السياحة الوافدة إلى الناصرة: انهيار غير مسبوق سببته الحرب على غزة
تعرّض قطاع الإرشاد السياحي في المجتمع العربي بالبلاد إلى أزمات متتالية بسبب جائحة "كورونا" والحرب على غزة، انعكست تأثيراتها السلبية والمؤلمة أحيانا، على المرشدين السياحيين.
أدت جائحة "كورونا" إلى انخفاض حاد في عدد السيّاح الوافدين إلى البلاد، إذ بلغ عددهم 831,500 سائح فقط في العام 2020 و396,500 سائح في العام 2021، مقارنة بـ4,551,900 سائح في العام 2019. هذا الانخفاض أثر بشكل كبير على دخل المرشدين السياحيين، مما دفع بعضهم إلى البحث عن أعمال بديلة أو إعادة التدريب في مجالات أخرى.
الناطق بلسان منتدى المرشدين السياحيين العرب، رائد نصر الله، يتحدث لـ"عرب 48" عن أزمة قطاع الإرشاد السياحي في المجتمع العربي بالبلاد وانهيار السياحة الوافدة إلى الناصرة
— موقع عرب 48 (@arab48website) April 13, 2025
للتفاصيل: https://t.co/ztTHKVyVnX pic.twitter.com/Sha6W17oXD
في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اندلعت الحرب على غزة، مما أدى إلى تراجع حاد في فرع السياحة. وزار البلاد في ذلك الشهر حوالي 99,000 سائح فقط، مقارنة بـ369,000 في الشهر ذاته من العام 2022. واستمر هذا التراجع في العام 2024، إذ انخفض عدد السياح الوافدين بنسبة 70% مقارنة بالعام 2023، ووصل إلى 885,000 سائح حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. هذا التراجع تسبب بإغلاق حوالي 60,000 منشأة سياحية، مما زاد من صعوبة الوضع الاقتصادي للمرشدين السياحيين.
ولغاية شهر تموز/ يوليو 2024، كان هناك حوالي 6,000 مرشد سياحي مسجل في إسرائيل، بانخفاض عن العدد الذي كان قبل الجائحة. مع قلة السياح والقيود المستمرة بسبب الأوضاع السائدة، ويواجه المرشدون السياحيون تحديات كبيرة في تأمين دخل مستقر.
يقول المرشد السياحي بليغ الجازي (الشيخ سليمان) البالغ من العمر (57 عاما) من يافة الناصرة، في حديث لـ"عرب 48" إنه "بتاريخ 2020/3/10 توقفت عن العمل بسبب جائحة كورونا التي اجتاحت البلاد والعالم، وعدت إلى العمل كمرشد سياحي يوم 2022/3/17، أي بعد سنتين وأسبوع واحد من التوقف عن العمل. عملت لمدة سنة ونصف بشكل جيد خاصة مع المجموعات السياحية الوافدة من الولايات المتحدة، إلى أن جاءت الحرب على غزة في 2023/10/7 حيث تم إلغاء جميع الحجوزات، وكانت كثيرة جدا، ومنذ ذلك الحين لم أعمل في مجال الإرشاد السياحي".
وأضاف الجازي أن "دخلي تراجع بما لا يقل عن 75%، كنت أعيل عائلتي المؤلفة من زوجة وأربعة أبناء، أكبرهم طالب جامعي يدرس في الخارج، من مخصصات مؤسسة التأمين الوطني التي كانت تعادل نحو ربع دخلي من السياحة. ومنذ شهر أيار/ مايو 2024 توقفت المؤسسة عن دفع المخصصات، ولم يعد لدي دخل سوى راتب الزوجة التي تعمل ممرضة بوظيفة جزئية، الأمر الذي اضطرني إلى الالتحاق بدورة للعمل في مجال السِّبَاكة أو السَّمْكَرَة، وهي حرفة تركيب نظام أنابيب المياه في المباني لتوزيع مياه الشرب والتدفئة والصرف الصحي".
وأوضح الجازي الذي يتحدث سبع لغات أنه "أعمل منذ ثلاثة أشهر في السباكة بمنطقة طبرية"، واصفا العمل بأنه "مضن وشاق جدا خاصة أنني لم أمارس الأعمال التي تحتاج إلى جهد بدني منذ أكثر من 20 عاما، بأجر متواضع مقارنة بالعمل في مجال الإرشاد السياحي".
وأكد أنه "نعيش على أمل انتهاء الحرب، فطالما أن الحرب مستمرة فإن الطيران إلى البلاد شبه متوقف".
ووصف مجال السياحة في البلاد بأنه "على كف عفريت" وهو أكثر المجالات تأثرا بالأزمات، سواء كانت حروب، أو حملات عسكرية، أو أوبئة، أو أي أمر قد ينتج عنه حالة عدم استقرار، فضلا عن كونه آخر مجال يعود للعمل بعد انتهاء الأزمات، وهو الأمر الذي أكدت عليه المرشدة السياحية نهى بولس من مدينة الناصرة، والتي قالت في حديثها لـ"عرب 48" إن "فرع السياحة يشهد تراجعا حادا" و"في الظروف الراهنة أرافق ما لا يتعدى مجموعة واحدة كل ثلاثة أشهر وربما أقل من ذلك".
