حياة بعد موت... الحاجة هناء عامر تسرد لـ'عرب 48' نجاتها من مجزرة كفر قاسم


سردت الناجية من مجزرة كفر قاسم، الحاجة هناء سليمان عامر، لـ'عرب 48'، تفاصيل المجزرة الرهيبة التي وقعت في 29 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1956، عشية العدوان الثلاثي (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا) على مصر، ففي حينه كان الحكم العسكري مفروضا على العرب الفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد طيلة 8 سنوات، واستمر حتى العام 1966، فقرر الحاكم العسكري يومها فرض منع التجول المفاجئ على البلدة، وقُتل 49 شخصا كانوا عائدين من العمل إلى منازلهم بادعاء أنهم لم يلتزموا بالأمر العسكري، علما بأنهم لم يكونوا يعرفون بوجود أي أمر عسكري، فأمر قائد الفرقة العسكرية بـ'حصدهم' وعندما استفسر أحد الجنود عن معنى هذه الكلمة قال له 'الله يرحمهم'.

وقالت الناجية عامر، إننا 'كنا في آخر سيارة، رآهم السائق حاول أن يقف، لكنّه لم يستطع، صرخ الجندي قائلاً، 'قف يا كلب'، قال السائق لنا: 'إنزلن يا خواتي، مع الهويات واللي معوش هوية، قال بهمش، نزلنا... عدنا يومها عند الغروب، بعد يومٍ متعبٍ من قطف الزيتون في اللد، وحين وصلنا إلى المنطقة الشمالية من القرية، سمعنا أصواتًا على الشارع تصرخ 'قف'، وتوقفت سيارة الشحن على طريق المدرسة، وأمرنا الجندي بالنزول من السيارة، فنزلن وكنت الأخيرة، وقبل أن تطأ قدمي الأرض راح الجنود يطلقون النار علينا وكنا 14 فتاة وامرأة و4 رجال بمن فيهم السائق، ولم يتوقفوا إلا حين تأكدوا أن الجميع قد مات'.

روت قصة استشهادها وعودتها إلى الحياة، من مجزرة كفر قاسم في العام 1956. وقد بقيت بعد إصابتها برصاصتين في الرجل والرأس، لتصحو بعدها وتجد نفسها نائمة في الشارع، 'كنت أشعرُ ببردٍ شديد، حاولت أن أقوم لأطلُب من قريبتي خميسة عامر غطاءً يقيني من البرد، لكنني لم أستطع النهوض، وكنت أتألم من جرح في رجلي، حيثُ اخترقت الرصاصة لحم إصبعي، كنت أصحو ثم أفقد الوعي من جديد، معتقدةً أنّ جميع رفيقات دربي أحياء، لأكتشف لاحقًا أنني الوحيدة التي اختارها الله لأنقُل رسالتي لأبنائي والأجيال القادمة'.

وأضافت أن 'الجندي قام بسحبي ثم سألني هل نأخذك إلى المستشفى؟ أم إلى البيت؟ قلتُ له لا أعرف، حمّلونا إلى السيارة، ونقلوني إلى المستشفى، بينما سارعت إحدى قريباتي بإخبار أهلي أنّ ورقة وفاتي عند القبور، فجاء والدي وحياة عمي عبد الله للبحث عني، وأخيرًا وصلوا إلى المستشفى، وهناك مكثتُ أربعة أشهر، وجرى تصوير رأسي فوجدوا أن عظم رأسي أصيب بكسور، وتبرُز في الرأس حفرة صغيرة'.

وأشارت إلى أنه 'في المستشفى طلبتُ ملفي الطبي، هل هو موجود؟ قالت لي نعم موجود، ثم عادت لتقول لي أنّ الملف 'احترق' أي أنهم أحرقوا جميع الملفات، علّهم ينسون هذا الملف، وحين كنتُ أتحدث عن القتل كانوا يصابون بالجنون، ويقولون: 'لا تأتي بهذه السيرة'، لكنهم اليوم صمتوا تمامًا. وكان والدي طوال الوقت يزورني، ويشتري اللحم كي تلتئم جراحي'.

'عرب 48': لم يعترف أحد بإصابتك؟

حتى اليوم لم يعترفوا.

وأنهت 'أما نحنُ فلن ننساها، وقد أخبرتُ أبنائي ماذا فعلوا بنا، وأوصيتهم ألا ينسوا أبدًا ما فعل اليهود بنا'، مؤكدة أن 'الأسى ما بتنسى'.

اقرأ/ي أيضًا | مجزرة كفر قاسم: 7 رصاصات و60 عاما لم تغير شيئا