تستذكر الحاجة طرب يزبك، والدة الشهيد وسام يزبك، من مدينة الناصرة، يوم استشهاد ولدها والدموع لم تفارقها، تسترجع أيامه وأحلامه، ضحكته التي كانت تملأ البيت، فرحته في عرس أخيه قبل أسبوع من يوم استشهاده قبل 14 عاما خلال هبة القدس والأقصى، وتسرد لنا حكاية استشهاد عريس من خيرة شباب الداخل الفلسطيني، قائلة: ' الحمد لله رب العالمين، قبل استشهاد وسام كان عرس أخيه، من كثرة فرحته للعرس ظن الناس بأنه هو العريس، لسبب ظرف ما كان هو كل شيء في البيت، قام بجميع التحضيرات للعرس وقام بتقديم الواجب للمدعوين وأكثر. وسام كان من الأشخاص الذين يحبون الفرحة والمشاركة بها، ضحكته لم تفارقه أبدًا في حياته' .

وتابعت الحاجة أم وسام بألم ومرارة: 'قام وسام هو وخاله بأداء صلاة الظهر، ذهب عند بيت جده في الحي الشرقي مكان استشهاده، سمع بأن هناك اشتباكات أمام 'كنيون نتسيريت عيليت'، فخرج هو وخاله وأولاد خاله ليشاهدوا ما يحصل، لم يحتمل وسام رؤية المشهد دون أن يشارك، فقام بربط بلوزته حول رأسه، وبالفعل، باغته الإصابة حيث كانت في رأسه من الخلف. لغاية الآن علامات الرصاص موجودة على البلوزة التي كانت على رأسه. شارك وسام مع الشباب في الإشتباك وفارق خاله وأقاربه. وقال أخي أنه في ذلك اليوم وبسبب كثرة إطلاق الرصاص اضطررنا للانبطاح أرضاً لكي نزحف نحو بيوتنا، فقد كان الرصاص يملأ المكان دون توقف. فقد أخي وجود وسام بينهم، فبدأوا بالبحث عنه، لكن دون جدوى فلم يجدوا له أي أثر، اتصل إبن أختي بي في ذلك اليوم ليسألني إن كان وسام قد عاد للبيت، ولكنني قلت له أنه لم يعد لغاية الآن، وسألته ألم يكن عندكم؟. بصراحة قد أشغل بالي الأمر، بعد ساعة قامت خطيبته بالإتصال بي لتسألني عن وسام، قلت بيني وبين نفسي أن هناك خطب ما. بدأت بالإتصال به ولكنه لم يجب، اتصلت إلى ابن عمه وذهبنا للمستشفى 'الانجليزي' في الناصرة، عند وصولنا للمستشفى رأيت شخصا بسيارة الإسعاف يشبه وسام، ولكن اتضح بأنه من عائلة عبد الخالق. عند سؤالنا في المستشفى قالوا لنا أن هناك شاب مجهول الهوية وهو موجود في مستشفى 'رمبام' في حيفا، حينها تذكر أخي بأن وسام حين كان يصلي كان يضع هويته بقميصه وفي كل سجدة كان يسجدها كانت تقع الهوية لذا بعد أن أنهى صلاته وضعها بالسيارة حتى لا يفقدها. ذهبنا الى حيفا لمستشفى 'رمبام' لكي نتعرف على الشاب الموجود هناك، وعند وصولنا أبلغونا أن الشاب يخضع لعملية ويخرجون الرصاص من رأسه، دخل أخي لكي يتحدث مع الطبيب المعالج هناك، وإذ نبلغ بالخبر المفجع بأن وسام قد استشهد. قرر الموجودون من الأقارب بأن لا يخبروني، ولكن الطبيب قال لهم بأن عليهم إعلامي بالأمر'.

بأعين ملأتها الدموع، أكملت الحاجة طرب يزبك، حديثها وبقوة: 'لقد وقع الخبر علي كالصاعقة، لم أصدق بأن ابني قد استشهد. وسام كان بالنسبة لي كل شيء، علاقتي به  لم تكن علاقة أم وابنها، كان فرحتي وحزني وأملي، فلذة كبدي استشهد، كان هو أب البيت والمسؤول عن كل شيء، الحمد لله رب العالمين. لقد تأثر وسام كثيراً باستشهاد الطفل محمد الدرة، وتأثر أكثر يوم استشهاد الشهيد إياد لوابنة ابن الناصرة، حتى أنه في يوم استشهاد إياد كان يعمل وسام لدى المقاول ناصر الزعبي وتوقف عن العمل، وعندما سأله ناصر عن السبب، قال له وسام كيف لي أن أعمل وقد استشهد شاب من الناصرة'.

وأضافت الحاجة والدة الشهيد وسام: 'كان وسام يوثق كل شيء يحدث معه، ففي يوم استشهاد محمد الدرة وإياد لوابنة، سجل تاريخ استشهادهما، منذ صغره وهو يعمل هكذا، حتى أنه في صف الثاني عشر كتب شيئا وكأنه يعلم بأنه سيموت بعد فترة، وبصراحة لا أتذكر الجملة التي كتبها، ولكنه كان يشرح بها عن اشتياقه للآخرة وأن يكون في السماء. الحمد لله بأنه نال الشهادة، وسام من الأشخاص الذين أحبه الكثيرون ومدح به الكثر من حسن أخلاقه وعدم توقفه عن الصلاة ومتابعة عمله لكي يكون ناجحا في كل شيء، رحمه الله، كنت أحلم بأن أراه عريسا في يوم زفافه. لقد تعلم وسام مهنة تقني حواسيب وتكنولوجيا وكان شابا طموحا يحب الخير للجميع ويساعد كل من يطلب منه أي شيء ، أحبه أهل الحي، كبارا وصغارا، أنا أشتاق اليه كل يوم وكل ساعة'.

وأردفت والدة الشهيد حول إحياء الذكرى، قائلة: 'كانت الجماهير العربية في أول سنة من استشهاد الثلاثة عشر شهيدا أكثر حرقةً في إحياء ذكرى هبة القدس والأقصى، ومع مرور الوقت ، أصبحت المسيرات الشعبية في مدينة سخنين أكثر شيء، وكثرت الاجتماعات التي تعقد فقط قبل أسبوعين من حلول الذكرى. لا أرى للأسف أن للأمر أهمية عند القيادات العربية، أصبحت زيارة الضريح مثل يوم العيد فقط نتذكرهم في يوم استشهادهم دون أن يتابعوا أية قضية حق في أمر استشهادهم'.

وأنهت بالقول: 'ما يؤلم القلب أكثر شيء أن ترى قاتل ولدك يتجول دون أن يلقى عقابه، فمن ارتكب الجرائم يعيش حرا طليقا ويتمتع بامتيازات في العمل، دون أن يحاسبه أحد على ما أجرم. هذه القضية لا تلقى المتابعة من القيادات، لقد قتلوا أبناءنا بدم بارد وما زالوا أحرارا ، دون أن يسألهم أي أحد سواء كان من جهات قانونية أو أي جهة أخرى. نسأل الله أن يأخذ لنا حقنا في الدنيا وإن لم نحصل عليه في الدنيا سنأخذه يوم الآخرة عند رب العالمين'.