تروي أرملة الشهيد يعقوب أبو القيعان، د. أمال أبو سعد من قرية أم الحيران بالنقب، والتي تشغل رئاسة مسار الطفولة المبكِرة للمجتمع العربي البدوي في كلية 'كي' في بئر السبع، فصول المعاناة التي يعيشها أهالي أم الحيران، الصراع على الهوية والأرض، واهتمام العائلة بالثقافة والعلم رغم كل الصعوبات والعراقيل والأوضاع البائسة.

وقالت د. آمال أبو سعد، لـ'عرب 48'، عن الواقع الذي خلفه استشهاد زوجها المربي يعقوب أبو القيعان، إنّ 'ما حدث في أم الحيران، لم نكن نتوقعه بالمرة، هذه أول مرّة في حياتي أتخيّل فيها أنه يمكن أن يحدث أمرا من هذا النوع بسبب هدم البيت، وأن يتم قتل مواطنين. هذا الأمر لم يكن يخطر ببالنا، توقعنا هدم البيوت، كما يجري عادة في النقب، رغم أننا رغبنا أن نصل إلى حلول قبل أن يصل بنا الحال إلى هذه المرحلة، لم نكن نرغب أن يتم هدم أي حجر، بل أردنا الاتفاق معهم، قبل أن نصل إلى مرحلة القتل. لم نتوقع شيئًا اسمه قتل، والذي حدث أنه لم يتم الاتفاق، ولا أعرف لماذا، لكنني أعرف أنه قبل يوم من استشهاد زوجي كان من المفترض أن يتم التوصل لاتفاق، والجميع نام ليله وهو يأمل أن يُصبح على اتفاق، لكن للأسف في اليوم التالي فتحنا عيوننا على ما جرى من قتل وهدم البيوت، فهذا جعلنا نشعر أننا لسنا مواطنين في هذه الدولة، وليس لنا احترام وتقدير. لقد تركوا يعقوب ينزف مع أنه كان بالإمكان إسعافه، وإذا كان قد أخطأ، كان يمكن سجنه ومعاقبته كما يحصل وفق القانون، لكن مع الأسف لم تحدث هذه الأمور. كنا نعتقد أننا مواطنين في هذه الدولة، لكن فهمنا أنهم ينظرون إلينا كنوعٍ آخر وعلى أننا لسنا مواطنين من هذه الدولة'.

كيف تصفين ما حدث من هجمة شرسة على أم الحيران؟

أعتقد أنّه ما دام قد حدثنا لنا ما لم نتوقعه في أم الحيران، فإنّ هذا الأمر كان يمكن أن يحصل في أي بلدة عربية، وليس مهمًا كيف وأين، في الشمال أو الجنوب، فهذا بالنسبة لي تصعيد وأمر خطير، وكل مواطن عربي في هذه البلاد تأثر واهتزت مشاعره أمام ما حدث، كما أنّ كل يهودي لديه إحساس فقد تأثر بما حدث في أم الحيران، لأنّه لا توجد أي دولة في العالم تتعامل مع مواطنيها كما تعاملت مع أم الحيران. ما جرى صعبٌ وقاسٍ وغير متوقع، لا في أم الحيران ولا في أيُ بلدٍ آخر.

كيف تعقبين على إخلاء مستوطنة 'عمونا' مقارنة بجرائم الهدم في أم الحيران؟

إنّ المشهد الذي تابعته عند إخلاء مستوطنة 'عمونا' والمشهد الآخر عند استهداف الشهيد يعقوب أبو القيعان يُثير ويؤلم جميع المواطنين العرب الذين اعتقدوا يومًا أنهم درجة أولى كما الآخرين، لكن حسبما رأيت وكيف تعاملوا مع مستوطني 'عمونا'، تمنيت لو تعاملوا بالمثل معنا ومع كل مواطن عربي. لم يدخلوا عليهم بالسلاح واللباس العسكري، بل تعاملوا معهم على أنهم مواطنين رغم تصرف مستوطني 'عمونا' بعنف نوعًا ما في مواجهة الشرطة، لكننا في أم الحيران لم يقم أي شخص منّا بمواجهة الشرطة بالعنف، ولم يحرك أحدنا حجرًا أو تفوه بكلمة، ونفذت الشرطة جريمة قتل يندى لها الجبين، واعتدت على شخصين وجرى إطلاق عيارات مطاطية عليهم. مستوطنو 'عمونا' استخدموا العنف والمواد الكيماوية، فردت الشرطة عليهم بكل هدوء، أما التعامل مع المواطنين العرب فهو طبعا يختلف.

