لا تنسى الشاعرة دارين طاطور من قرية الرينة اعتقالها في العاشر تشرين الأول/ أكتوبر 2015 من بيتها في الرّينة، بادعاء "التحريض على العنف" عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وذلك بعد كتابتها قصيدة غنائية "قاوم يا شعبي قاوم"، غير أنها لا تزال تناضل من أجل حقها وحريتها في التعبير عن رأيها في أروقة المحاكم.

بعد تأجيل جلسة المحكمة الأخيرة التي كان من المقرر أن تعقد في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في محكمة الصلح بالناصرة، لأسباب غير معروفة، حتى يعرض الدفاع فيها المزيد من الأدلة التي تدحض ادعاءات النيابة، خرجت طاطور لتتحدث عن معاناتها الطويلة بعد مرور أكثر من عامين على قضيتها واعتقالها ثم تحويلها إلى الحبس المنزلي وجلسات المحاكم التي تتابعها وعائلتها والمتضامنين معها.

عصفور...

وقالت الشاعرة طاطور لـ"عرب 48": "كأنك أخرجت عصفورا من سجنه، وألزمته الوقوف على غصن دون أن يحرك ساكنا"، بهذه الكلمات وصفت المعاناة القاسية، مؤكدة أنه "بعد عامين ونصف ولا زلت قيد الاعتقال المنزلي بتهمة تافهة وملفقة، أعاني الأمرين من تهميش مجتمعي، من جهة، وظلم الحكومة من جهة أخرى".

دارين طاطور

وعن تهمة التحريض على العنف، بسبب قصيدة كانت قد كتبتها، تحاكي فيها معاناة شعبها، لتستغلها لاحقا السلطات الإسرائيلية وتحولها كأداة إدانة ضدها، قالت طاطور: "أخذوا القصيدة وتم تأويلها كما يحلو لهم، فترجموها ترجمة خاطئة، ليس لأنهم لا يعرفون المعاني الصحيحة بل لأنهم يريدون أن يفهموها بهذا الشكل، فخلال مدة اعتقالي التي دامت حتى هذه اللحظة مررت بالكثير من المحاكمات، وحرص دفاعي على تقديم الأدلة الدامغة لتبرئتي من التهمة، كان آخرها جلسة المحكمة التي عقدت خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، أو لنقل المهزلة، حيث استعنا بشاهديّن، الأول كان بروفيسور الأدب العربي نسيم كلدرون، وقد عرض الكثير من الأدلة من الأدب العربي التي تسند الترجمة الصحيحة للقصيدة، أما الثاني فكان المترجم اليهودي يوني مندل الذي عرض مقتطفات من المصطلحات المرادفة باللغة العبرية، وهو ما يدحض ادعاءاتهم، لكن دون فائدة".

تحريض ريغف

وأضافت أن "الأدلة التي كان من المفترض عرضها في جلسة المحكمة الأخيرة تتضمن محاولة التحريض من قبل الوزيرة ميري ريغف التي عرضت خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، مقاطع من أمسية الدعم التي أقيمت في 30 آب/ أغسطس الماضي في مدينة يافا، من قبل مجموعة من المتضامنين، قاموا خلالها بعرض قراءات لجلسات المحاكمات، وقامت ريغف بالتحريض علي من خلال دعوتها لوجوب معاقبتي دارين وتأويل القصيدة بمعان خارجة عن سياقها".

وكانت الأمسية التي نظمتها مجموعة من المخرجين والفنانين برعاية مؤسسة القلم البريطانية، قد أقيمت في مسرح يافا، تم خلالها قراءة قصيدة طاطور التي حوكمت بسببها، ومن ثم عرض مسرحية تحاكي معاناة اعتقالها من خلال عرض بروتوكولات المحاكمات، وقراءات متعددة لمختصين في الأدب العربي، بغرض نقد إجراءات القضاء في إسرائيل، وقد تعرضت لهجوم لاذع من قبل بعض الوزراء الإسرائيليين، حيث بدأت الوزيرة ريغف بالتحريض على "مسرح يافا" الذي استضاف الأمسية، تلاها قرار شروع وزير المالية، موشي كحلون، بخفض ميزانية المسرح بادعاء استضافته لأمسيتين تضمنتا "تحريضا على العنف" .

وعن تلك الأمسية وما تبعها، قالت طاطور إن "الأمسية أقيمت برعاية مؤسسة القلم الدولية، التي أخذت على عاتقها نشر قضيتي في الخارج، وفعلا لمست الكثير من الدعم الخارجي من خلال اتصالات الناس من شتى أنحاء أوروبا لتقديم الدعم المعنوي لي، هذه الخطوة كانت المحفز الأول والأخير بأن أؤمن بعدالة قضيتي، فللأسف البيئة المحيطة ودعيني أقول المجتمع العربي غير مساند أبدا وفعلا أصابني الإحباط من معاملة الناس لي".

خسارة الأصدقاء

وأكدت طاطور أنه "مذ تم اعتقالي وحتى اللحظة خسرت الكثير من الأصدقاء والمحيطين بي، لمجرد اعتقالي، فجملة "ماذا استفدت من الشعر والكتابة؟" قد سمعتها كثيرا، ناهيك عن آخرين عاملوني كمجرمة، فنحن كمجتمع محافظ مارس كل أساليب الإحباط والتهميش بفتاة تم ظلمها، وللأسف ظلموني أكثر من الحكومة".

وأوضحت أنه "يؤسفني القول أنني لاقيت دعما ومساندة من اليهود اليساريين أكثر من العرب، ومؤخرا جاء وفد مؤلف من عشرات الشخصيات اليهودية الذين زاروني لتقديم الدعم لي، وكانوا أصلا قد أتوا لحضور جلسة المحكمة قبل قرار تأجيلها، وفي المقابل لم أسمع من أي عربي نيته حضور المحكمة أو حتى كل المحاكمات".

التعصب الحزبي

واستهجنت طاطور بقولها: "معاناتي كشفتني على الكثير من تفاصيل المأساة التي يعاني منها مجتمعنا في الداخل، حتى على المستوى السياسي، فحملات دعم الأسرى لبعض الأحزاب "حكي فاضي"، ولأنني أنتمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي لم تلتفت لي الأحزاب الأخرى وتعاملوا مع قضيتي بشكل حزبي مقرف".

وختمت الشاعرة دارين طاطور بالقول إنه "خلال هذه الفترة عملت على كتابة الكثير من القصائد، كما كتبت رواية تحاكي معاناتي الشخصية، وسأباشر بنشرها فور انتهاء قرار اعتقالي. الكتابة ثبتتني على ثوابتي الوطنية، وساعدتني بإخراج كافة مشاعري وبفضلها لم أشعر قط بالوحدة خلال هذه المدة الطويلة".

تجدر الإشارة إلى أنه من المقرر انعقاد المحاكمة القادمة لطاطور، في العشرين من الشهر الجاري، وتأمل الشاعرة أن تلقى معاناتها تضامنا ومساندة من قيادات وكوادر الحركات السياسية والأدباء العرب في البلاد.