لن تنسى زوجة الشهيد يعقوب أبو القيعان مشهد التنكيل الذي تعرّض له قبل استشهاده حين أطلقت عليه الشرطة الإسرائيلية الرصاص وقتلته داخل سيارته، صباح الأربعاء الماضي، قبل هدمها منزلهما وعدة منازل في قرية أم الحيران بالنقب، والمضايقات والتهديدات التي تعرضوا لها.

الزوجة الثاكل، رابعة أبو القيعان، كانت شاهدة عيان على تصرفات أفراد الشرطة الذين هددوا بإطلاق النار في حال الاقتراب من مسرح الجريمة التي اقترفوها.

 

عن الألم الشخصي ووجع الفراق، قالت زوجة الشهيد، لـ'عرب 48'، إنّ 'فراقه خسارة كبيرة، لا تعوّض ولا يمكن تعويضها مدى الحياة، ولا أظن أننا طالما عشنا فوق الأرض نستطيع أن نعوّض هذه الخسارة. يعقوب كان إنسانًا مسالمًا، من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت، قليل الزيارات والسفر، صبّ كل اهتمامه في التعليم، فتعلم في بئر السبع وتل أبيب، ونال اللقب الأول واللقب الثاني، ودورة مديرين، كان إنسانا يهتم فقط بالعمل، كان يقول أريد أن أعلّم أبنائي جميعًا وأن يكونوا أطباء، وكان لديّ شخصيًا حب استطلاع هل سيختار أبنائي موضوع التعليم؟ رغم أن أحد أبنائي سينهي دراسة الطب في الخارج، وابني الثاني يتعلم هندسة في كلية 'سامي شمعون'، ولديّ ابنتان تتعلمان موضوع الرياضيات، وأولادي في مدرستي السلام والبيادر، منذ تزوجته وهو يعلِّم ويتعلّم، أكمل دراسته هنا، ثم سافر إلى ألمانيا فتعلم سنة أولى اللغة، وكان يفضّل إكمال دراسته في ألمانيا، وحين فكر بأطفاله وزوجته توقف عن الدراسة في ألمانيا واختار العودة إلى البلاد، وأصرّ على تربية أبنائه، ثم استكمل تعليمه في البلاد، وفي العام 1998 بدأ بالدراسة وحتى استشهاده ظلّ غارقًا في التعليم، ودرّس أجيالا سواء في مدرسة أبو القرينات، أو السيد، أو العطاونة، وفي مدرسة السلام، وأمضى 19 عامًا في مهنته، ومن يعرفه يستفقده ويبكيه، فهو إنسان هادئ، والجميع تمنّى الجلوس معه ومحادثته، وهو قريب إلى القلب خاصة أنكِ لا ترين منه سوى البسمة على وجهه'.

وروت الزوجة الثاكل، لحظات قبل استشهاده: 'حين قرّر ترك أم الحيران كي لا يرى مشاهد الهدم، قال لي: لا أريد رؤية الهدم، لا أريد أن أرى تعبي يهدم، لذا سأذهب إلى أمي في حورة كي لا أراهم يهدمون البيت. وعند الصباح أخذ بسيارته بعض الحاجيات من البيت وخرج كالعادة وهو يقصد الذهاب إلى أمه. كنت أنا وأبنائي عندما أطلقوا النار عليه، ولم أكن أعرف أنهم يطلقون عليه النار، ثم جاء الجنود باتجاهنا، بينما صرخ ابني، 'أبوي، أبوي'، قلت له: لا ليس والدك، قام الجندي بدفعنا للعودة من حيثُ أتينا أنا وأبنائي. قام الجنود بدفعنا بسلاح 'الأوزي' إلى الشارع، ووجهوا أسلحتهم باتجاهنا، سرنا بعيدا حتى وصلنا، وسألنا الجندي عن زوجي الذي أطلقت النيران عليه، فلم نسمع إجابة، وحين وصلنا عرفنا أنه استُشهد، عندها رأيت سيارة 'الجيب'، كنتُ أفكر بزوجي، ورأيت أنهم يضعون على الجيب النايلون، وهو بلا حراك، بينما هناك فتحة صغيرة للجيب وهو يميل نحو باب الجيب، والجزء الآخر منه على الأرض، وهو مصاب برأسه. كنتُ أفكر بما رأيته في الجيب، بينما يسير أطفالي ورائي، وخافوا أن يطلقوا النار عليْ، وطوال الوقت كان الجيش يُهدد بإطلاق النار، وقررتُ الانسحاب كي لا يرى أطفالي صورة والدهم بهذه الحالة، عدتُ إلى الجموع، فرأيتهم عن قرب كيف يمثّلون الحادث، وجمعوا الرصاصات، وبعدها توجهوا نحو جثة زوجي، رفعوا النايلون، كانوا أربعة في سيارة الإسعاف، قاموا بنزع ملابسه، وقلبه يمينا وشمالا ويمسحون دمه، ثم قاموا بجره من الجيب كما لو أنهم يجرون أي شيء وليس إنسانًا، وكأنك تتعاملين مع 'كيس من القاذورات'. مضى وقت طويل وهم يقلبونه، ثم نقلوه بعد مرور 6 ساعات أو أكثر، وأنا أفكر بما حصل له، ولم يكن لدي أي جرأة لقول أي شيء، وكأنني خرساء، وهم على الأرض، يرفعون 'سلاح الأوزي' باتجاهي أنا وأطفالي، ثم جاؤوا فقلبوا البيت رأسًا على عقب، وأنا لغاية اليوم أفكر بما جرى وكأنه فيلم، وهو أكثر بكثير مما يحصل في غزة'.

وأنهت أن 'ابنتي ألقت بالذهب في حاوية النفايات، كي لا تُسرق، ويبدو أنّ الجيش تمكّن من اكتشاف هذا المخبأ، وخافت أن يظنوا أنها تحمل متفجرات، وكان الأهم أن نهرب من طلقات المطاط التي أصابت عددًا من النساء والرجال في أم الحيران. نحنُ متأكدون أنّ الشرطة لها يد في سرقة الذهب، وسرقة محفظتي، حيثُ ألقى أفراد الشرطة الأوراق وأخذوا مصروف البيت الذي احتفظتُ به، وبذلك اختفى الذهب والمال. المهم والأقسى أننا خسرنا يعقوب، وهو كان كل شيء في حياتنا'.

اقرأ/ي أيضًا | جماهير غفيرة تشيع جثمان الشهيد يعقوب أبو القيعان