رُبما فوجئ كثيرون باهتمام عائلة أبو القيعان بالعلم والثقافة وبينهم الشهيد أبو القيعان؟

هذا الأمر ليس غريبًا، فنحنُ شعب 'اقرأ' وهذه هي الكلمة الأولى التي جاءت في القرآن الكريم، وعلينا أن نقرأ ونتعلم، ولو لم تكن القراءة مفيدة لبناء المجتمع لما نزلت كلمة 'اقرأ'، وعلينا أن نتعلم ونتثقف، والمتعلم والمثقف يجيد التعامل مع الأزمات، ومع الصعوبات، ويجيد تربية الأبناء بأسلوب صحيح في الحياة، من يسمع كلمة عرب بدو يظن أننا نعيش في بلاد أخرى، أو أننا متأخرين، لكنني رأيت شرائح مختلفة وليس حتمًا أن يكونوا أكثر تطورا منّا، بل ربما العكس، وكثيرون يعتقدون أنّ العرب البدو لا يهتمون بالعلم، لا أعرف من أين جاءتهم هذه الفكرة، ربما كان ذلك منذ سنوات طويلة كان فيها جهل لدى كثيرين، وربما لدى العرب البدو لم تكن هناك إمكانيات متطوِّرة، واليوم المجتمع العربي البدوي متطور وحضاري من ناحية التعليم وأسلوب الحياة ونهج الحياة الذي نعيشه، ونحافظ على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، ونراها تلخِّص الأخلاق والأدب واحترام بعضنا البعض. صحيح أننا مثل أي شعب آخر لدينا سلبيات، لكن لدينا الإيجابيات أكثر، وهذا الأمر يعود للإنسان بشكلٍ فردي، ويمكن أن يكون الإنسان مختلف في تصرفاته، وهذا أمرٌ يحدث لدى جميع الشعوب، ولسنا ملائكة، بل لدينا حسنات وسيئات مثل أي مجتمع آخر.

ماذا عن الحالة النفسية لأطفال أم الحيران بعد جريمة الهدم وقتل الشهيد أبو القيعان، كيف تمّ التعامل معها؟!

الصدمة النفسية والمشاهد التي حدثت في أم الحيران لا يمكن نسيانها نهائيًا. أبناء سنتين ونصف تابعوا ما جرى أمامهم، وقد فهموا ما جرى، وبرزت الصدمة النفسية ليس على الأطفال فقط بل لدى الكبار أيضًا، ففي اليوم الأول كان أبنائي يحيطون بي، لم نعرف النوم، ربما نام أطفالي ساعتين فقط، لدي طفلة في الصف السادس (12 سنة)، من الساعة الثالثة ليلاً، كان تتابع الفيسبوك وما نُشر على الفيسبوك من أفلام وصور وأشعار. الوضع صعب جدًا على الأطفال خاصةً أبنائي وأنا أتابع معهم ومع الاختصاصيين النفسيين حتى اليوم، والوضع صعب لا يتخيله العقل. ابنتي إحدى التوأميْن (ابنة الشهيد يعقوب) لم تستطع أن تهدأ حتى خرجت جنازة والدها، وفقدت الوعي ثلاث مرات، كانت تريد رؤيته وظنّت أنه سيأتي سائرًا على رجليه، وطلبت من أعمامها الحصول على قميص والدها، قائلة: 'سأحتفظ بالقميص، كي أشم رائحته كلما احتضنته'.

اقرأ/ي أيضًا | قلنسوة: أمر إخلاء منزل إيهاب متاني تمهيدا لهدمه