(طائرة مصرية من نوع "سبيت فاير")
 
لم يمض على مأساة تهجير سكان قرية كفرقرع إلا أسبوعان حتى أُضيفت مأساة أُخرى وهي مأساة الطيار المصري.
 
يقول الرواة : في عام 1948 جاءت طائرات مصرية لمهاجمة القوات اليهودية، ولكنها قصفت بطريق الخطأ قوات إنكليزية، فلما رأى الإنكليز ذلك بعثوا بطائرات لهم لملاحقة الطائرات المغيرة. إحدى الطائرات المصرية أُصيبت ثم سقطت بالقرب من الطيونة إلى الشرق من قرية عرعرة.
 
وروى لنا شاهد عيان، فتى كان مع والده فوق سطح بيتهما في عرعره، قال: "رأينا طائرات إنكليزية قادمة من الناحية الشمالية الشرقية. عندما أصيبت الطائرة حاول طيارها، على ما يبدو، الهبوط هبوطاً اضطرارياً في السهل الشرقي، إذ أنزل قيزاناً أحدث لهباً فانفجاراً فدخاناً، ولكنه لم ينجح في ذلك لأن الطائرة كانت تتأرجح وينبعث منها الدخان، وما هي إلا لحظات حتى سقطت الطائرة في خلايل التفاح بالقرب من الطيونة وفوق المنطقة المسماة بالموابر، فهرولنا إلى المكان وهو بعيد عن عرعرة، ووجدنا هناك أُناساً وأولاداً كثيرين قد تجمهروا حول حطام الطائرة الذي كان لا يزال ينبعث منه دخان، وحينئذٍ علمنا أنها طائرة مصرية.
 
ويضيف الراوي أنه سمع في المكان أن الطيار كان يقول: أنا مصري! لا تقذفوني بالحجارة، كفوا! إلا أنهم استمروا في ذلك ظناً منهم أنه طيار إنكليزي فقُتِلَ الطيار، وكان بديناً يتمنطق بحزام له جراب مسدس مُصَدَّف مكتوب عليه اسمه.
 
وذكر رواة آخرون أن أول من وصل إلى مكان سقوط الطائرة كان عربيا بدوياً، وهو الذي قتل الطيار رمياً بالحجارة وسرق مسدسه، ورغم أنهم مجمعون على أن اسم عائلة الطيار هو زغلول باشا إلا أنهم مختلفون بالنسبة لاسمه الشخصي إذ ذكروا: محمداً، وسعيداً، وإبراهيم.
 
ويُروى أن جيش الإنقاذ كان لا يزال مرابطاً في منطقة وادي عارة، وجنوده هم الذين أحضروا جثمان الطيار إلى عرعرة، وقدموا للشهيد التحية العسكرية بكامل طقوسها، ثم نقلوه إلى جنين حيث تم دفنه هناك، وقد طلب جيش الإنقاذ من الأهالي البحث في منطقة سقوط الطائرة عن مخلفات فعثروا على رشاش موتر كان قد أسقطه الطيار من الطائرة فأخذه جيش الإنقاذ.
 
يبدو لنا أن إسقاط الطائرة المصرية في وادي عارة حدث في 22/5/1948، إذ أشار لورك إلى أنه في ذلك اليوم كان من المفروض أن يُخلي الإنكليز آخر طائراتهم من مطار "رمات دافيد"، فقام سلاح الجو المصري بغارة على هذا المطار بدون علمه بأن سرباً من الطائرات الملكية كان لا يزال هناك لتقديم غطاء جوي للقوات البريطانية الموجودة في جيب حيفا، مما أدى إلى إعطاب أربع طائرات بريطانية، فأُصيب الإنكليز بالدهشة واعتراهم الغضب، فجهزوا عدداً من الطائرات على افتراض أن تعاود الطائرات المغيرة هجومها.
 
وبالفعل بعد نصف ساعة ظهرت أربع طائرات مصرية فقامت الطائرات الإنكليزية بمطاردتها، وأسقطت اثنتين وأصابت أُخريين.
 
أما عارف العارف فقد ذكر في كتابه "نكبة فلسطين والفردوس المفقود" أنه في 22 من أيار سنة 1948 عادت خمس طائرات مصرية بالتحليق فوق منطقة كان الإنكليز لا يزالون مرابطين فيها، ولم يكونوا قد انسحبوا من ثغر حيفا بعد، وكانت المنطقة التي اقتحمتها الطائرات المصرية قريبة من المطار المعروف برامات دافيد، فتصدت لها المدافع والطائرات وأسقطتها جميعها... اثنتان منها سقطتا في المنطقة الإنكليزية ودفنت جثتا اثنين من طياريها في حيفا، والثالثة سقطت في أرض عربية ودفنت جثة قائدها الطيار الأول سعد الصادق أيضاً في حيفا، والرابعة سقطت في المنطقة اليهودية ونجا قائدها الطيار الأول عبد الرحمن عنان، وأما الخامسة فما عرف أحد شيئاً عنها ،كما أنه لم يُعلم شيء عن قائد السرب نصر الدين زغلول.
 
استناداً إلى أقوال عارف العارف يمكننا أن نقرر بأن الطيار المصري الذي استشهد في منطقة وادي عارة هو قائد السرب نصر الدين زغلول،واسمه الكامل هو نصر الدين محمد نصر الدين زغلول، وكان يقود طائرة من نوع سبيت فاير، فإلى جنات الخلد وإنا لله وإنا إليه راجعون.