خلال مداخلته في المؤتمر الذي عقد مؤخرا في جامعة تل أبيب تحت عنوان "بند التغلب وتعيين القضاة - إصلاحات دستورية في مجتمع غير متجانس"، اعترض بروفيسور ميخائيل كريني على ادعاء مساواة إسرائيل بالديمقراطيات الغربية، واعتبره "ادعاءا باطلا"، وقال إن "إسرائيل هي ليست بريطانيا أو هولندا، بل هي تقيم نظام تتفوق فيه مجموعة سكانية على مجموعة أخرى، كما أنها تميز بين مواطنيها بناء على انتمائهم الديني والعرقي، فأنا كعربي، على سبيل المثال، لا أستطيع أن ألم شملي مع ابن عائلتي إذا كان يسكن على الجانب الآخر من الخط الأخضر، بينما يستطيع اليهودي ذلك، وهذا الأمر غير قائم في بريطانيا وهولندا وديمقراطيات غربية أخرى".

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وأضاف أستاذ القانون في الجامعة العبرية، أن "هناك من يدعي أننا نعيش في ديمقراطية تمثيلية ‘نظيفة‘، يقاس فيها المواطن بصفته مواطنا دون فرق في الدين والعرق والجنس، ويبدأ هؤلاء بإجراء مقارنات مع أنظمة أجنبية أخرى، ويقولون إن هذا الأمر غير قائم هناك ولذلك يجب أن لا يكون قائما هنا، هذا الادعاء باطل لعدة أسباب، فإسرائيل تعاني من عجز ديمقراطي بنيوي متراكم لا يمكن التغلب عليه لا بقانون أساس ولا بأي قانون آخر لأنه يمس أساس النظام الدستوري في إسرائيل".

بروفيسور ميخائيل كريني

وتساءل كريني في مداخلته، هل يستوي تعيين إنسان مدان بمخالفات جنائية في منصب وزير مرة بعد أخرى مع قيم هولندا وإنجلترا؟ وهل يستوي انتخاب رئيس حكومة متهم بمخالفات جنائية مرة بعد أخرى بأغلبية "متنورة" مع واقع الديمقراطية في إنجلترا؟ وهل يعود إنسان كذب على المحكمة، عندما قال إنه لن يعود للكنيست لإشغال منصب وزير رفيع في إنجلترا؟ هل هذه "ديمقراطية غربية"؟

ويرى كريني أن إلغاء الرقابة القضائية للمحكمة العليا على النظام التشريعي سيفاقم من هذا العجز ويزيده، "كأننا نعيش في واقع توجد فيه أغلبية ‘متنورة‘ أكثر أو ‘متنورة‘ أقل تنتخب ممثلين عنها وهؤلاء يتكتلون ويشكلون حكومة تحكمنا، في حين تشكل المحكمة العليا ‘حجر العثرة‘ الوحيد في طريق هذا ‘الحكم‘ ولذلك يراد تحديدها وتقليص صلاحياتها، وفي حال تم ذلك فإنه سيشكل ضربة قاصمة لكل ما تبقى من ديمقراطية في إسرائيل، وضربة قاصمة للأقليات المختلفة التي لا يوجد من يحميها سوى مسلك الرقابة القضائية".

اقرأ/ي أيضًا | المفاوضات الائتلافية: توافق حول الحد من صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا

وتابع ساخرا: "لمن سيتوجه عندها هؤلاء؟ لوزير ‘الأمن القومي‘ أم لرئيس حكومة من جهته ‘يهرولون لتصويت‘ كنوع من التهديد؟ أم لكنيست تسيطر عليها أغلبية معينة؟ وما هو المنفس لأقلية في دولة إسرائيل؟ والتي قد تكون في المستقبل ‘أقلية علمانية‘ ضد "مؤسسة دينية" لن تضعف بل هي ستزداد قوة، فإذا ما أغلقوا منفس الرقابة القضائية ستكون طنجرة ضغط".

لإلقاء المزيد من الضوء حول هذه " الإصلاحات" القضائية وتأثيرها على الأقلية الفلسطينية في إسرائيل كان هذا الحوار مع بروفيسور ميخائيل كريني.

