام، حتى باتت الوجوه تعكس خوفا صارخا من قِبل الذين باتوا يتجنّبون الحديث. ووسط كلّ هذا، هناك غضب عارم، لا يمكن إخفاؤه في شوارع المدينة.

وقال الناشط السياسي حسني سلطاني، وهو من الطيرة، لـ"عرب 48"، إن "الجريمة في المجتمع العربيّ مدبّرة، وبالأخصّ الجريمة المنظمة".

وأضاف: "نحن لا نتحمل مسؤولية محاربتها، والمسؤولية هي على الدولة؛ ولكن من واجب المجتمع أن نكافح العنف، لكن الجريمة المنظمة هي مسؤولية الشرطة، التي لا ترغب في القيام بدورها".

ضحية جريمة قتل؛ أيهم ناصر

وذكر أنه "قالوا لنا إن افتتاح مراكز شرطة سيحارب الجريمة، ووفّرت البلدية لهم ذلك، رغم اعتراضاتنا على القرار".

وأضاف أنه "منذ افتتاح محطة الشرطة، تزايدت الجرائم في المدينة. وهذا هو الواقع اليوم، إذ ارتُكبت الجريمة، بالقرب من محطة الشرطة نفسها، فيما لا تُحلّ جرائم القتل التي تُرتكب في المدينة".

وذكر أن "حال الطيرة اليوم كحال العديد من البلدات؛ أغلب الناس هنا مسالمون، لكن إذا استمر الوضع هكذا، ستمتدّ الجريمة إلى باقي المناطق".

"كل شخص كان يمكن أن يُقتَل"

وقال ماجد قاسم وهو من الطيرة، والذي سمع صوت إطلاق الرصاص في الجريمة التي ارتُكبت، الجمعة، إن "إطلاق الرصاص كان كثيفا"، مشدّدا على أنّه "كان كان يمكن أن يُقتل أي شخص، تواجَد في مكان الجريمة".

معاذ عبد الحيّ ضحية جريمة قتل بالمدينة

وذكر أن "الشوارع اليوم تحوّلت إلى ساحة حرب"، مضيفا أن "الطيرة تشهد منذ أسبوعين أحداثا إجرامية خطيرة؛ يوميا إطلاق رصاص، وقنابل، ومطاردات، وانتقامات".

وحمّل قاسم المسؤولية للشرطة والسلطة المحلية، متسائلا: "أين السلطة المحلية مما يجري؟ لماذا لا نرى رئيس البلدية في مسارح الجريمة كي تشعر الشرطة أن هناك ’من يقف على رأسها’؛ ما هي وظيفتهم إذن، وأين أعضاء الكنيست مما يجري في المجتمع العربي ككل؟".

"نخاف على أولادنا"

وأضاف أن "هناك تقاعسا، بل تواطؤا من الشرطة، وهذا بات أمرا مفهوما، ولكن أين مسووليتنا؛ الشرطة لا تفعل، ولا تريد أن تفعل (شيئا في مواجهة الجريمة)".

وقال قاسم: "بتنا اليوم نخشى أن نخرج من المنزل. يوم أمس منعت ابني من الخروج من المنزل، وفي كل مرّة يكون فيه خارج البيت في ساعة متأخّرة لا أكون مرتاحا".

صبري فضيلة مرضي ضحية جريمة قتل

وأضاف "نخاف على أولادنا في شوارع المدينة، الأمر بات مقلقا ويصيب كل أهالي مدينة الطيرة، وليس الأشخاص الذين لهم ضلع بالجريمة أو النزاعات، فحسب".

رئيس البلدية: "لا تحرّكات حقيقيّة" من الشرطة

بدوره، قال رئيس بلدية الطيرة، مأمون عبد الحيّ، إن الجريمة باتت في المجتمع العربي مخطّطا واضحا، مضيفا أنه "لا يُعقل أن تقع جرائم القتل على مقربة من محطة الشرطة".

وأضاف: "قبل أسبوع، جلسنا مع الشرطة في لواء المركز، وشرحنا لهم كل الصراعات المتواجدة في الطيرة، ولديهم أسماء المتنازعين حتى، ولكن لا تحرّكات حقيقيّة".

وتابع: "في ما ما يحصل في الطيرة، يجب علينا نحن المواطنون أيضا، أن نأخذ المسؤولية على عاتقنا، والعائلات المتنازعة كذلك، وكل أهل الطيرة؛ يجب أن يكون لنا موقف واحدا موحّد ضد الجريمة، وللأسف إنّ القاتل والمقتول أيضا من الطيرة، لذلك المسؤولية الملقاة علينا يجب أن نتحمّلها".

اقرأ/ي أيضًا | جريمة قتل ثالثة اليوم: قتيل ومصاب في اعبلين ومصابان في كفر ياسيف