يسعى ائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى تشريع "قانون القومية"، الذي تتضمن مسودته تعريف إسرائيل دولةً يهودية بالأساس، وتفضيل ذلك على النظام الديمقراطي، بالقول إنها "دولة يهودية وديمقراطية"، كما تنص مسودة مشروع القانون هذا على أن تقرير المصير في فلسطين التاريخية هو حق لليهود فقط.

تناقض مع القوانين الدولية

النائب عن القائمة المشتركة، د. يوسف جبارين، لـ"عرب 48" إنه "من المهم التأكيد على أنه من وجهة نظر دولية فإن قانون الأساس المقترح يتناقض بوضوح مع المبادئ القائمة في صلب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 1947 بشأن تقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين، فهو القرار الذي دعا كل دولة من الدولتين إلى تبنّي "دستور ديمقراطي"، يضمن عدم "التمييز بين السكان بأي شكل من الأشكال، بسبب الأصل أو الدين أو اللغة أو الجنس"، وكذلك يضمن "لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة الحق في الحماية القانونية المتساوية". وعمليًا، فإنَّ المبادئ الأساسية القائمة في صلب مشروع القانون الأساس تتناقض بصورة جلية مع جميع مبادئ قرار التقسيم للأمم المتحدة، وهو القرار الذي لطالما تغنّت به إسرائيل بوصفه قاعدة تاريخية للاعتراف بها".

وأضاف أن "مشروع القانون المقترح ليس أنه غير متساوٍ مبدئيا فحسب، بل هو غير ديمقراطي بوضوح، إذ أنه ينتهك مبادئ أساسية في القانون الدولي، وخاصة الحق في الحماية المتساوية أمام القانون، والحظر الصريح على التمييز على خلفية الانتماء القومي أو الدين أو اللغة أو الثقافة، وهي مبادئ أساسية تم توثيقها في المعاهدات الدولية التي وقعت عليها إسرائيل، بما في ذلك الإعلان الدولي لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، والمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والمعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، والاتّفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 (وقد وقّعت دولة إسرائيل على ثلاثتها في العام 1991). وعليه، يشكّل التمييز الكامن في مشروع القانون المقترح انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وهو القانون الذي تزعم إسرائيل التزامها به دوليا.

حق المساواة لأقلية أصلانية حق فردي وجماعي

وشدد النائب جبارين على أن "مشروع القانون المقترح لا يتضمن أي حق جماعي للأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، وهي أقلية قومية أصلانية. وتعتبر هذه الحقوق الجماعية أساسية لأنها تنبع من الاختلاف الجماعي القومي الذي يميّز مجموعة الأقلية عن مجموعة الأكثرية. الحقوق الجماعية هي حقوق متأصّلة بالخطاب الدولي وتحصل عليها مجموعة الأقلية بسبب خصوصيّتها الجماعية، وتسعى إلى ضمان المساواة الجوهرية لأبناء وبنات الأقلّية، ومنحهم حماية قضائية ودستورية متساوية على المستوييْن الفردي والجماعي. في إساس هذه الحقوق الجماعية للأقلية العربية الاعتراف بالمجموعة القومية العربية الفلسطينية في إسرائيل بوصفها أقلّية أصلانية تعيش على تراب وطنها التاريخي، ويستند حقّها في المساواة الكاملة إلى الأساس المدني الفردي وإلى الأساس القومي الجماعي والأصلاني. وتشمل هذه الحقوق ضمان المكانة المتساوية للغة العربية وتعزيز مكانتها، والتقسيم المتكافئ للموارد العامة، ومساواة في المنظومة الرمزية للدولة، ومساواة في ترتيبات الهجرة إلى الدولة والتجنّس فيها، وضمان التمثيل اللائق والمؤثّر للمواطنين العرب في مؤسّسات الدولة. أما في نطاق الحيّز الخاص بكلّ مجموعة، فيجب أن تمنح الحقوق الجماعية الأقلّية العربية إدارة ذاتية إدارية في شؤون التربية والتعليم والدين والثقافة ووسائل الإعلام".

وختم النائب عن المشتركة بالقول إن "مشروع القانون يعبر، عمليا ومبدئيا، عن ثنائية معيارية صارخة بنظرة القانون الدستوري الإسرائيلي إلى المجموعتيْن القوميتين في الدولة: نظرة جماعية وقومية واضحة إلى الأغلبية اليهودية، مقابل نظرة فردانية ومدنية إلى المواطنين العرب ("غير اليهود"). هذا التصنيف القومي- الإثني بين العرب واليهود يرسّخ المكانة الدونية للمواطنين العرب ويؤدّي إلى تعميق إقصائهم في القانون وفي الممارسة".

