كأنها كتبت بيد إسرائيلية!../ نواف الزرو
نستحضر دائما في ذكرى النكبة الفلسطينية عوامل ومسببات النكبة وقيام تلك الدولة الصهيونية على أنقاض الوطن والشعب العربي الفلسطيني، ونتذكر قبل كل شيء وعد / تصريح بلفور الذي منح فلسطين "وطنا قوميا لليهود –بغير حق"، وحول النبوءة الهرتسلية من وهم إلى حقيقة، وكلما حلت مجزرة أو نكبة جديدة بالفلسطينيين نتذكر ذلك الوعد ونجرم بريطانيا الاستعمارية، وكلما اقترفت دولة الاحتلال المزيد من النكبات نلعن دائما سايكس بيكو ووعد بلفور الذي لا ينتهي...!
فالوعد يلاحقنا بتداعياته الواسعة الكارثية على مدار الساعة، والوعد تحول الى تطبيقات وإنجازات صهيونية إعجازية-كما يقولون-، بل انضم اليه المزيد من الوعود بغير حق أيضا...!.
فما بين الأمس وذلك الوعد، واليوم نقرأ التالي: "أرض فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، فما الفرق اذن....؟.
قد يخطر ببال البعض فورا أننا أمام بلفور، أو بوش، أو نتنياهو أو باراك أو أي متشدد صهيوني من جهتهم هناك في "اسرائيل"، ولا يخطر بالبال ان يكون القائل هنا هو الرئيس الامريكي أوباما بقلمه ولسانه...!.
فالرئيس اوباما يطل علينا اليوم في ذكرى النكبة ليقدم ما يشبه وعدا بلفوريا جديدا لـ"اسرائيل" يمنحها فيه اعترافا متجددا بأن "فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي".. أليس هذا الوعد هو ذاته وعد بلفور الذي منح "فلسطين- أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض- كوطن قومي لليهود" قبل نحو ثلاثة وتسعين عاما...!.
ويضيف اوباما: "بعد دقائق من إعلان دافيد بن غوريون عن "استقلال إسرائيل"، وتحقيق الحلم بدولة للشعب اليهودي في وطنهم التاريخي، كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل"...!
فيا للعجب...كان هذه الاقوال كتبت بيد إسرائيلية....!
أو كأن الرئيس اوباما يحتاج صباح كل يوم الى ان يعلن ولاءه وإخلاصه لـ"إسرائيل"...!
وبهذه الأقوال /الاعترافات التي وثقها الرئيس اوباما في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى الحكومة الإسرائيلية بمناسبة ما يسمى "الذكرى الـ62 لقيام دولة إسرائيل"، يغدو عاريا تماما ومجردا من آخر الاقنعة الاعتدالية المضللة التي نجح في تسويقها على العرب حتى الآن...!.
بل إن أوباما الذي كان قد أعلن في وقت سابق عن إعجابه بـ"إسرائيل المعجزة"، عاد في رسالته ليبدي تقديره لما أسماه "الإنجازات غير العادية التي حققها الشعب الإسرائيلي"، وأية إنجازات يا ترى...؟
سياسات التطهير العرقي والمجازر والمحارق والسطو المسلح على وطن وممتلكات وتاريخ وتراث الشعب العربي في فلسطين...!
فهل هذه هي الانجازات المعجزة....!
وبعد أن علق العرب الآمال الواسعة على سياسة جديدة للرئيس أوباما، منتظرين أية حركة أو مبادرة حقيقية تقدم شيئا/ إنجازا مهما كان يتعربشون بها لمواساة أنفسهم، يصر الرئيس الامريكي بل والإدارة كلها على تخييب آمال العرب تباعا...!
فقد كان عاجزا تماما في أصغر الأمور والمسائل مع "إسرائيل- نتنياهو-، ولم يقدم للفلسطينيين والعرب حتى تجميدا للاستيطان في القدس والضفة، فكيف الحال فيما يتعلق بالقضايا والحقوق الجوهرية الكبرى...؟!