وأضافت بولس أن "مدخولي من مجال السياحة تضرر بما لا يقل عن 90% مقارنة مع الأيام التي كنت أعمل فيها بشكل مكثف". وكررت بولس ما قاله الجازي "نحن أول من يتضرر في الأزمات وآخر من يعود للانتعاش بعد زوالها".
وردا على سؤال حول ما إذا حاولت الانخراط أو التحول للعمل في ميادين أخرى، قالت بولس إنه "قدمت وزارة السياحة عرضا للمرشدين السياحين للانخراط في مجال التعليم في المدارس مع ضمان مكان عمل، لكن اتضح لي لاحقا من خلال لقاء مع إحدى زميلاتي التي استجابت للعرض بأن مسار التحويل لمجال التعليم كان مكلفا وعلى حساب المرشدين ولم يضمن لها أي مكان عمل".
وتطرقت إلى التعويضات التي حصلت عليها مقابل حالة الركود والتوقف عن العمل في السياحة، وقالت بولس إنه "منذ بداية الحرب وتضرر مجال السياحة، حصلت على تعويض مرة واحدة فقط وليس على دفعات شهرية كما كان في فترة جائحة كورونا، ولغاية اليوم لا يوجد أي أفق لعودة السياحة في المدى القريب، ويبقى هناك بعض الاعمال الموسمية التي قمت بها، حيث قمت بالإشراف على امتحانات المرشدين السياحيين من قبل وزارة السياحة، ولكنه كما ذكرت عمل موسمي وليس ثابتا".
وقال الناطق بلسان منتدى المرشدين السياحيين العرب، رائد نصر الله، لـ"عرب 48" إنه "قبل سنوات، تحوّل العديد من أصحاب المهن المرموقة كمعلمي المدارس، والمحامين، وأطباء الأسنان وغيرهم إلى العمل في مجال الإرشاد السياحي، نظرا للطلب الكبير على هذه المهنة، وكانوا يرون فيها مهنة المستقبل في مدينة تعتمد على السياحة. وأنا شخصيا خضت في هذا المجال عام 2015 عن الطريق الصدفة حين قمت بزيارة عابرة لصديق لي في جمعية الناصرة للثقافة والسياحة، وهناك التقيت بعدد من الأصدقاء والمعارف الذين تسجّلوا لدورة في الإرشاد السياحي، وانضممت إلى المجموعة، وأنهيت الدورة في العام 2017 وحصلت على الرخصة وبدأت العمل في المجال إلى أن داهمنا وباء كورونا عام 2019 وتوقفت عن العمل، مثل سائر المرشدين، لمدة سنتين تقريبا، ثم عاد النشاط السياحي إلى البلاد لمدة سنة ونصف، إلى أن اندلعت الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وأحرقت الأخضر واليابس".
وأضاف نصر الله إنه "من غير المستغرب أن تجد مرشدي السياحة العرب وعددهم حوالي 800 مرشد، لا يشمل القدس والضفة الغربية، يبحثون مصادر رزق أخرى. فأنا شخصيا التحقت بدورة لمرافقة مجموعات سياحية إلى الخارج بدلا من انتظار السياحة الوافدة، وتخصّصت في الرحلات إلى بلغاريا وروسيا والبرتغال وقريبا إلى إيرلندا، ولكن حتى هذا النوع من السياحة لم يشهد انتعاشا لغاية اليوم، ومنذ اندلاع الحرب نجحت في تنظيم مجموعتين فقط إلى جولات سياحية في الخارج".
وأشار إلى أن "فترة الأعياد المسيحية وعيد الفصح تحديدا، عادة ما تكون أقوى المواسم السياحية من حيث السياحة الوافدة إلى البلاد، وفي مثل هذه الأيام من الأعوام الماضية كانت تزدحم شوارع الناصرة وطبرية والقدس بالسائحين، وكانت المجموعات السياحية تنتظر في طابور لساعات حتى تتمكن من زيارة الأماكن المقدسة، بينما تشير معطيات وزارة السياحة إلى أنه في الشهر الأخير وصل إلى البلاد 80 ألف سائح فقط، أي معادل 10% مما كانت تشهده الحركة السياحية في السنوات الماضية في هذا الموسم تحديدا".
وعن منتدى المرشدين السياحيين العرب، قال نصر الله إن "أحد أهداف المنتدى هو فرض الرواية الفلسطينية مقابل الرواية الإسرائيلية التي تسيطر على تعليم موضوع الإرشاد السياحي مقابل تغييب الرواية الفلسطينية، إلى جانب ضمان أخلاقيات المهنة والدفاع عن حقوق المرشدين السياحيين العرب، والحفاظ على حقوقهم النقابية، وتنظيم مؤتمرات مهنية تهدف إلى تعزيز الرواية الفلسطينية وتنشيط السياحة في القرى والبلدات العربية".
اقرأ/ي أيضًا | بعد ركود لأكثر من عام: كيف تبدو السياحة والتجارة بالناصرة مع قدوم الأعياد؟
اقرأ/ي أيضًا | الحركة التجارية والسياحية في الناصرة.. "عودةٌ أبعد من الحلم"