رحلة الموت في "تلفريك" إيطاليا: العائلة تنتظر جثمان ابنتها وشفاء شقيقها
لا تزال أجواء الحزن والأسى تخيم على قرية المشهد في منطقة الجليل، شمالي البلاد، إثر مصرع الصيدلانية جنان عبد العزيز سليمان (25 عاما) في حادثة سقوط "تلفريك" خلال رحلة لها إلى إيطاليا، والتي أسفرت أيضا عن إصابة شقيقها، ثابت، الذي كان برفقتها.
وأثارت الحادثة المأساوية تعاطفا في المجتمع العربي مع عائلة ضحية الحادث، كما أثارت نقاشا حول معايير السلامة في مرافق النقل الهوائي السياحية في العالم.
عائلة مكلومة
قال المحامي لؤي عرفات، خال المرحومة الصيدلانية جنان سليمان التي لقيت مصرعها في حادثة سقوط "تلفريك" في إيطاليا، نهاية الأسبوع الماضي، والمتواجد حاليا إلى جانب سرير ابن شقيقته، ثابت سليمان (شقيق جنان)، والذي أصيب في الحادثة أيضا، إنه طرأ تحسن ملحوظ على الحالة الصحية لابن شقيقته، وإنه مصاب في الجزء السفلي من الجسم، ولكن عليه أن يخضع للعلاج لبضعة أيام أخرى، ومن غير الممكن بهذه الحالة نقله إلى البلاد لاستكمال العلاج.
وأضاف المحامي عرفات في حديثه لـ"عرب 48" إنه قام وابن شقيقته الطبيب محمد سليمان، وهو شقيق المرحومة جنان بالتعرف على جثتها، مشيرا إلى أنه "لا نعرف حتى اللحظة موعد نقل الجثمان إلى البلاد، بسبب البيروقراطية والمعاملات التي أنهكتنا منذ أن وصلنا إلى إيطاليا يوم السبت الماضي، وخاصة أنه وصولنا إلى إيطاليا تزامن مع عطلة الأعياد".
ويتواجد المحامي عرفات اليوم في مدينة نابولي حيث يخضع ثابت للعلاج، وأكد أنه "لن أعود إلى البلاد إلا مع جثمان ابنة شقيقتي، وحتى الآن لم يتم تحديد موعد للعودة إلى البلاد".
معايير السلامة
وقال يزيد سليمان، مدير التشغيل والصيانة في خدمات النقل العام "تلفريك" - حيفا، التابع لشركة العفيفي، إنه "لا بد أن تكون حادثة التلفريك التي وقعت في إيطاليا، والتي راحت ضحيتها الفتاة جنان سليمان من قرية المشهد قبل أيام، ناجمة عن خطأ بشري بدون أدنى شك".
وحذر سليمان "السائحين من ركوب التلفريك في إيطاليا وأي مكان في العالم عندما تكون الأجواء عاصفة وحالة الطقس رديئة".
وفي حديث لـ"عرب 48"، قال سليمان إنه "إذا ما أجريت عملية صيانة التلفريك، فإن حوادث بهذا الشكل لا ينبغي أن تحدث، لأن التلفريك وسيلة نقل آمنة جدا، لكن هناك عوامل معينة تؤثر على أمن السفر بواسطة هذه المقصورات المعلقة".
وأضاف أنه "لكي نضمن ألا تقع حوادث من هذا النوع، أولا يجب القيام بأعمال الصيانة حسب تعليمات المنتج أو المصنّع لهذه المقصورات، ثانيا من الضروري جدا القيام بالفحوصات الدورية التي لا تقل أهمية عن الصيانة، ومن بين هذه الفحوصات ما ينبغي أن يتم إجراؤها بشكل يومي وأخرى بشكل أسبوعي ومنها ما هي فحوصات شهرية ونصف سنوية وغيرها".
