حذر عدد من النشطاء في الطائفة العربية الدروزية من محاولات بعض الشخصيات التي توصف بالقيادة في أوساط العرب الدروز من محاولة عزل المعروفيين في سوريا عن بقية الشعب السوري، مؤكدين أن ما يتعرض له الدروز في سوريا هو جزء من مأساة الشعب السوري بكل مركباته الدينية والمذهبية وأن مصير الشعب السوري واحد.

وفي أعقاب إعدام تنظيم جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، عشرين سوريا من أبناء الطائفة المعروفية في بلدة قلب لوزة في إدلب، دعت شخصيات قيادية وهيئات لدى العرب الدروز في البلاد إلى  مظاهرات  وحملات تضامن لنصرة المعروفيين في السويداء وجبل العرب عموماً، ونظّموا حملات إغاثة وجمع تبرّعات لنصرة أهلهم في سوريا.

فيما دعا بعض الأعضاء في الكنيست من أبناء الطائفة المعروفية عن أحزاب صهوينية إسرائيل للتدخل في سوريا بزعم حماية الدروز هناك من جبهة النصرة وتنظيم 'داعش'، الأمر الذي رفضه شيوخ السويداء رفضاً تاماً إيماناً بأن سوريا أم للجميع، وهذا ما أكدّه أيضاً الشيخ علي معدّي قائلاً إن إسرائيل هي الحليف الأكبر لجبهة النصرة في المنطقة، فكيف لنا أن نطلب منها مساعدة الدروز في سوريا فيما تقوم بمعالجة مقاتلي النصرة في مشافيها.

وكانت البلدت ذات الأغلبية الدرزية شهدت خلال الأسبوع الماضي تظاهرات شارك فيها الآلاف من مختلف الأجيال، بالإضافة إلى صناديق تبرّعات وضعت في كل بلدة 'درزية' تقريباً.

وأكدت قيادات ورجال دين دروز في حديث لـ'عرب 48' أن حملة التضامن التي انطلقت في البلدات الدرزية هي أمر شرعي يعبّر عن الامتداد الثقافي والديني للدروز في البلاد، وشدّدوا على أهمية الحذر من أن يحمل التضامن بعداً طائفياً ويتجزأ بحسب طوائف ومذاهب، مشدّدين على أن الدروز في جبل العرب لم يفصلوا ذاتهم يوماً عن السياق العروبيّ العام، لذلك وجب أن تكون حملة المآزرة عامّة وأكبر من الطائفة.

وفي تفسيره للهبة التي حصلت نصرة لدروز جبل العرب في سوريا، قال الشيخ علي معدّي لـ'عرب 48' إن 'موجة التضامن والمساندة هذه هي موجة طبيعية نابعة من القلب ضد ما تقوم به العصابات المرتزقة ضد أهلنا جميعاً في سوريا، والمجزرة التي قامت بها عصابات جبهة النصرة ضد أهلنا في جبل السماق في محافظة إدلب بحق العزّل بات أي مبرّر'.

وأضاف معدّي أن 'أهالي جبل العرب، الذين لا يتعدّى عددهم العشرين ألف شخصاً استقبلوا مئات الآلاف من النازحين السوريين من مختلف الطوائف في جبل العرب واستقبلوهم في بيوتهم وتقاسموا معهم رغيف الخبر والمأوى، وهم لم يتعاملوا مع السوريين من أي منلطق طائفي بل كان الإيواء للجميع كأبناء لسوريا الموحّدة، ممّا يستوجب الآن أيضاً وقفة واحدة موحّدة لمساندة جبل العرب وسكّانه'.

معدّي: ما حصل هو استهداف طائفي، وبالتالي كانت أخذت حملة التضامن بعداً طائفياً

وتابع معدّي متطرّقاً إلى تاريخ جبل العرب، وقال إن 'جبل العرب لم ولن يكن ذليلاً في يوم من الأيام، فجبل العرب انتصر على إبراهيم باشا المصري بعد 70 معركة، وعندما زحف الجراد على بلاد الشام جميعها لم يبق قمحاً ومؤونة إلّا في جبل العرب، وعندما أراد جمال باشا مصادرة مؤونة القمح في جبل العرب جابهوه ورفضوا وانتصروا، وقاموا الدروز في جبل العرب بتوزيع المؤونة على الفقراء والمحتاجين وإطعام كل من لجأ إليهم'.

وأضاف أن 'ثورة سلطان باشا الأطرش الذي حارب الاستعمار بالجنود والبنادق مقابل الأسطول الفرنسي كاملاً انتصر وقدّمت الثورة خمسة آلاف شهيد، بالإضافة إلى زيارة الزعيم جمال عبد الناصر حيث قالوا له في جبل العرب: 'يا جمال هات سلاح وخذ رجال'. هذا الجبل كما بقي شامخاً سيبقى رافضاً للاستعمار والاعتداء عليه، وسيدافع عن كل من احتمى فيه'.

