لم يعد خافيا على أحد مدى أهمية القضايا البيئية وعلاقتها ليس بصحة المواطنين فحسب وإنما أيضا بجودة حياتهم، فالإدارة البيئية السليمة تؤدي بالضرورة إلى تحسين جودة الحياة للمواطنين من ناحية وإلى تخفيض نسبة التلوث من ناحية أخرى. والقضايا البيئية وما يحيط بها من مشكلات ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسات العامة في البلاد والسياسات الخاصة في السلطات المحلية التي تنتهج في مجال البيئة.

ولا شك بأن الأمر أصبح يتطلب عناية خاصة من السلطات المحلية لما تحمله من مسؤولية وضع برامج عمل بيئية المصادقة أو رفض اتفاقيات تتعلق بالبيئة والتي قد ينجم عنها آفات بيئية، كما تقع على المواطنين مسؤولية تقديم الاستجوابات والتساؤلات وطلبات الإحاطة للمسؤولين، لأن القضايا البيئية في خطورتها وتأثيرها على حياة المواطنين لم تعد تقل أهمية عن كل القضايا الأخرى.

البيئة والانتخابات

وحول اهتمام مرشحي الرئاسة لانتخابات السلطات المحلية العربية في قضية البيئة وإدراجها في سلم أولويات برامج العمل، حاور "عرب 48" مديرة القسم القانوني في جمعية "مواطنون من أجل البيئة" المحامية جميلة هردل واكيم، ومديرة قسم العدالة البيئية في "جمعية الجليل"، المحامية أميرة عراف.

"عرب 48": كيف تقيّمين اهتمام مرشحي الرئاسة في وضع قضية البيئة ضمن برنامج العمل الخاص بهم؟

جميلة هردل واكيم

واكيم: في هذه الانتخابات نرى أن جزءا كبيرا من المرشحين يذكر الموضوع البيئي ضمن برنامج عملهم، وهذا بحد ذاته تقدم إيجابي مقارنة بالسنوات السابقة، ولكن معظم المرشحين يدرجون هذا البند على مستوى الشعارات فقط وعدد قليل جدا من المرشحين يهتم فعلا بالموضوع. وحتى بين المرشحين الذين يهتمون بالموضوع نجد أن الاهتمام يقتصر على معالجة المشاكل والآفات، خاصة مشاكل مكبات النفايات، ولكن لا يوجد أي عمل في مرحلة متقدمة أكثر مثل مرحلة فصل النفايات، تقليل النفايات، تغيير عادات وسلوكيات، توفير في الطاقة وغيرها.

"عرب 48": هل تعتبر قضية البيئة مطلب جماهيري أساسي من قبل الناخب، أم أنه موضوع ثانوي؟

واكيم: الموضوع يهم الجمهور أكثر مما يبدو، ومعظم السكان العرب لديهم توقعات من السلطة المحلية سواء على مستوى حل مشاكل أو في إدخال تغييرات متقدمة أكثر، ولكن في أغلب الأحيان هم لا يطالبون المرشحين بذلك. العلاقة بين الناخب والمنتخَب هي علاقة متبادلة، وعندما يشعر المرشح بأن الموضوع يهم الناس سوف يعمل من أجله، ولذلك على السكان المطالبة بذلك، لأن الموضوع ليس ثانويا وإنما يؤثر بشكل مباشر على صحتهم، جودة حياتهم، البنى التحيتة، مخططات البناء وغيرها، وهو جزء غير منفصل عن هذه القضايا. غالبية القضايا المرتبطة بحياتنا اليومية تدار في السلطات المحلية، ومعظم المسؤولية والصلاحيات متواجدة بأيدي الأشخاص الذين ننتخبهم، فهم الذين يحددون كيف ستبدو بلداتنا وكيف ستكون جودة حياتنا.

"عرب 48": هل يوجد مبادرات من قبل جمعية "مواطنون من أجل البيئة" للسلطات المحلية أو للمرشحين حول أهمية الاهتمام بقضية البيئة؟

واكيم: في الانتخابات الحالية بادرنا إلى حملة تحت شعار: "ننتخب ما يهمّنا" بهدف رفع الوعي لدى جمهور الناخبين والمرشحين للسلطات المحلية للموضوع البيئي ومعالجة المشاكل البيئية المحلية من قبل البلديات والمجالس المحلية. الحملة تشمل نداء للمرشحين للرئاسة للتوقيع على"معاهدة"، بالاشتراك مع لجان العمل البيئية في عدة بلدات تعاني من مشاكل حارقة في الجليل والمثلث الجنوبي، من خلالها يلتزم المرشح بمعالجة 4 قضايا بيئية محلية تزعج السكان في بلده بعد انتخابه، نشر المعاهدات الموقعة، ومتابعة التنفيذ بعد الانتخابات مقابل الرئيس المنتخب. ولغاية اليوم التزم 15 مرشحا من بلدات: الطيرة، جلجولية، قلنسوة، كابول وجديدة. إذا كان عندنا توقعات من رئيس سلطتنا المحلية أن يعالج قضايا معينة تحسن من جودة حياتنا وتخلق أجواء عامة ومساحات مريحة وسليمة لا يكفي أن نتوقع فقط، يجب علينا مطالبته بهذا، وأن نكون أيضا شركاء بالتنفيذ.