"عرب 48": أنت تنطلق من كون إسرائيل ليست "ديمقرطية غربية" وتعتبر المسلك القضائي المتمثل بالرقابة القضائية على الهيئة التشريعية، بمثابة منفس وحيد ربما سيؤدي إغلاقه عن طريق ما يسمى بـ"بند التغلب" إلى إدخالنا إلى "طنجرة ضغط"...

كريني: هناك اقتراحان أساسيان سيكون لتنفيذهما تأثير على الأقلية الفلسطينية، الأول هو "تعبئة" جهاز القضاء والمحكمة العليا تحديدا بقضاة ذوي فلسفة قانونية مريحة للفئة الموجودة في السلطة اليوم (اليمين) والمقصود قضاة محافظين ليسوا من أصحاب فلسفة "النشاط والاجتهاد القضائي".

وكما هو معروف فإن "النشاط القضائي" كان تاريخيا في صف اللبرالية القضائية وضد الشق أو التيار المحافظ، وكون هذا النشاط أو الاجتهاد القضائي حدد المعايير الموجودة باتجاه أكثر لبرالي، يسعى اليمين الآن إلى ترجيح الكفة لصالحه عن طريق "تعبئة" الجهاز القضائي بقضاة يتماشوا مع الفلسفة المحافظة من أصحاب التيار الأقل "نشاطا واجتهادا قضائيا"، ولتحقيق هذا الهدف يسعى اليمين لإحداث تغيير في لجنة تعيين القضاة بشكل يكون فيها تأثير أكبر للسياسيين وتأثير أقل للمحكمة العليا، التي تتمتع اليوم بثلاثة أعضاء، في حين يحتاج تعيين القاضي إلى سبعة أصوات من أصل تسعة هم عدد أعضاء اللجنة.

العليا الإسرائيلية تنظر في التماس ضد التهجير القسري من الشيخ جرّاح (Getty Images)

الأمر الثاني يتعلق بالرقابة القضائية التي تقوم بها العليا بصفتها المحكمة الأولى في المجال الإداري والعام، وفي هذا السياق فإنه حسب "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته"، يحق للمحكمة أن تقوم برقابة قضائية على تشريعات الكنيست، بمعنى أنه إذا وجد تشريع يتناقض مع قيم قانون الأساس يحق للعليا أن تقضي بأن هذا القانون أو هذا البند باطل، لأن قانون الأساس موجود في قمة الهرم القانوني وكل ما يتناقض معه يصبح باطلا.

وفي إطار الرقابة القضائية تلك، أبطلت العليا حتى اليوم 22 بندا قانونيا لا تتماشى أو تتناقض مع هذه القيم الدستورية.

"عرب 48": وهل من هذه القوانين أو البنود التي ألغتها العليا ما يمسنا كفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر؟

كريني: كان هناك بندا يتعلق بمسؤولية الدولة عن أعمال يقوم بها الجيش الإسرائيلي، يعطي الدولة نوعا من الحصانة ضد الدعوات المدنية التي تقدم ضدها بهذا الخصوص، وكان هناك أمور تتعلق بتصنيف "مناطق الأفضلية القومية"، وفي حالات أخرى جربت منظمات حقوقية فلسطينية أن تتقدم بالتماسات ضد قوانين مثل قانون لم الشمل وقانون القومية وباءت بالفشل، ولكن هذه الالتماسات اعتمدت على الرقابة القضائية.

"عرب 48": من الواضح أننا كعرب فلسطينيين لدينا مشكلة مع العليا نابعة من مشكلتنا مع الدولة ذاتها بجميع سلطاتها، ولذلك لا ننتظر منها أن تنصفنا، ولكن يبقى وجود المسلك القضائي كمنفس قضية مهمة بالنسبة لنا، وهم الآن يحاولون إغلاقه بواسطة ما يسمى بـ"بند التغلب"؟

كريني: اقتراح ما يسمى بـ"بند التغلب" ينص على أنه في حال ألغت المحكمة العليا قانونا أو بندا معينا من قانون، تستطيع أن تعود الكنيست وتشرع القانون بأغلبية 61 صوتا، بمعنى أن الحكومة كونها تتمتع بأغلبية برلمانية تستطيع أن تعيد تشريع أي قانون أو بند من قانون تلغيه العليا، وبذلك تتحقق الغلبة للهيئة التشريعية.