وعن تجزئة التضامن، قال معدّي إن 'ما حصل هو استهداف طائفي، وبالتالي أخذت ردّة الفعل شكلاً طائفياً، وحتى ما بين الدروز ذاتهم يصبح اصطفافاً معيّناً أقرب إلى الأخ من الجار وهذا عفوي وطبيعي نظراً لأن الاستهداف جاء طائفياً، وبالتالي أخذت حملة التضامن بعداً طائفياً'.

وأضاف أن 'هناك بعض الموالين للمؤسسة الإسرائيلية ويرون نفسهم جزءاً منها. نحن نرفض هذا النهج... إخواننا في جبل العرب دعوا الجميع في سوريا للحوار وهذا موقفنا نحن أيضاً'.

ووجّه الشيخ معدّي في ختام حديثه، نداء عبر موقع 'عرب 48'، وقال 'أتوجّه من خلال موقعكم إلى جميع أبناء الشعب السوري للتصالح والتغاضي والتراضي والتصافي، والاجتماع إلى طاولة الحوار لأن سوريا هي الجامع'.

فخر الدين: الأنظمة العربي الدكتاتورية عزّزت الهوية الطائفية عل حساب الهوية الوطنية

بدوره فسر الباحث في المرصد السوري لحقوق الإنسان، سليمان فخر الدين، النشاطات لنصرة الدروز في جبل العرب على أنها نابعة من خوف حقيقي سواء من بشّار الأسد ونظامه أو من غيره.

وقال فخر الدين لـ'عرب 48' إنه 'يجب الفصل بين إحساس الناس بالخوف على أهاليهم وأقاربهم واستغلال السياسيين لهذا الدم. ما يحصل في سوريا هو مسار قتل مكثّف مستمر منذ أربع سنوات، وخوف الناس على أقاربهم في سوريا مفهوم ومبرّر'.

وعن أي حالة اصطفاف طائفي، قال فخر الدين إن 'المركّب الطائفي في العالم العربي أقوى من المركّب العام، والأنظمة التي تسمّى وطنية لم تذوّت الهوية الوطنية بقدر تذويتها للطائفية والعائلية التي اعتاشت عليها بمرور سنوات عديدة. أنا أحزن على موت كل إنسان، وهذا هو الموقف الطبيعي، أمّا الموقف القائل يرفض دم ويستبيح الآخر فهو الذي يتحتّم علينا محاربته'.

فخر الدين: مسألة الأقليات هي قضية استعمارية، كل سوريا للسوريين

وعن توقّعاته من ما سيحصل في السويداء وجبل العرب، قال فخر الدين إن 'الدروز في السويداء صادروا أسلحة الجيش السوري بعد انسحابه من المنطقة، وأنا على قناعة تامة بأنهم قادرون على حماية جبل العرب أكثر من الجيش السوري، وهذا يطمئن بعض الشيء'.

وأضاف أن '60% من سكّان السويداء هم نازحون إليها من المناطق المجاورة، وبالتالي سيدافعون عنها هم وأهلها سوياً، بالإضافة إلى أن خطوط إمداد داعش والنصرة بعيدة عن السويداء وهذا ما يؤكد أن داعش سيضرب هو والنصرة في السويداء خاصة أن داعش يرتكز في مناطق يكون فيها حاضنة شعبية للتنظيم، وهذا غير موجود لا في السويداء ولا في جبل العرب والمناطق المجاورة'.

وعن خطاب الأقليات، قال فخر الدين إن 'مصطلح الأقليات هو مصطلح استعماري، كل مساحة سوريا للسوريين لا للاستعمار ولا للاستبداد والدكتاتوريات، الأسد وضع الناس بين خيارين، إمّا الاستبداد وإمّا داعش، وليس هو يختلف عن داعش، فأحدهم يقتل المعارضين بالسكّين، والثاني بالبراميل. وهذا ليس نظاما بل مجرّد عصابة تدير دولة'.

واختتم فخر الدين حديثه قائلاً إن 'على الأهل في السويداء أن يتخلّصوا من النظام، وأن يعلنوا عن جبل العرب منطقة آمنة وأنا على قناعة أنهم يستطيعون الدفاع عن المنطقة على أكمل وجه'.

مهنّا: جبل العرب جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري والعربي

أمّا الناشط السياسي والشاعر سامي مهنّا، فقال لـ'عرب 48' إن 'جبل العرب يحتضن اليوم حوالي 200 ألف لاجئ من مختلف الطوائف منذ فترة طويلة، وهذا أمر وجب الإشارة إليه، وموجة التضامن هذه ليست غريبة على مجموعة تملك تراثاً وطنياً'.

وأضاف أن 'جبل العرب حمل راية الثورات العربية من زمن سلطان باشا الأطرش وقبله وبعده، وانطلقت الثورات منه كإقليم محليّ إلى السوري والعربي العام، لذلك فجبل العرب جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري والعربي، ومن الغبن أن نتعامل مع هذه الشريحة كجزء مفصول على السياق العام'.

وتابع أن 'من مخاطر انحراف الثورة السورية هو تقسيم سوريا إلى مذاهب، ودخول هذه الجماعات التكفيرية أدّى إلى تخوّف الأقليات ممّا أدى إلى نشوء حالة يطغى عليها الصوت المذهبي في أماكن شتّى'.

وفي حديثه عن زج خطاب الأقليات في الحالة السورية، قال مهنّا إن 'التعامل مع جبل العرب بعقلية الأقليات خطأ كبير، واستدراجه إلى حرب الأقليات غبن لا يمكن السكوت عليه ومن الظلم التعامل مع فئة كانت وستبقى جزءاً من الأمة العربية عموماً على أنها أقلية مفصولة عن السياق'.

مهنّا: وجب التعامل مع جبل العرب كجزء السياق العربي، كذلك على حملة المآزرة أن تكون

وحول حملة التضامن والإغاثة في البلاد، قال مهنّا إن 'هذه الحملة ضرورية ولا شك أنها مطلوبة، ولكن محاولة بعض الجهات إقحامها عنوة في علاقات مع إسرائيل ولو بثّ طابع عن الموضوع هو مرفوض، فالأخوة في جبل العرب سطّروا ويسطّروا ملاحم في مقاومة الاستعمار، وهم سوريون وطنيون يرفضون أي مساهمة من إسرائيل لا سيما أنه بات من الواضح أن إسرائيل تعالج جبهة النصرة وتستقبلهم وتمدّهم بالسلاح والعتاد'.

واختتم مهنا حديثه قائلاً إنه 'يجب التعامل مع دروز جبل العرب كجزء من الشعب العربي السوري، لذلك وجب أن تكون حملة المآزرة شاملة وعامّة بعيداً عن التقسيمات الطائفية'.

جمّال: الحملة هي نتاج خوف على الأهل ونوع من الألفة الدينية

بدوره  قال البروفيسور أمل جمّال لـ'عرب 48' إن 'ما يحصل الآن هو قلق على الأهل في سوريا ونوع من الألفة الدينية، إذ أن الاطمئنان على جبل العرب بأنه مأوى لكل من يحتاج إلى مساعدة، وموقف المشايخ بأنهم لن يدخلوا في حرب الدم تبدّد مع هجوم جبهة النصرة، وبالتالي أصبح هناك تخوّفات خاصة بعد أن بات من الواضح أنه كان هناك نوايا مبيتة للجبل وأهل الجبل، بناء على عقيدة إخضاع الجميع لنفوذ القوى الراديكالية الفاشية الموجودة في سوريا'.

وأضاف جمّال أن 'الحاجة للمآزرة وحماية حرمة الجبل الذي استقبل 200 ألف نازح تحوّل لحملة لإبداء الاهتمام والتضامن في كل مكان وهذا واجبنا كشعب عربي'.

جمّال: المحلّي والطائفي يطغى على الوطني المدني، وهذا نتاج سياسة الأنظمة العربية الدكتاتورية

وعن تجزئة التضامن المآزرة، قال جمّال إنه 'بات واضح جداً أن كل عالمنا العربي في تفتّت على كافة المستويات، للأسف هناك حالة تفتّت طائفي، وقوى راديكالية فاشية تحاول فرض أجندتها وهذا أدّى بالأقليات الصغيرة للنهوض للدفاع عن ذاتها'.

وأضاف أن 'التبدّد بات واضحاً، وهي إشارة إلى أننا ما زلنا في الوطن طائفيين وعائليين وأن المحلي طاغي على القومي للأسف، ففي وقت الضيق تصبح هناك حالة تردّي، وهذا نتيجة للأنظمة العربية غير الديمقراطية التي فشلت ببناء هوية مدنية شاملة، بل واعتاشت على هذا التقسيم الطائفي العائلي وعزّزته'.

جمّال: منظومة الأمن الإسرائيلية هي يهودية فقط

وعن قضية توجّه البعض لإسرائيل، قال جمّال إنه 'لم يكن هناك أي توجّه رسمي ولا بأي صورة من الصور، هناك صورة أوسع لدى القيادات الدينية بأن أي تدخّل إسرائيلي يستبيح جبل العرب، وهذا مرفوض بشكل تام'.

وأضاف أن 'منظومة الأمن القومي الإسرائيلي هي يهودية وليست إسرائيلية، وهذا التوجّه دافعه الأساسي هو قيادات عمياء غير قادرة على فهم الساحة الإسرائيلية وعقليتها الأمنية، والخدمة في جيش إسرائيل لا تعني أن يكون الخادم جزء من منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، فالمنظومة الإسرائيلية دينية يهودية ضيقة'، أي أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية هدفها حماية اليهود بالأساس.

واختتم جمّال حديثه قائلاً إن هناك اتصالات  لتفادي إقحام جبل العرب في المواجهة، ونحن نأمل أن يبقى بعيداً عن المعارك.