"عرب 48": كيف تفسرين اهتمام الناخب بالقضايا البيئية من خلال الحملات الانتخابية للسلطات المحلية؟

أميرة عراف

عراف: عند الحديث عن القضايا البيئية يجب التأكيد على أن مفهوم البيئة يتجاوز المعنى الكلاسيكي الذي يقتصر على الطبيعة، بل هو مفهوم شمولي يشمل البيئة الطبيعية والبيئة المشيدة. بعيدا عن المسميات نرى مطالبة من الناخبين لتوفير المسكن، حدائق عامة، بنية تحتية متطورة، بيئة نظيفة وصحية خالية من المكاره البيئية كالكسارات ومكبات النفايات العشوائية وغيرها. ولذلك، يمكننا القول إن الناخب يهتمّ فعلا بالأمور البيئية التي تلامس حياته اليومية على الرغم أنه في الكثير من الأحيان لا يعي أن هذه القضايا تندرج تحت موضوع البيئة الذي لا يزال مرتبطًا بالطبيعة والنظافة لا غير.

"عرب 48": ما هي أسباب إغفال القضايا البيئية ضمن برامج العمل؟

عراف: يتقاطع موضوع البيئة مع غالبية عمل الأقسام في السلطات المحلية المختلفة: المعارف، الصحة، الهندسة، لذلك يتمّ التعامل مع هذا الموضوع ضمن البرامج للأقسام المختلفة، إلا أنه حتى الآن لا نمتلك قسما خاصا بالبيئة في السلطات المحلية يمتلك رؤيا بيئية شمولية تعمل بتجانس مع باقي الأقسام. من هنا نجد طرحا للقضايا البيئية بدرجات متفاوتة، ولكن ليس تحت مسمى البيئة.

نفايات بالقرب من مدرسة عربية

"عرب 48": هل توجد مبادرات من قبل جمعية الجليل لدعم السلطات المحلية لإدراج البيئة ضمن أجندة العمل اليومية؟

عراف: نحن نعمل بشراكة وطيدة مع السلطات المحلية العربية، نستهدف من خلالها أعضاء السلطات المحلية وموظفيها، في مواضيع البيئة والاستدامة. ضمن مبادراتنا، نعمل مع السلطات المحلية العربية لتشكيل لجان بيئية، ذلك أن القانون يمنح السلطات المحلية هذه الآلية. حصل تعديل لقانون البلديات بما يخص لجان البيئة بحيث أصبحت لجان البيئة لجانًا إجبارية في السلطات المحلية كما طرأ تعديل على مبنى لجنة البيئة حيث أصبحت تتشكل من 4 من أعضاء السلطة المحلية، ممثلين اثنين من الجمهور، وموظف السلطة المحلية الذي يعنى بالأمور البيئية، ومراقبين ثابتين عن وزارة البيئة والجمعيات البيئية. هذه التركيبة تعطي أدوات أكثر للعمل، حيث تمتلك هذه اللجنة صلاحية لوضع رؤيا شمولية وبرامج عمل وعرضها على المجلس البلدي ومن ثمّ متابعة تنفيذ هذه البرامج. للأسف، لا توجد مثل هذه اللجان في السلطات المحلية العربية أو على الأقل موجودة فقط بشكل صوري. ومن الجدير ذكره أن 12% فقط من السلطات المحلية العربية قامت بتشكيل لجنة بيئية قبل 10 أعوام، ولكنها لم تنشط أبدا. من هنا أخذت جمعية الجليل زمام المبادرة في هذا الموضوع حيث تعاونا مع بير المكسور، الكعبية، الزرازير، وبسمة طبعون، لتشكيل لجان بيئة وتفعيلها في هذه المجالس المحلية، وبالفعل برز نشاط لجنة البيئة في بير المكسور بشكل واضح في السنوات الأخيرة، ونحن نسعى إلى نقل هذا النموذج الناجح إلى كل السلطات المحلية العربية.

اقرأ/ي أيضًا | ملف خاص | الانتخابات المحلية 2018

انبعاث الدخان إثر حرق نفايات قرب منازل مأهولة