استهداف المواطنين العرب

وقال النائب عن القائمة المشتركة، سعيد الخرومي، لـ"عرب 48" إنه "من الواضح أن القانون يستهدف المواطنين العرب بشكل مباشر، ويخلق طبقية في الدولة تمنح فيها قومية اليهود كقومية مميزة، والبلاد تشكل وطنا حصريا لهم، وكأن المواطنين العرب غرباء على أرضهم وفي وطنهم، فالبند الأول في تعريف الدولة بأن إسرائيل وطن قومي وحصري للشعب اليهودي، أي أنه لا حق لشعب آخر في هذا الوطن وتقرير مصيره، هذه نقطة خطيرة جدا".

وأضاف أن "القانون يحمل خطورة كبرى كونه قانون أساس يمكن أن تشتق عنه قوانين أخرى للسنوات المقبلة، وهو يشكل أساسا للدستور الغائب في إسرائيل، وقانون الأساس يشكل مرجعية لقوانين مستقبلية تفضل فيها القومية اليهودية، إضافة لخطورة البنود الأخرى مثل الهجرة والمواطنة التي تقدم في البند الرابع للقانون والتي تتخذ، اليوم، شرعيتها في قانون أساس، وكما نعرف قضايا متعلقة بالدستور يجب أن يسبقها حوار مجتمعي، لكن في إسرائيل أحزاب اليمين والائتلاف الحاكم يقدموا هذا القانون من وجهة نظر عرقية عنصرية، لذلك نحن نرفض القانون ونرفض المنطلق العرقي العنصري الذي ينبع منه هذا القانون".

لا يختلف القانون عن الممارسة

وقالت المحامية منى حداد من "عدالة- المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية" لـ"عرب 48" إن "القانون بحد ذاته لا يجدد شيئا من حيث الممارسة الفعلية للقضاء الإسرائيلي أو للممارسة الفعلية في الحكم بإسرائيل. القانون يعرف إسرائيل كدولة الشعب اليهودي، ويعطي أفضلية لليهود في إسرائيل، ونحن نرى أن هذه الممارسة كانت موجودة منذ قيام الدولة، وحتى في قرارات المحاكم وعلى رأسها المحكمة العليا حتى في قرارات رئيسها السابق أهارون براك الذي ينظر إليه كقاض ليبرالي، ومثال على ذلك قرار الحكم في قضية قعدان (قضية منع مواطن عربي من السكن في بلدة يهودية) والتي منحت فيه المحكمة الحق في أهمية المحافظة على الأغلبية اليهودية، قانون العودة لليهود، مكانة اللغة العبرية كلغة مركزية، وأعياد اليهود ورموز الدولة، وهي مركبات قامت على أساسها دولة إسرائيل، لذلك لا أرى تجديد في القانون".

مكانة اللغة العربية

وعرجت حداد على إلغاء المكانة الرسمية للعربية في القانون، وقالت إنه "لم يصدر حتى اليوم أي قرار حكم في إسرائيل يعطي اللغة العربية ذات المكانة للغة العربية، والمكانة الرسمية للغة العربية تأتي من الموروث عن الانتداب البريطاني، لكن اللغة العربية لم تمنح أي صفة رسمية في أي قرار حكم، رغم أننا نعارض القانون ونرى أنه قانون تمييزي عنصري ضد الأقلية العربية في إسرائيل، إلا أنه لا يحمل جديدا على الأرض من حيث الممارسة التي نعايشها أصلا، لأن كل ما يحمله القانون كان موجودا أصلا، ولذلك يعارض هذا القانون اليسار الإسرائيلي الليبرالي الذي يخشى من تضرر صورة إسرائيل في الخارج".

الشريعة اليهودية كمصدر تشريع

وعن تجديد القانون للشريعة اليهودية كمصدر تشريعي بغياب قانون أو قرار حكم، قالت المحامية حداد، إنه "في السابق اعتمد كثر من القضاة على الشريعة اليهودية بغياب قانون أو قرار حكم سابق، واليوم يعطي القانون هذه المكانة، ولذلك نلاحظ أن أكثر من يعترض على هذا البند هو اليسار الليبرالي، لكن وجود هذا البند أو غيابه لم يؤثر على أرض الواقع، فالتمييز ضد المواطنين العرب كان يشرع في المحكمة، مع وبدون استخدام "الشريعة اليهودية" فهي أكثر قضية داخلية مثارة بين الدين والعلمانية في إسرائيل".

تجاهل المكانة الحقوقية للعرب الأصلانيين في وطنهم

وقال رئيس جمعية الميزان الحقوقية، المحامي فراس دلاشة، لـ"عرب 48" إنه "بداية أود الإشارة إلى أن اقتراح القانون الأخير المقدم من عضو الكنيست، آفي ديختر، وأعضاء آخرين ما هو إلا نسخة مكررة "مخففة" إن صحّ التعبير، لاقتراح سابق طرحه نفس عضو الكنيست، في الدورة البرلمانية الـ18، هذا بالإضافة إلى اقتراحات قوانين لاحقة شبيهة طرحها أعضاء كنيست، في دورتها البرلمانية الـ19 والحالية، على رأسهم زئيف ألكين، أرييه إلداد وأييليت شاكيد وغيرهم. وخطورة هذا القانون تنبع كونه ليس كأي قانون، فهو قانون أساس محصن والذي يرتقي بحسب الأعراف القانونية، إلى مكانة المواد الدستورية، وهو كذلك ليس كأي قانون أساس محصن، لأنه قانون أساس تحدد فيه هوية الدولة، اقتراح القانون يسعى لتغيير التوازن القائم بين الطابع اليهودي للدولة وبين ديمقراطيتها، حيث يسعى لتهميش طابعها الديمقراطي بشكل كبير، المهمش بشكل كبير أصلا، لصالح طابعها اليهودي، ويجعل الأول تابعا للثاني ويخدمه".

وأضاف الحقوقي دلاشة أن "اقتراح القانون يتعمد تجاهل العرب، الذين هم المواطنون الأصليون في هذه البلاد ويشكلون نسبة 20% من السكان، لذا فإن الانطباع العام، من قراءة اقتراح القانون، أنه يرسخ بشكل كبير وواضح العنصرية الدينية وفوقية الشعب اليهودي على سائر المواطنين في هذه البلاد، وأن الهدف من ورائه لا يتجاوز السعي لوضع حجر الشاهد على قبر شرعية الوجود الفلسطيني على هذه الأرض".

وأكد أن "اقتراح القانون الجديد ينضم إلى سلسلة قوانين العار العنصرية التي باتت تزخر بها السجلات الإسرائيلية، إذ أنه يحتوي على انتهاكات خطيرة للحقوق الأساسية للمواطنين العرب، اذكر منها: إضفاء صبغة دستورية لما تقوم به السلطات الإسرائيلية من عمليات تهويد ممنهجة وشاملة لكل المكونات الديمغرافية والحضارية والثقافية والوطنية في هذه البلاد، بما في ذلك الشعارات، الإشارات، اللغة، الأعياد، العطل، الطقوس الدينية، التاريخ وحتى تعريف القدس وحق العودة. كما يسعى اقتراح القانون لإضعاف مكانة الديمقراطية في الدولة، من خلال الترسيخ الصريح لدونيتها مقابل يهودية الدولة، يجعل أي تعارض بين المفهومين محسوما لصالح الثاني، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى تراجع كبير، إضافة إلى التراجع الكبير القائم، في أسس رئيسية في الديمقراطية كالمساواة في الحقوق لجميع المواطنين والالتزام في الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية للجميع. وإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية فاقتراح القانون يسعى لتحويل اللغة العربية من لغة رسمية، كما هو الحال القائم، اليوم، إلى لغة ذات مكانة خاصة، وبالتالي يسعى لإلغاء مكون رئيسي من مكونات هوية وتراث وحضارة الشعب الفلسطيني المتشبث بتراب وطنه".

وختم دلاشة بالقول إن "اقتراح القانون يلزم المحاكم إصدار أحكام قضائية بحسب أسس الشريعة اليهودية، في قضايا لا يوفر القانون الإسرائيلي أو السوابق القضائية لها الحل القانوني، وطبعا بغض النظر عن هوية الأطراف المتحاكمة وعقيدتهم. صحيح أن هناك مادة شبيهة في قانون أساسيات القضاء، الذي سن في سنة 1980، ولكن في القانون المقترح نص المادة أكثر وضوحا وأكثر إلزاما، بطبيعة كون القانون أساسي بخلاف القوانين العادية، وقوننة التمييز العنصري في المسكن، فاقتراح القانون يشرعن، في إحدى مواده، شرعنة صريحة للفصل العنصري في المسكن على أسس قومية ودينية، الأمر الذي، كما هو معلوم، يتناقض بشكل صارخ مع المواثيق الدولية التي تحارب التمييز على أساس عنصري".

اقرأ/ي أيضًا | "قانون القومية" لا يحظى بأغلبية بالائتلاف الحكومي