تناول الإعلام الإسرائيلي بشغف كبير نتائج البحث الذي قام به الباحثان الإسرائيليان، سامي سموحة وزهر لخطمان، مؤخرًا، حول الخدمة المدنية الإسرائيلية في الوسط العربي وآراء الجمهور العربي حولها، فبحسب نتائج البحث الذي نظمه المركزي اليهودي – العربي في جامعة حيفا، فإن 40% من الشباب العرب (18 – 22 عاما) يؤيدون مشروع الخدمة المدنية، و62% من الجمهور العربي العام يؤيد الخدمة المدنية!

مع أن نتائج التأييد للخدمة المدنية لدى العرب انخفضت مقارنة لنتائج أبحاث سابقة لسموحة (عام 2009 وعام 2007)، إلا أن النتائج الأخيرة ما زالت تُثير العديد من الشكوك حول مصداقية البحث، والنوايا من ورائه.

"فصل المقال" تابعت الموضوع، واتقت ب"سمير" (اسم مستعار) أحد المشاركين في العمل على البحث، والذي عمل على الاتصال بالجمهور وتوجيه أسئلة البحث وأخذ الإجابات من المئات من المستَطلعين العرب.

اعتمد البحث، بحسب ما قاله "سمير"، على ثلاثة مسارات، الأول مع مجموعة من الشباب العرب الذين يؤدون الخدمة المدنية، الثاني مع شباب (جيل 18-22) الذين لا يؤدون الخدمة المدنية، والثالث مع الجمهور العربي بشكل عام من مختلف الأجيال.

اعتمد المسار الثاني من البحث (شباب عرب بجيل 18-22) بسؤالهم "بأي مدى، إذا كان أصلا، عندك معلومات عن الخدمة المدنية التطوعية لشباب عرب؟"، وكانت الإجابة محددة بـ"1-لا أعرف شياء. 2-أعرف قليلا. 3-أعرف بقدؤ كاف. 4-أعرف كثيرا".

وإذا أجاب المُستطلع بـ"لا أعرف شيئا" و "أعرف قليلا"، كان يتوجب على الشخص الذي يجري المقابلة قراءة فقرة للمُستطلع تشرح ما هي الخدمة المدنية، وبحسب هذه الفقرة الواردة في أسئلة البحث الذي حصلت "فصل المقال" على نسخة منه (الصورة): "هدف الخدمة المدنية للشباب والشابات العرب بجيل 18-22 سنة هو مساعدة المجتمع في مجالات مختلفة مثل مساعدة معلمين وطلاب في المدارس، مساعدة عمال ومرضى في المستشفيات، مساعدة الجمهور في المراكز الجماهيرية في حارات بضائقة، مساعدة مسنين ومقعدين عمال جمعية حماية الطبيعة والبيئة.الخدمة المدنية هي تطوعية لسنة أو أكثر والدولة هي التي تنظمها وتمولها.الخدمة لا تمس، قد المستطاع، في الوظائف القائمة. شاب أور شابة عرب الذين يقومون بسنة خدمة مدنية، يتلقون المستحقات التي تُعطى لمن يخدم خدمة عسكرية كاملة!"

وبعد قراءة هذه الفقرة على المُستطلع عبر الهاتف، يُسأل اذا كان يؤيد أو يُعارض خدمة مدنية تطوعية لشباب عرب في إسرائيل، يقول "سمير" إن مُعظم الذين قُرأت عليهم هذه الفقرة، أيدوا فكرة الخدمة المدنية كما عُرضت عليهم معللين ذلك "آه، وين الغلط انو نخدم المجتمع؟"، ويضيف أنه بعد أسبوعين من بداية إجراء الاتصالات، قرر القيمون على البحث بطلب من سامي سموحة، أن تُقرأ هذه الفقرة أيضًا على الأشخاص اللذين أجابوا بـ"أعرف بقدر كاف" و "أعرف كثيرا".

لكن في سؤال "هل أنت مستعد أن تتطوع لسنة للخدمة المدنية وأن تتلقى المستحقات التي تُعطى لمن يخدم خدمة عسكرية؟"، أجاب معظم المُستطلعين، بحسب "سمير"، بإجابة "لا".

كما كشف لنا "سمير" معلومة مهمة: الغالبية العُظمى من المُستطلعين يؤيدون خدمة مدنية تحت سلطة القيادات العربية، الأمر الذي يتناقض مع إدعاء سموحة أن نتائج بحثه تختلف مع توجهات القيادة العربية حول الخدمة المدنية.

كما كشف لنا أنه هناك مجموعة من اللذين يخدمون بالخدمة المدنية (المسار الأول)، عبرت عن ندمها من الدخول في مشروع الخدمة المدنية، ولم تعرف عن المشروع إلا بعد دخولها إليه، أما عن المسار الثالث (الجمهور العام)، قال لنا "سمير" إن غالبية المُستطلعين كانوا كبارًا في السن لم يعرفوا عن الخدمة المدنية وأيضا أيدوا "خدمة المجتمع" كما سوقت لهم عبر البحث.

الياس زيدان: الجمهور العربي مع التطوع ويثق بقياداته ولا يثق بالدولة
وعقب د.الياس زيدان المحاضر في قسم الخدمات الإنسانية بجامعة حيفا على بحث سموحة بورقة قدمها للمؤتمر الذي عُرضت خلاله نتائج البحث، بالقول: "استعمال كلمة "تطوع" خلال البحث هو أمر إشكالي عندما نتحدث عن الخدمة المدنية، إذ كان ينقص البحث سؤال عن استعداد الشباب العرب للمشاركة في الخدمة المدنية دون المقابل المادي للمشروع".

ويضيف "الاستنتاج الذي توصل إليه البحث كون الشباب العرب لا يوافقون مع توجهات القيادات العربية حول مشروع الخدمة المدنية، هو استنتاج متسرع وخاطئ، كون البحث عرض وجهة نظر الدولة لمشروع الخدمة المدنية، ولم يعرض وجهة نظر القيادات العربية".

وحول معرفة الجمهور العربي بمشروع الخدمة المدنية قال "يجب فحص علاقة مدى معرفة الجمهور بمشروع الخدمة المدنية بنسبة تأييدهم للخدمة المدنية".

وبحسب قراءة زيدان للبحث فإنه يرى أن الجمهور العربي يثق بقياداته ولا يثق بالدولة، ويوافق على خدمة مدنية تديرها القيادة العربية وبدون أن يكون لها اي علاقة بالمؤسسات الأمنية، مع الإشارة الى أن الجمهور العربي مع التطوع للمجتمع كما صورت له وليس مع الخدمة المدنية كما هي قائمة اليوم.