وبعد أن كان تحدث في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة في بداية عهده عن النكبة ومعاناة الشعب الفلسطيني، فالواضح اليوم في الذكرى الثانية والستين للنكبة، أنه ليس فقط لم يتجرأ على ذكر النكبة والمعاناة الفلسطينية مرة أخرى، بل ذهب نحو الرواية الصهيونية المزيفة إلى أبعد الحدود المجحفة بمنحه شهادة تاريخية لـ"اسرائيل" بأن "فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"...!
فيا للانحياز السافر....!
فهل قرأ الرئيس أوباما حقا تاريخ المنطقة وتيقن "أن هذه البلاد هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"...؟، أم أنه ذهب هكذا لينحاز اوتوماتيكيا كأسلافه لصالح تلك الرواية الصهيونية...؟!.
يلحق الرئيس الامريكي في رسالته هذه إجحافا جديدا إلى سلسلة لا حصر لها من الإجحافات الأمريكية ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب الأصدقاء قبل الأعداء...!.
وأكثر من ذلك أيضا، فقد تحدث أوباما عن استراتيجية ومتانة العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" وعلى التزام بلاده بأمنها، مؤكدا: "أن إسرائيل ستظل حليفا استراتيجيا مركزيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، و"أنه على ثقة بأن العلاقات الخاصة مع إسرائيل سوف تستمر وتتعزز في الشهور والسنوات القادمة".
كنا نتحدث عن الرئيس السابق بوش عن أنه يتبنى الأجندة الإسرائيلية السياسية والتوراتية بالكامل، بل إنه ألقى في آخر أيامه وفي الذكرى الستين أيضا للنكبة الفلسطينية وقيام "إسرائيل"، وفي قلب القدس خطابا توراتيا منح فيه "إسرائيل" اعترافا بحقائق الامر الواقع الاستيطاني وبالقدس عاصمة لها إلى الأبد وغير ذلك.
قلنا آنذاك أن وعد بوش كان صهيونيا بامتياز، بل قال أعضاء كنيست من اليهود: بوش يبدو صهيونيا أكثر من أولمرت، وهو يحقق أحلام الصهيونية، وأضاف نواب عرب: أن خطاب بوش إعلان حرب وأخطر من رسالة الضمانات لشارون..!.
وأجمع المحللون على أن بوش منح إسرائيل شيكا على بياض لتهديد الأمن العربي والإقليمي.
الواضح اليوم بعد أكثر من عام على ولايته، أن أوباما –وكما وثقنا في مقالات سابقة- فشل فشلا ذريعا في صياغة أجندة سياسية أمريكية جديدة للشرق الاوسط، تبتعد قليلا عن المضامين الاسرائيلية التي كان صاغها وكرسها الرئيس السابق بوش، بل أخذ أوباما ينكفئ ويتراجع حتى عن أبسط الشروط التي طالب إسرائيل بتلبيتها تمهيدا لإنجاح مهمته السياسية عبر تجميد الاستيطان على سبيل المثال، تصوروا..!.
لقد هدأ وانكفأ الزخم السياسي التسووي الذي بدأ به أوباما ولايته الرئاسية، وغدونا امام رئيس يسعى وراء إرضاء الأجندة الإسرائيلية بشكل او بآخر..!.
ما يعيدنا مجددا الى تلك الأجندة الأمريكية ذات المضامين الإسرائيلية...!.
فما الذي يميز الرئيس اوباما اليوم اذن في اعقاب اعترافه البلفوري بـ"فلسطين وطنا قوميا تاريخيا لليهود"
عن بلفور الأول، أو عن بلفور الثاني-بوش-...؟!
وما الذي قدمه أوباما حتى الآن بعد أكثر من عام على ولايته للفلسطينيين والعرب سوى الخطابات والكلام والوعود التي كما اتضح أنها عمليا بلا رصيد حقيقي على الأرض...؟!.
نعتقد أن رسالة أوباما البلفورية لـ"إسرائيل" يفترض أن تكون في الحسابات الفلسطينية والعربية آخر وأخطر البراهين الدامغة على أننا كأننا ما زلنا في عهد المحافظين الجدد..وفي عهد بوش التوراتي.. ما يعيد الأمور هنا إلى مربعها الحقيقي وهو المربع الفلسطيني و العربي.