'قصة إبني عمرها ستة عشر عامًا، تركنا وغادر لكنّه باقٍ، لا يغيب، ملابسه، سريره، أوراقه، وصية الشهيد، كُلُ شيءٍ هُنا، وسيبقى'، بهذه الكلمات استقبلتنا والدة الشهيد أحمد أبو صيام، في قرية معاوية، بمنطقة وادي عارة، وهو أحد شهداء 'هبة القدس والأقصى' في العام 2000.

وقالت والدة الشهيد أحمد أبو صيام، لـ'عرب 48'، إنه 'دائمًا هناك ما يُقال عنه وله، فقد أحبّ الوطن فبادلهُ الوطن حُبًا واحتراما'.

كانت الليلة الأخيرة من حياته، قصّة كالأفلام، دعا فيها جميع أترابه، وتابع معهم قصّة محمد الدُرة، وكانَ متألِمًا لما يحصُل في المسجد الأقصى مِن اقتحامٍ وتدنيسٍ للمكان، بينما كانت العائلة على موعد سفر إلى الأردن، عادوا ليودعوا ابنهم الشهيد.

وقال والد الشهيد أحمد أبو صيام، لـ'عرب 48'،  إنه 'عند صلاة الظهر يوم استشهاده، كان برفقة الشيخ رائد صلاح، كانت بينهم مودة واحترام، كان طموحًا وصاحبُ مزايا أخلاقيّة عالية، حضّر نفسه وسجّل للجامعة، لكنه استشهد قبل تحقيق حلمه، فكُتبت له شهادة أعلى من جميع الشهادات'.

والد الشهيد أحمد أبو صيام

وأضاف أنه 'ككل شابٍ كان يطمح إلى تكوين أسرة والعيش بكرامة، وكان صديقًا لنا نحنُ الوالدين، وصديقا لأشقائه وشقيقاته. كان متوترًا بسبب الأحداث الصعبة التي مرّت بها البلاد في العام 2000، وجدنا وصيّته بين أوراقه، وصية شهيد ذاهبٌ إلى عالمٍ آخر'.

في مسقط رأسه في معاوية، وُلد وترعرع الشهيد أحمد أبو صيام، ولحظة استشهاده كان قد لبّى نداء لجنة المتابعة بالتظاهر ضد اقتحام أريئيل شارون للأقصى المبارك، وكان مِن المُفترض أن تكون المظاهرة المُعلنة سلميّة، حيثُ وصل الآلاف إلى ستاد السلام في أم الفحم، لكنّ الشرطة التي كانت تقف في أعلى نقطة على جبل قحاوش، قُبالة المتظاهرين، قررت إطلاق النار على المتظاهرين.

وأوضحت الوالدة: 'كُنّا في زيارة إلى الأردن، وكأنّ هاجسًا ينذرني بوقوع شيء ما، حين هممتُ بتناول طعام العشاء، شعرتُ بانقباضٍ في صدري، وسُدّت نفسي، وفي الليلةِ ذاتها، اتصل عم أحمد، وأخبرنا أنّ ابننا أصيب في التظاهرات، لكنه بخير، وإذ بالقلب يسكتنا، وكان طاقم العاملين في المعبر يعلم بوصولنا، مع ذلك أصرّ على تفتيشنا'.

وأضاف أنه 'انطلقنا إلى مستشفى 'رمبام' في حيفا، حيثُ كان يتلقى العلاج، وحين نظرتُ إلى آلة فحص القلب، بدت بخطٍ متواصل، فأدركتُ أنه قد ارتقى شهيدا، لكنهم كانوا يتحدثون وكأنّه لم يفارق الحياة بعد، سألناهم عن احتمالات أن يعيش، فقالوا، ليس هناك أمل، ثم فصلوا الأجهزة عن جسده الغض، وعُدنا إلى المنزل فوجدناه عامرًا وخيمة العزاء منصوبة وسط البلدة، لم يكُن أصعبُ مِن هذه اللحظات على العائلة، وفي اليوم التالي اتصلوا بِنا وذهبنا لإحضار جثمانه، فطلبوا من زوجي التبرع بأعضائه، لكنه رفض قائلاً 'لو أنّ وفاته جاءت طبيعية، أو نتيجة حادث، لتبرعنا بأعضائه، لكن أن نتبرع بجسد إبني الذي قُتل غدرًا، لا يُمكن'.

قالت الأم: 'قبلته وودعته وتمّ دفنه في ساعات المساء، ولم يحتمل أبنائي هذا المصاب الأليم، خاصةً شقيقته سلسبيل، التي كانت تغيب عن الوعي عدة مرات، حيثُ لم تستوعب نبأ استشهاده'.

وأضافت أنه 'لا يغيب عن البيت، صوته باقٍ، دعسات رجليه، كنتُ أسمعها مِن قبل. كان ناشطًا رغم أنه لم يتجاوز الـ18 عامًا، كانت تصرفات الشرطة تستفزه، وقد ضُرب في إحدى المرات، هو وطلاب صفه بالعصي، حين ثارَ الجميع دفاعًا عن أراضي الروحة'.

وتابعت والدة الشهيد: 'حاولتُ التماسُك في البيت، كي تقوى عزيمة والده وأشقائه وشقيقاته، كنتُ صابرة ومحتملة، رغم مرارة الغياب، ولا أحد يستطيع أن يفهم العلاقة الخاصة بيني وبينه، لا يمكنني أن أنساه، أبكيه دائمًا، لكنني توقفتُ عن زيارة ضريحه أيام الأعياد، لأنني أريدُ لأبنائي أن يفرحوا قليلاً، وأزوره وأضع باقة ورد، لكن بعيدًا عن عيون الناس، خوفًا مِن أن يقولوا، ما أسمعه أحيانًا 'فش حدا استشهد ابنه غيرها؟!'، لا يعرفون الجمرات التي تكوي قلبي في غيابه، لكنني قوية ومؤمنة بقضاء الله'.

اقرأ/ي أيضًا| الذكرى الـ 16 لاندلاع انتفاضة القدس والأقصى

واختتمت الوالدة أنه بعد مرور ستة عشرة عامًا على استشهاد فلذة كبدها، 'كنتُ أتمنى أن أراهُ عريسًا، لكنه عريسٌ في الجنة، تمنيتُ أن أراه فارسًا ونغني له، فهنيئًا لك الجنة يا حبيبي، هنيئًا لك استشهادك وأنا صابرة وراضية إلى ما شاءَ الله'.