بتاريخ  29.10.1956  كان صوت زخات الرصاص يدوي على أطراف قرية كفر قاسم. في ذلك اليوم  سالت الدماء بغزارة،  انتهكت المُحرمات وكل الخطوط الحُمر، ذلك بأمر احد الضُباط، حيث ارتقى 49 شهيداً، بينهم نساء ورجال وأطفال ومسنون.

ولعلّ كثرة المجازر الصهيونية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، في كافة الأراضي الفلسطينية، وعلى طرفي الخط الأخضر، قد تنسينا ولو لبرهة بشاعة وهوْل هذه المجزرة وتفاصيلها، إذ أنها كانت من الأكثر إجرامًا ودمويةً. لكن بالرغم من ذلك فإن تفاصيلها ما زالت محفورة في ذاكرة القسماويين، لا سيما، شباب لم ينشأوا في ظلال المجزرة، ورسَّخت في عقولهم حُب الانتماء للبلد والوطن، في حين يبقى الجُرح مفتوحاً إلى هذا اليوم.

هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون

قال الشاب عُمري عيسى رئيس مجلس الطلاب في المدرسة الثانوية الجديدة: 'إنها ذكرى مأساوية مؤلمة كانت ضحيتها بلدنا الحبيب كفر قاسم، حيث قَطفت أيادي الغدر 49 زهرة من بستانها الطيب. وعلى ذلك، ورغم أني لم أعش تلك اللحظة، أشارك بكافة الفعاليات والندوات سواء كانت على مستوى المدرسة أو على مستوى البلد، وفي هذا اليوم نسترجع ذكرى مأساتنا التي حلت على بلدنا في ليلة مظلمة باردة'.

وأوضح عمري عيسى 'إحياء هذه الذكرى مهم جدا لنقول إن قلوبنا ما زالت تنزف لهول مأساة هذه الواقعة التي نزعت روحنا 49 مرة، ولنبرهن لكل من يرفض بقاءنا بهذا الوطن أننا نحن هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون'.

وختم حديثه بالقول 'نحن نتبنى هذه الذكرى قلبا وقالبا وكأنها حدثت قبل ثوان، لأنها ما زالت عالقة في قلوب كافة القسماويين، وستبقى ذكراهم في قلوبهم وقلوب أحفادهم'.

لن ننسى ذكراهم

وقالت الطالبة سُندس عيسى: 'الذكرى خالدة دائما في قلوبنا، ولن ننساها، ولن نغفرها أبداً، أحييها دائما بالدعاء لأرواح طاهرة شريفة. وفي كل عام بتاريخ التاسع والعشرين من اكتوبر، حيث يخيم الحزن على وجه كل مواطن قسماوي، نعود ونتوحد من جديد، ونكون كتلة واحدة يدٍ بيد في مسيرة يشارك فيها الآلاف من المواطنين من البلدة وخارجها، تجوب شوارع البلدة ثم تتجه إلى قبور الشهداء لتزيينها بالأكاليل'.

وأضافت 'لهذه الذكرى أهمية كبيرة ومهمة جدا، فهي توحدنا في كل عام، ونعبر من خلالها عن الانتماء لهذا البلد والوطن والحب العميق له، حيث يخرج الطفل والعجوز والمرأة والرجل ليُعبروا عن انتمائهم وحبهم لكل ذرة من تراب كفر قاسم، وحزنهم لفقدان شهدائهم الأبرار، وأننا دائما لن ننسى ذكراهم فهم ميتون تحت التراب لكن خالدون في قلوبنا'.

وتابعت: 'الناس ينظرون إلى هذه المجزرة، كجريمة بشعة لا تُغفر، خاصة شريحة طُلاب المدارس، فلديهم الوعي الكافي لما حصل. لكن بحسب رأيي فإن الفعاليات التي تتم ليست كافية'.

وأشارت إلى تبعات هذه المجزرة، فقالت إن 'ذكرى المذبحة غيرت الكثير في تاريخنا وقلوبنا، فَهي علمتنا أن نكتب تاريخ بقائنا، وأن نزرعه في قلوب وعقول كل الأجيال مع مرور السنين. نتشبث أكثر بكفر قاسم، وأن نحب كل زاويةٍ فيها، أرضِها شوارعها بيوتها وناسها وزيتونها، وحتى إذا احتاج الأمر نفديها بأرواحنا ودمائنا. علمتنا أن حُب الوطن والأرض هو الأمر الأغلى لدينا، وأن تاريخنا تاريخُ عريق لا يموت، سوف نحفظه دائما وأبدا'.

وقال الشاب سامر أبو عرين إن 'ذكرى المجزرة كانت السنوات الأولى من التعارف مع الكيان الجديد، والكل يعرف كيف كان التعامل مع المواطن العربي آنذاك، وجاءت مجزرة كفرقاسم لتضع النقاط على الحروف، وتحفر في تاريخ هذه القرية وتاريخ فلسطينيي الداخل قواعد التعامل بين العصابات الصهيونية والمواطنين العرب، لذلك، اتسمت هذه العلاقة بالتشكيك والخوف من مخططات السلطة على مدار السنين والعدوانية من قبل قوات الشرطة حتى اليوم'.

سياسة الحكومة لم تتغير: مصادرة الأراضي مستمرة وهدم البيوت مستمر

وتابع أبو عرين 'خلال سنوات الستينيات لم نر أن السلطات الإسرائيلية تحابي أهل كفر قاسم، وتعاملهم معاملة خاصه دون غيرهم، المعاملة كانت وما زالت مثل باقي البلدات العربية، وهذه السياسات تتميز بالظلم والكبت للمواطن العربي والإجحاف في الميزانيات للبلديات والمجالس المحلية العربية'.

وقال أيضا إنه 'لو أرادت السلطات تغيير نهجها مع المواطنين العرب، ومع أهل كفر قاسم، على وجه الخصوص، لكانت الخطوة الأولى هي الاعتراف بمسؤولية الدولة عن المجزرة، وبالتالي إعادة محاكمة الجناة الحقيقيين، ودفع تعويضات لأهالي الضحايا ومدينة كفرقاسم بشكل عام، لكن السياسات بقيت كما هي بل واشتدت مع الوقت حيث قامت السلطات بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي كفر قاسم، ووسعت مدينة 'روش هعاين (رس العين)' على حساب أراضي كفر قاسم.

وتطرق في ختام حديثه، لزيارات الرؤساء الإٍسرائيليين لمدينة كفرقاسم، وقال 'كانت آخر زيارة السنة الفائتة، الرئيس رؤوڤن ريڤلين، فهذه الزيارة ومثيلاتها لا تتعدى كونها تمثيلية لا يحصل من ورائها أهالي كفرقاسم على شيء، بل بالعكس، المستفيد الوحيد من هذه الزيارات هي السلطات الإسرائيلية ذاتها، والتي تسوقها عالميًا على أنها تعتني بمواطنيها العرب وتعاملهم معاملة حسنة .كفرقاسم مثلها مثل باقي قرى ومدن الـ48، تصادر أراض منها، ويلاحق الأهالي الذين يبنون على أراضيهم بيوتًا ليسكنوها، وتهدم هذه البيوت بحجة عدم الترخيص. وتختلف كفر قاسم عن سائر البلدات العربية بأنها فقدت 49 زهرة من زهراتها'.

اقرأ/ي أيضًا | بمشاركة حاشدة: انطلاق مسيرة إحياء مجزرة كفر قاسم الـ60