يُعتبر الخامس عشر من 15 أيار/ مايو عام 1948 يوما استثنائيا في تاريخ العرب الفلسطينيين، فقد شهد النكبة وقيام دولة إسرائيل على أرض شعب فلسطين التاريخية وبدء الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى.

لم تغب جرائم القتل والترهيب والتهجير والتشريد التي نفذتها العصابات الصهيونية عن ذاكرة ابن مدينة يافا، موسى صايغ (78 عاما) مع مرور الزمن.

روى صايغ بألمٍ وحزن بالغين فصول النكبة في يافا، حيث كان شاهدا عليها، وقال لـ'عرب 48' إن 'الدمار كان في كل حارة وشارع في يافا، سُوّيت بعض الحارات بينما صمدت بعض المنازل التي صارت إرثا فيما بعد'.

وفنّد الرواية الصهيونية، مؤكدا أن 'يافا لم تكن مهجورة، قطنها العرب وأسكنوها ذكرياتهم، مدينة اتسّعت لجميع زوارها من كل بِقاع الأرض، وكانت لهم مأوىً آمنا'.

قدم والد صايغ من سورية في العام 1933 حيث استضافه أقاربه في يافا، ثم عمل في البناء، وفي وقت لاحق بعد النكبة غادر بعضهم إلى غزة ورام الله، وبقيت عائلة والد موسى صايغ في يافا رغم اشتداد التضييق والملاحقات لمن تبقى من أهل يافا العرب.

وأضاف صايغ: 'كنا نسكن في الجبلية، وحين احتلوا يافا جمعونا في حي العجمي وحاصرونا في 'غيتو'، كنت في حينها في الثامنة من عمري، كانت الأحداث ملتهبة جدا، رأيت أمامي المقاومين من يافا يحملون السلاح متجهين إلى الحدود مع 'بات يام'، ليقاوموا العصابات الصهيونية'.

وعن حصار المواطنين العرب في يافا من قبل العصابات الصهيونية، قال إنه 'بعد سقوط يافا بيد العصابات الصهيونية، قاموا بتجميعنا ووضعونا في حي العجمي، حاصرونا بجدار من الأسلاك الشائكة، مُنعنا من الدخول والخروج، وبعد فترة من الزمن سمحوا لنا فقط بالذهاب لشراء الخبز والطعام'.

وأكد صايغ أن 'الحياة في 'الغيتو' كانت أشبه بجهنم، حصار وفراغ مفرط، كنا نسير فقط من المدرسة إلى البيت، لا يوجد عمل. وحين فكوا الحصار عنا، لم يلقَ كثير من الناس مكان عمل لتوفير لقمة العيش، تحولت الحياة بعد النكبة وأصبحت صعبة جدا، بطالة وفقر، كُنا بشق الأنفس نجد عملا متواضعا لنوفر قوت يومنا'.

وتحدث عن المقاومة التي شهدها يافا، 'كنت شاهدا على أحد المشاهد التي لن أنساها أبدا، حين عادت مجموعة من المقاومين، كانوا يحملون على أكتافهم شهيدا ودمه يسيل، إذ قّتل على يد العصابات الصهيونية في إحدى المعارك التي وقعت في محيط يافا، كان عدد المقاومين قليلا وأسلحتهم متواضعة، بينما استخدمت العصابات الصهيونية شتى أنواع الأسلحة المتقدمة'.

وأشار صايغ إلى أن غالبية أصحاب الأملاك والنُخب في يافا هاجروا بسبب الخوف على أسرهم، وقال إن 'من بقي في يافا هم الناس البسطاء وعدد قليل من النخب، لكن أصحاب الأملاك والمحسوبين على الطبقة الغنية هاجروا من البلد'.

ويعود بذاكرته، موضحا أن 'يافا كانت مليئة بالقصور الجميلة والبيوت المشيّدة. عندما خرج الناس من الحصار، عادوا إلى منازلهم، ومنذ ذلك الحين بدأت سياسة التضييق تظهر جليا في محاولة لتفريغ يافا من أهلها الأصلانيين ومحو معالمها العربية الفلسطينية'.

وأردف أنه 'في سنوات الستين بدأت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ مخططات خبيثة، دخلوا إلى منازل المواطنين العرب لتحذيرهم ومطالبتهم بتركها بادعاء الخوف على سلامتهم وأن المنازل غير صالحة للسكن وهي آيلة للسقوط في كل لحظة. سيطر اليهود على عشرات المنازل في الأماكن المهمة وعملوا على تهويد المكان، وهدموا الكثير من المنازل العربية. كانت هذه سياسة الحكومة الإسرائيلية التي نفذها رئيس البلدية آنذاك، شلومو لاهاف، بالإضافة إلى منع العرب من تشييد منازلهم'.

وأكد أنه 'منذ عام النكبة لم يتغير أي شيء، نفس السياسة الصهيونية مستمرة، ومع الأسف الشديد فإن الكثير من أبناء هذا المجتمع العربي ابتعدوا عن لُب القضية، وخاصة الشباب منهم، إذ أن نسبة كبيرة منهم اليوم لا يعرفون ما هي النكبة ومعناها، وبذلك نجحت إسرائيل بأسرلة العديد من الشباب وجعلتهم ينسلخون عن هويتهم الوطنية والقومية'.

وحاول صايغ تفسير ما حصل بالقول إنه 'قد يدل ذلك على يأس الناس، ولربما معهم حق في ذلك، لأن فلسطين لم تحظ باهتمام الزعماء العرب منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وها هم بعد أن تركوا فلسطين محتلة من قبل الإسرائيليين عشرات الأعوام، اندلعت الحروب في ساحاتهم وأصبحوا مغيبين كليا عن القضية الفلسطينية'.

وعن أجواء يافا اليوم، قال إن 'السلطات نجحت بتجهيل أعداد من الشباب، لو نظرنا إلى نسبة الإجرام في يافا لعلمنا أن الكثير من الشباب وقعوا ضحايا بسبب هذا الجهل'.

وختم صايغ بالقول، إن 'العنصرية هنا في أوجها، وهي تتفشى في كل مكان، لكن رغم كل ما نمر به فأنا على يقين أنه سوف يولد جيل طيب، يحب الوطن وأهله، فنحن أصحاب البلاد'.

اقرأ/ي أيضًا | في الذكرى الـ69 للنكبة