وردا على سؤال "عرب 48" حول ماهيّة هذه الفحوصات الدورية، قال إنه "على سبيل المثال، يجب فحص العجلات والأحزمة في جميع محطات التلفريك بشكل يومي وقبل بدء عملية نقل الركاب، فهذه العجلات والأحزمة هي المسؤولة عن حركة المقصورات، بالإضافة إلى فحص جميع الأعمدة التي تعلق عليها كوابل التلفريك، وهذا إجراء ضروري القيام به كل صباح، ولذلك فإننا كمشغلين للتلفريك واجب علينا أن نصل الى الموقع (وردية الصباح) قبل ساعة ونصف من بدء نقل الركاب، لكي يتسنى لنا اجراء الفحوصات اليومية قبل التشغيل، وإذا وجد هناك أي خلل أو عطل نقوم بتقويمه قبل بدء عملية نقل الركاب".
وتابع سليمان أنه "يحظر الاقتصاد بقطع الغيار أو باستخدام بدائل للقطع الأصلية التي توصي بها الشركة المنتجة، وهذا أمر في غاية الأهمية ويشمل أنواع الزيوت والمواد التي تستخدم لتشحيم وتليين حركة الآلة، ويشمل أيضا المسامير اللولبية (البراغي)، وإذا كانت التعليمات تنص على أن البرغي يستخدم لمرة واحدة ثم يستبدل بآخر فيجب الالتزام بالتوصية حتى وإن كان البرغي يبدو بحالة جيدة جدا".
وعن الفحوصات الدورية السنوية، قال سليمان إن "الفحص السنوي يتم إجراؤه من قبل شركة خارجية، غالبا من ألمانيا وهي متخصصة بهذا النوع من الفحوصات الدورية، وهي تقوم بفحص كل أجزاء التلفريك، من النواحي الكهربائية والهيدروليكية والكوابل وكل المتعلقات الأخرى، فالالتزام بكل هذه التعليمات وعدم التغاضي عن أي مشكلة مهما كانت صغيرة يجعل من التلفريك وسيلة نقل آمنة جدا، وواضح أن ما حدث في إيطاليا ناجم عن عدم الالتزام بالصيانة".
ولفت إلى "حادثة مشابهة وقعت قبل بضع سنوات في شمالي إيطاليا راح ضحيتها 20 راكبا في المقصورة"، وقال إن "التحقيقات في حينه أثبتت أنه كان هناك إهمالا في الصيانة، لا بل إن النظام المشغل، وهو نظام متطور عادة، أظهر لمسؤول التشغيل الضوء الأحمر الذي ينذر بوجود خلل في جهاز الفرملة، وبدلا من أن يقوم المسؤول عن تصليح العطب قام بإلغاء نظام الفرملة، وهو ما أدى إلى الكارثة".
وعن الحادث الذي أودى بحياة الشابة جنان سليمان وثلاثة ركاب آخرين، قال سليمان إن "حالة الطقس كانت سيئة جدا، ونحن في مثل هذه الحالات نقوم بإبطاء سرعة المقصورات، وكذلك في الحالات التي تكون فيها سرعة الرياح عالية، ولا نتردد في وقف عمل المقصورات بشكل كامل إذا ما استشعرنا وجود خطر حقيقي أو إذا كانت هناك صواعق وبرق، وعادة مدير التشغيل هو المسؤول عن اتخاذ هذا القرار".
وتابع أنه "هذا العام لم نقم بإيقاف التلفريك نظرا لضعف موسم الشتاء وشحة الأمطار، لكن في سنوات ماضية اضطررنا أحيانا إلى وقف عمل منظومة التلفريك لساعات وربما ليوم أو يومين، وأنا لا أعلم لماذا لم يقم مسؤول التشغيل في جنوبي إيطاليا بوقف عمل التلفريك في ظل أحوال الطقس العاصفة ومجال الرؤية المحدود".
وأشار سليمان إلى "الاختلاف والتباين في نظام التلفريك الذي يعمل في إيطاليا، مقابل تلفريك حيفا الذي يعمل بنظام الكابل الواحد الذي يحمل المقصورة وفي نفس الوقت يقوم بدفعها، بينما نظام التلفريك في إيطاليا يتألف من كابلين منفصلين أحدهما يحمل المقصورة وآخر مسؤول عن دفعها، ومن الواضح أنه لم تكن هناك صيانة جيدة لهذه الكوابل، لذلك انقطع أحدهما، وهو ما دفعني للتأكيد على أن الحادث نجم عن خطأ بشري وكان يمكن منعه".