جلس عدد من الأهالي على أنقاض المنازل المهدومة في قرية أم الحيران بالنقب. ركام قامت جرافات الهدم بتجميعه ونقله إلى إحدى التلال القريبة، هناك جلست عاقلة أبو القيعان وإلى جانبها شقيقتها شِفا والطفلة براءة، ابنة العشر سنوات، كانت تبحث بين الأنقاض عن دفاترها وكتبها، عثرت على بعضها، وظلت تمسك بها طوال الوقت، بينما جلست والدتها فوق الركام، تزيح الأحجار الكبيرة والأخشاب التي كانت يومًا خزانة للملابس.

كُلُ شيءٍ في المكان لم يعد صالحًا للاستعمال، إلا الحذاء الأسود الذي عثرت عاقلة أبو القيعان على فردة واحدة منه، وظّلت تبحث عن الفردة الأخرى، لكنها لم تعثر عليها. أمضت ذاك اليوم تبحث عن حاجياتها، متمنية أن تعثُر على شيء كامل، لعبة طفلتها مثلا. وجدت شهادات التخرج لأبنائها وهي ممزقة ومبللة بالتراب والوحل بعد هطول أمطارٍ شديدة في ليلةٍ شابها الغضب.

أخبرتني أم كرم (عاقلة) أنّها لم تبدل ملابسها منذ أربعة أيام، إذ لم تعد تملك بيتا ولم تجد ملابسها التي اختفت بين الأنقاض.

قالت عاقلة أبو القيعان، لـ'عرب 48'، إنهم 'دخلوا علينا، لا يشبهون البشر، نظروا إلينا وكأنّهم وحوش ضارية يريدون أكلنا بأنيابهم، لم يأتوا إلينا ليعلمونا بالهدم، بل جاؤوا للافتراء علينا، إنهم جبناء، فمنذ اللحظة الأولى التي أطلت فيها الشمس بدأوا يطلقون النار، وكأنهم يلاعبون قططًا أمامهم ونحنُ لسنا ببشر، كان من السهل إبلاغنا بالهدم، لكنّ هدفهم كان مختلفا، جاؤوا لإهانتنا، حضرت القوات المدججة بالأسلحة، كان علينا أن نهرب لنتقي شرهم، اقتحموا بيتنا فخرجت من الباب الخلفي، لم أستطع أخذ أي شيء للتخفيف من شدة البرد، وخلال ثوان أطلقوا 50 طلقة فخرج الجيران يصرخون وهم يفزعون، عندها عرفنا أنّ العم يعقوب قد قتلوه، لم نصدِّق للوهلة الأولى، ظننا أنّ مجرد طلقات للتخويف وللتشريد، لكن منذ لحظة استشهاد العم يعقوب، عرفنا أنهم أعداء، أردنا أن نسعفه، لكنهم أطلقوا الرصاص المطاطي، وبدأ الأهالي بالصراخ، استخدموا العنف حتى نواب الكنيست، استعملوا مسيل الدموع، فهرب من هرب، ثم ساقونا إلى المسجد، وحبسونا فيه، وكلما رأينا سيارة إسعاف، كنا نُسرع للحاق بها، لمعرفة ما يجري'.

وأضافت أنه 'كما ذكر الجميع، الأستاذ يعقوب قرر الخروج من بيته، جمع حاسوبه وتلفازه وملابسه الشخصية وقرر الذهاب إلى أمه في قرية حورة، قال: 'لا أريد أن أرى انهيار بيتي أمام عيني'، فقتلوه، سبُعُ ساعاتٍ لم تُشفِ غليل أفراد الشرطة، وبعدها انتشرت الكلاب والخيل والرصاص في الهواء، بعدها حضرت مركبات قامت برش المياه الساخنة على الموجودين، أخرجونا من منازلنا دون أن نأخذ ملابسنا وهواتفنا الخليوية'.

وحول كيفية العيش دون مأوى، قالت أبو القيعان: 'تشرّدت عائلتي، أطفالي بقوا بالعراء رغم شدة البرد والطقس العاصف، بينما قام المتطوعون بإحضار أغطية وملابس للأطفال. نحنُ بلا مأوى حتى اليوم، لا بيت لنا ولا ملابس شخصية، لم أتمكن من سؤال السيدات، فكلنا في الهم واحد، أنا اليوم مُشردة، ولا أعرف متى سيهدمون من جديد، لذا لم أستطع أن أرفع خشبة أو حجرًا. بقيت بين النساء أيام العزاء ونمت بينهن حتى يفرجها الله'.

وأنهت أنه في أعقاب جرائم الهدم وقتل الشهيد المربي يعقوب أبو القيعان 'اكتشفتُ هذه الكراهية، وعرفتُ أنّ الدولة تفضل مستوطني عمونا وتعمل من أجلهم، ونحنُ منذ النكبة عام 1948 لا نزال نبحث عن مأوى ثابت على أرضنا. الوضع صعب جدا وفي غاية القساوة، لا مكان يأوي أطفالي في أم الحيران'.

اقرأ/ي أيضًا | التحقيق مع مديري مدرستين بسبب مظاهرة دعم لأم الحيران