أما لماذا يؤثر وكيف يؤثر ذلك على الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل وعلى الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967، فرغم أن العليا لم تتدخل بقوانين القومية ولم الشمل وغيرها وتركت لدينا نوعا من الإحباط، ولكن الالتماسات التي تتقدم بها جهات حقوقية بخصوص قوانين وقرارات حكومية هي نوع من مساق يتيح للاقلية بأن ترفع صرختها ضد الإجحاف الممارس ضدها.

اقرأ/ي أيضًا | تقارير: تأهب بجهازي الأمن والقضاء الإسرائيليين من تعيينات وزارية

هناك أيضا نقطة مهمة بصفتي مختصا في ما يسمى أصول المحاكمات، وهي أنك كمواطن تستطيع أن تلمس القانون وأن تؤثر على تطبيقه وتكون جزءا من صناعة القانون، لأن صناعة القانون بالمفهوم الفلسفي القانوني هي عملية تطبيق القانون في المحاكم وإن كان تأثيرنا كمواطنين في عملية التشريع محدود فإن صنع القانون بمعنى تفسيره وتطبيقه والتقاضي أمام المحاكم يعطينا نوعا من القوة كمواطنين.

أهالي الشيخ جرّاح في المحكمة العليا الإسرائيلية (Getty Images)

وعندما تأتي وتحدد قوتي كمواطن وكأقلية في مسار قضائي ناجع بواسطة "بند التغلب" فأنت تسلبني الحق بأن أكون جزءا من صناعة القانون، لأن القانون في النهاية هو ما تطبقه المحاكم وعندما أتقدم كمواطن بدعوى أو التماس أو مسار قضائي أصبح جزءا من صناعة القانون، وعندما تأتي السطة وتحدد هذا المسار فإنها تحرمني من المشاركة في عملية صناعة القانون.

"عرب 48": ولكن كما هو معروف لك فإن المسار القضائي ذاك، لم يجلب لنا كفلسطينيين أبناء أقلية أو شعب محتل الكثير من النجاحات؟

كريني: صحيح، المسار القضائي لم يجلب لنا حقوق سياسية كبيرة، رغم النجاحات المعينة في بعض الأحيان، ولكن وجود الالتماس والدعوى حتى لو لم يكن ناجحا فإن وجوده هو نوع من منفس واعتراف بأني أستطيع أن أعبر عن موقفي وهذا بحد ذاته مبدأ قانوني مهم.

النجاحات قليلة ولكن استعمال هذا المساق من قبل الفلسطينيين تحت الاحتلال وجمعيات حقوق الإنسان العاملة هناك كبير جدا، وهو يشكل بالنسبة لهم أيضا منفسا سيؤدي إغلاقه إلى عواقب وخيمة.

كما أن هناك أمر نسميه في علم القانون بـ "ظل القانون"، بمعنى أنه في الكثير من الأحيان تكون مقترحات يريدون أن يتقدموا بها ولكن جهاز الاستشارة القضائية كان يمنع هذه الاقتراحات من أن تقدم وتصبح تشريعا، لأن هذا التشريع فيه تناقض أو مخالفة لقيم دستورية يرون فيها قيما أساسية ولن تمر عبر جهاز الرقابة القضائية.

هذه الحالات من الصعب أن نعرفها ونقدر حجمها، وفي هذه الحالة الرقابة القضائية تلعب دور الردع، وفي حال تحقق إشغال المقاعد بقضاة محافظين وتحديد الرقابة القضائية فنحن لا نعرف ما هي المخططات والمشاريع الموجودة في الجوارير والتي لم يستطيعوا إخراجها إلى اليوم وسيقومون بإخراجها وتطبيقها.


*بروفيسور ميخائيل كريني: صاحب كرسي في كاتدرائية "بروس واين" للقانون الدولي، ومحاضر وباحث في كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس.