تشتد المصاعب على العائلات الفقيرة عند عتبات كل عيد أو استقبال أي مناسبة خاصة في شهر رمضان، بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة.

وتعاني أسر وعائلات في مدينة طمرة كغيرها من البلدات العربية جراء الصعوبات والأزمات المادية الخانقة، حسب ما قال رئيس لجنة الزكاة المحلية في المدينة، كارم همام، والذي رافقناه في عـ48ـرب بزيارة احدى العائلات المستورة للقاء ربة المنزل التي حاولت إيذاء نفسها بسبب الفقر، والتي طلبت عدم نشر اسمها خوفا من أية مشاكل اجتماعية قد تواجهها مع طليقها أو عائلته، وحفاظا على مشاعر أطفالها.

بكاء الفقراء

'عندما يبكي الإنسان فقط الله يسمعه، يعلو الوجع من النفس، فيسقط الإنسان قبل الغرق، ودعاء بسيط يقطع الصمت الساكن، إلهي كل شيء بيدك وأنت على كل شيء قادر، يا من وهبتني الحياة، بعيني دمعة وقلبي يبكي بهدوء، ولو توقف عن البكاء، صرخت روحي يا إلهي لوحدي هنا أناجيك كن معي ساعدني، ثبتني واقضي على الخوف الذي يعتريني كي لا أخاف من الألم، يا إلهي أوقف وجعي الدائم، لا من أحد يأويني، إلى أين أذهب يا خالقي؟ نفذت قواي'، بهذه الكلمات بدأت أم حسن (اسم مستعار) وصف حالها الذي تعيشه وتكابده بسبب الفقر.

الرطوبة والحشرات تملأ البيت

انفصلت أم حسن عن زوجها بسبب العنف والكحول منذ عدة أعوام، لبيت العائلة وهو عبارة عن غرفتين باليتين، تسكن وأطفالها فيه. الزائر لبيتها يعتقد أنه يدخل إلى خربة تفوح منها رائحة الرطوبة وتنتشر فيه الحشرات، عدا عن الجدران البالية التي تتساقط منها الغبار والحجارة الصغيرة.

دعتني الأم لأشاهد مكان تعيش فيه وأطفالها وهو أشبه بمنزل، وبدأت تروي لنا معاناتها التي تخبأها عن عيون الناس حفاظا على مشاعر أطفالها وعائلتها الفقيرة التي لا يمكنها تحمل المسؤوليات المادية الكبيرة الملقاة على عاتقها، وقالت 'قد يروي لك البيت ما أعجز عن وصفه، وتكفيني أسئلة أطفالي المتكررة: أمي لماذا بيتنا ليس كباقي البيوت؟ أمي بيت صديقتي مختلف عن بيتي وأخجل أن يأتي أصدقائي لزيارتي في البيت، هذه الأسئلة وغيرها التي يكررها أطفالي'.

'البحث عن عمل صعب لإمرأة مطلقة وغير متعلمة'

وتابعت أم حسن: 'حاولت العمل في مجال الزراعة، وكنت أخرج من البيت في ساعات الفجر وأعود في ساعات ما بعد الظهر، ولكن كلام الناس لا يرحم من جانب ومن جانب آخر لمن أترك أطفالي ومن سيهتم بهم وبتجهيزهم للمدرسة، فاضطررت للتوقف عن هذا العمل وبالبحث عن عمل آخر، إلا أنه لم أتمكن من إيجاد عمل خاصة وأنني لا أجيد استخدام الحاسوب أو اللغة العبرية وهي شروط أساسية اليوم للتمكن من العمل'.

وأشارت إلى أنها حاولت إيذاء نفسها مرارا، لكنها وفي كل مرة كانت تنجو، وذكرت أنه 'تمر أشهر ويشتاق أطفالي لتناول اللحوم، وهم لا يعرفون فرحة الثياب الجديدة، قد اشتري لهم في السنة مرة واحدة ثياب، أقضي أيام السنة بالتفكير كيف سأتدبر أمري في رمضان ومن ثم في الأعياد وبعد ذلك من سيشتري لأطفالي الكتب المدرسية وثياب المدرسة، وهكذا. لم أفكر يوما بالتوجه لطلب المساعدة بسبب الخجل، إلا أنه مر على عائلتي ثلاثة أيام لا نأكل سوى زيت الزيتون والزعتر، فخفت على أطفالي خاصة عندما سألني إبني هل سيسامحني الله لو أخذت طعاما من ثلاجة عائلة زميلي في المدرسة؟ لقد رأيت في ثلاجة بيته اللبن والفواكه. عندها خفت على مستقبل ابني فالفقر والمعاناة الاقتصادية قد تؤدي إلى تفكير منحرف عند أبناء الفقراء، فاتصلت بلجنة الزكاة وطلبت منهم المساعدة، وهم يحاولون مساعدتي. لم أكن أعلم أنه يوجد في طمرة عائلات تعيش أوضاعا أسوأ من أوضاعي، وبأن المسؤوليات كبيرة حتى يتم احتواء جميع هذه العائلات'.

رئيس لجنة الزكاة: 'الفقر يدفع بالبعض إلى إيذاء نفسه'

وقال رئيس لجنة الزكاة المحلية في طمرة،كارم همام 'اعتدنا في لجنة الزكاة على تقديم دعم مادي للعائلات ميسورة الحال، لكننا تفاجأنا بأن العديد من الفقراء بحاجة لدعم معنوي وخاصة النساء، فقد اتضح من خلال زيارات اللجنة النسائية للعائلات المستورة أن عددا من النساء حاول إيذاء نفسه، فقررنا البدء بتقديم مساعدة معنوية من خلال توجيه النساء إلى مركز خدمة اجتماعية'.

مشاريع خيرية لدعم العائلات المستورة

وتابع همام أنه 'لا يخفى علينا في لجنة الزكاة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها العرب في الداخل الفلسطيني، ولكن للأسف 95% لا يؤدون الزكاة، وبهذا بدأنا بتنظيم مشاريع على مدار السنة مثل مشروع 'حفظ النعمة' وطلبنا خلال هذا المشروع من أصحاب المطاعم والمحلات التجارية أن لا يرموا الطعام المتبقي من وراء الأعراس أو قبل إنهاء المطاعم دوامها بل إحضاره إلينا ونحن بدورنا نقوم بتوزيعه على العائلات المستورة، بالإضافة لذلك هناك مشاريع على مدار السنة منها مشروع الحقيبة المدرسية، مشروع كفالة أسرة فقيرة، كذلك مشروع الطرد الغذائي ومن خلاله تقدم العشرات من المحلات التجارية طردا غذائيا شهريا وبدورنا في لجنة الزكاة نقوم بتوزيعه على العائلات المحتاجة'.

الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا والفقر المدقع يضرب أوصال الأسر والعائلات التي تنتظر رمضان بفارغ الصبر عله يحمل لها في ثناياه بعض الخير ويسد مطالب أطفالها واحتياجاتهم الأساسية والماسة.