'الكبار يموتون والصغار ينسون'، مقولة لطالما رددها أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوروين، عقب النكبة وما تلاها من مجازر ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، بيد أن هذه المقولة تحطمت على ذاكرة أهالي كفر قاسم الذين أحيوا، السبت، الذكرى الـ60 للمجزرة التي راح ضحيتها 49 شهيدا.

بدموع الحزن والأسى اصطحبت الحاجة علياء يوسف (65 عاما)، بناتها وأحفادها للمشاركة بفعاليات إحياء ذكرى المجزرة التي أتت تحت عنوان 'الشهداء يوحدون الوطن'، حيث انطلقت المسيرة من قبالة النصب التذكاري بمشاركة الآلاف، برز فيها حضور الفتية والأطفال والشباب، لتطوف الشوارع والحارات وتمر عبر منازل عائلات الضحايا لتحط في 'مقبرة الشهداء'.

رغم مرور ستة عقود على المجزرة، وما إن حطت الحاجة علياء برفقة عائلاتها عند ضريح والدها الشهيد، حتى اجهشت بالبكاء، وتساءلت ردا على سؤالنا 'بأي ذنب قتلوا؟، لن ننسى ولن نغفر، هم أرادوا تهجيرنا وإحلال نكبة ثانية، لكن دماء الشهداء أحبطت مخطط إسرائيل'.

نتذكر ولا ننسى

كانت علياء تبلغ من العمر خمسة أعوام، حين بدأت المجزرة يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر عام 1956، بالتزامن مع العدوان الثلاثي على مصر، ورغم صغر سنها لا تزال مشاهد الدم وأصوات الرصاص راسخة في ذاكرتها، وما عمق من معانتها استشهاد والدها الذي كان يعتني بالأرض تحضيرا لموسم الزيتون، حيث آبى إلا الذهاب لوحده رافضا اصطحاب أفراد العائلة حين بدء قطف الزيتون.

هذه المشاهد التي عايشتها ابنة الشهيد والرواية التي ترعرعت عليها وما زالت غصة وحسرة بقلبها، بيد أن ما يعزيها ويبعث الأمل لديها، تقول علياء 'الكبار ماتوا والصغار لا ينسون'، إذ عمدت على نقل مشاهد وتاريخ المجزرة الذي ما زال محفورا بذاكراتها ويعيش بوجدانها، وتذويت هذا الإرث وما يحمل بطياته من مآسي وذكريات حزينة لجميع أفراد العائلة من أطفال، فتيات وشبان.

الجرح النازف

ذات الرسالة يحملها وينقلها السبعيني، الحاج إسماعيل عبد الله، حيث كان يبلغ من العمر 12 عاما حين وقوع المجزرة، إذ كان منزل عائلته ملاصقا لديوان مختار القرية، ويتذكر الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الإثنين آنذاك، حينما قدم ضابط من حرس الحدود الإسرائيلي برفقة فرقة عسكرية وأخبر المختار بالأمر العسكري وحظر التجول ابتداء من الساعة الخامسة.

هذا الجرح النازف لكفرقاسم، كما قال عبد الله 'ما زال ينزف وسيبقى كذلك، فلم نتوقع ارتكاب الجيش للمجزرة، لكن كانت مخططات مبيتة تكشفت بدقائق، فالسكان التزموا منازلهم وما هاموا على وجوههم وتشردوا نحو الجهة الشرقية للقرية باتجاه الأردن والتي كانت مفتوحة ولم يشملها حظر التجول'.

في الذكرى الستين للمجزرة، اصطحب الحاج عبد الله حفيدته البالغة من العمر 4 سنوات إلى 'مقبرة الشهداء' ليذكرها بالتاريخ الذي سطره الشهداء بدمائهم والرواية التي ستبقى راسخة وتتناقل من جيل إلى آخر مع وجود أضرحة الشهداء وليجيبها عما تلح عليه من أسئلة واستفسارات حول معنى المجزرة، الشهداء، الجيش، الرصاص واليهود، مفردات يراد لها أن تمحى من قاموس الاهتمام للناشئين والأطفال.

خطوط موجهة

ولتذويت الذكرى وتخليدها بالوعي الجماعي للناشئين وطلاب وطالبات المدارس، تخص بلدية كفرقاسم واللجنة الشعبية لإحياء الذكرى سنويا برامج وفعاليات ومنهاج تربوي وتثقيفي الذي حمل عنوان 'خطوط موجهة لكافة المؤسسات التربوية لذكرى مجزرة كفر قاسم'.

'لن ننسى ولن نغفر، هذا حق أزلي لا مساومة عليه، فإسرائيل إلى الآن ترفض الاعتراف بحقائق وملابسات المجزرة، يقول رئيس البلدية، المحامي عادل بدير، الذي شدد على أن المسؤولية الوطنية والإنسانية تحتم على حفر الذاكرة الجماعية بتاريخ وأهوال المجزرة وتداعياتها، فكفر قاسم بمعاناتها ودم شهدائها سجلت فصلا مهما في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني.