في الذكرى الـ39 ليوم الأرض عاد 'عرب 48' متجولا ومتفقدا لـ'الحي الحزين' في سخنين، حي اقترن بالطيبة والمقاومة وارتوى بدماء الشهداء، حيث موقع سقوط الشهيدة خديجة شواهنة. الحي لا زال يتميز ببساطة وطيبة أهله ولا يخلو من ملامح الحزن مع مشاعر الفخر والاعتزاز والكبرياء.

طرقنا الحي قاصدين منزل عائلة الشهيدة خديجة شواهنة، سألنا عن بيتها وبات خاليا من أهله بعد أن رحل والدها عن الدنيا وأمها التسعينية مقعدة وقد اعيتها الشيخوخة والمرض. وجدنا لافتة حزينة تلوح على مدخل الحي وأخرى على مخرج الشارع من الجهة المقابلة تحمل اسم الشهيدة وتبحث عن أهلها، سألنا عن عنوان آخر لنلتقي بشقيق الشهيدة خالد، الذي اقترن اسمه عندما كان بسن الثامنة بحكاية الاستشهاد.

وسرد خالد الرواية التي سمعها من والديه حول حقيقة الاستشهاد وتفاصيلها وأن شقيقته الشهيدة خديجة استشهدت في الثلاثين من آذار عام 1976 عندما كان الجيش يطوف بشارع الحزين، ليعلن حظر التجول بالتزامن مع خروج المتظاهرين الغاضبين في الحي لكسره.

خرج شقيقها الأصغر خالد نحو المسيرة إلا أن الأهل طالبوا خديجة باللحاق به وإعادته للبيت خشية من أن يصاب بمكروه، وعندما همت للمساك به وإعادته للبيت، قام الجنود بإطلاق الرصاص عليها حيث استشهدت على الفور وسط حي الحزين متأثرة بجراحها البالغة.

بيد أن هناك رواية مكملة لهذه الحقيقة أن خديجة استشهدت أيضا أثناء المقاومة والمواجهة عندما أخذ الجيش باستهداف المتظاهرين الذين استحكموا خلف الصخور والجدران واستخدام كل ما طالت أياديهم لصد الجيش وعدوانه على الحي.

استفسرنا من خالد عن الوالدة إذا ما زالت على قيد الحياة، فقادنا خالد إلى حجرة والدته التي بلغت قرابة التسعين عاما. كانت مستلقية على فراشها بعد أن أعياها المرض وانهكتها الشيخوخة ومحاطة بالعناية العائلية الحميمة.

نظرت إلينا ولاحت بيدها بتثاقل العمر والمرض بعد أن أخبرها خالد إننا جئنا لنسألها عن خديجة، حيث ظهر الحزن يكسو وجهها مرحبة بحسرة. وكأن الشريط يعود الآن على نفسه لتتذكر لحظة الصدمة، عام الاستشهاد.

 سألناها عن خديجة، فأجابت بكلام متقطع ومتلعثم لكنه واضح، وقالت: 'خديجة قتلها الجيش هون بحارة الحزين على شان الأرض، الجيش وصل على الحارة وطخ رصاص على الناس، فقدنا خالد وكان بعد بعمر ثمانية أعوام، عرفنا أنه راح يشوف الناس اللي طلعت على الشوارع وطلبنا من خديجة أن تلحق خالد وترجعه على البيت، لكن بعد شوي اجو الشباب حاملين خديجة  على اكتافهم مبللة بالدم وقالوا خديجة استشهدت'.

وتوقفت هنا عن الكلام وغرقت في صمتها وبدى أن النزف والأسى لا زال يحترق في صميمها وأوغلت بعيدا وعميقا بعمق اللوعة والجرح المفتوح الذي لم يندمل بعد ولم يشفى بالتقادم.

أما خالد، فتابع الكلام مؤكدا على أهمية الحفاظ على هذه الذكرى، قائلا 'إن هذا الجرح لن يندمل ونحن كعائلة نشعر بالفخر والاعتزاز تجاه الشهيدة وكل الشهداء، لأنهم دافعوا عن الأرض وعن حقنا بالوجود أعزاء كرماء'.

لكن لهجته لم تخلو من العتب، وقال إن 'لدينا العتب الكثير من القيادات الذين لم يعطوا لهذا الحدث الأهم في تاريخنا ما يستحق، لا يكفي التغني بمأثرة الشهداء والمقاومة، بل يجب الاهتمام من حيث التوعية والعمل الميداني، ليس فقط لمنع المصادرة بل من أجل استرجاع الأراضي المصادرة. سخنين على سبيل المثال تعيش أزمة سكن خانقة والحصار ما زال مستمر'.

ولفت خالد  إلى أن بعض “القيادات العربية” أتت بعد الاستشهاد وعرضت التعويض المالي على العائلة، إلا أنه رفض  بشكل قاطع أن يتلقى أي تعويض على شرف الاستشهاد كون خديجة استشهدت فداء للأرض وهذا غير قابل للتعويض.

 واستذكر مصطفى خلايلة، ابن حي الحزين، مشهد المواجهات التي دارات رحاها في أزقة الحي، وقال: 'كانت معركة عارمة بكل ما تعني الكلمة من معنى، حيث كان الحي في حينه هو الحد الأخير للبلد وكان قريبا من موقع الاستشهاد مساحة من الصخور الطبيعية التي استحكم الشباب خلفها وخلف الجدران'.

وفي الأزقة اصطدموا بالجيش الذي داهم الأحياء والمنازل في مقاومة عارمة دون أن يأبه الشبان لخطر الموت وتصدوا للجنود بصدور عارية سلاحهم الحجارة والزجاجات الفارغة، وسطروا معارك يوم الأرض التي شكلت مرحلة مفصلية بالعلاقة مع المؤسسة الإسرائيلية ومحطة أولى منذ النكبة في إعادة الداخل الفلسطيني للخريطة السياسية بتسطير  ملحمة الأرض والصمود والبقاء.


على صلة:

سخنين: زبيدات يروي لـ'عرب 48' ذكريات يوم الأرض الأول

* ابنة الشهيد رجا أبو ريا: أبي رفض التراجع وظل يردد 'الموت ولا المذلة'..

شاكر جبارة يعود في يوم الأرض إلى ساحات المواجهات بالطيبة

* استشهد خضر عندما هرع لإنقاذ المربية آمنة المصابة

* الجريح نايف حجو: علينا قراءة إنجازات يوم الأرض مجددا

* شلاعطة يستعرض اشتعال يوم الأرض الأول في البطوف

* الحاجة خيرية تنثر ذكرياتها حول رحلة البحث عن نجلها رأفت شهيد الأرض