العدالة الاجتماعية مفهوم مهم جدا ينبغي العناية بإكسابه لأفراد المجتمع بدء من الأسرة، الأب والأم والعلاقة الناجحة بينهم.. إعطاء كل فرد من أفراد الأسرة حقه في الحب والرعاية والاهتمام كل ذلك يرسخ قاعدة صلبه لاكتساب مفهوم العدالة الاجتماعية، لهذا السبب وغيره جذبت فكرة العدالة ولفترة طويلة انتباه واهتمام المفكرين في الفلسفة القديمة. وفلسفة العصور الوسطى والحديثة، وفى العصر الإسلامي أيضا:-

فبحسب قاموس (ليبيتي روبير) فإن العدالة هي التقدير الصحيح والاعتراف الكامل بحقوق وجدارة كل فرد واحترامها.

أما قاموس (لاروس) فيعتبرها الفضيلة والخصلة الأخلاقية اللتان تحفزان على القسطاس واحترام حقوق الغير.

ولقد قال (سقراط) أن العدالة: إعطاء كل شخص حقه.

فيما قال (أرسطو) أنها: ممارسة الفضيلة والسلوك المستقيم في علاقتنا مع الآخرين.
فيما قال (هنري برجسون) المساواة والنسبـة والتعويض "العَدالَة في كل الأزمنة تثير في الذهن أفكار المساواة والنسبة والتعويض".

وفي (اللغة) فإن العدالة تعني التوسط في الأمر من غير زيادة ولا نقصان، والعدل ضد الجور، وتعديل الشيء تقويمه.

وأما (الخالق الرحيم) قد قال في محكم كتابه "ولقد كرمنا بني آدم" و"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، فإن مهمة العدالة هي تحقيق احترام هذا التكريم للإنسان.

من التعريفات السابقة نلاحظ أن فلاسفة الأخلاق ربطوا مفهوم العدالة بمجالهم الخاص، بينما ارتبطت عند المسلمين بالتشريع، وفى نفس الوقت فإن العلم القانوني يدرك تماماً أن العدل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقانون؛ ولهذا فليس مدهشاً أن يسعى رجال القانون بدورهم لتعريف طبيعة العدل، وتميزه في نطاق القانون، فرغم محاولات فلاسفة الأخلاق والقانون وضع الضوابط العامة لنظرية متكاملة عن العدل، تحدد عناصره ومبادئه فإن الفكر الإنساني عموماً، والقانوني بخاصة، لا يزال عاجزاً عن تحديد طبيعة العدل.

ويلفت الانتباه أيضا إلى أن جوهر العدالة الاجتماعية حلم إنساني عام في القديم والحاضر والمستقبل أياً كان وضع الإنسان ومنطقته الجغرافية ومكونات حضارته، ويرى الناس في تحقيق العدل بشكل عام أعظم هدفاً في الحياة الإنسانية؛ ولهذا تحتل المقولات المتعلقة بالعدل والظلم مركز الصدارة في المناقشات السياسية الحديثة المتعلقة بالقانون والسياسة الاجتماعية، والتنظيم الاقتصادي، لذلك نلاحظ أن جميع المجتمعات الإنسانية دخلت في جدل كبير حول العدالة ومفاهيمها وسياقاتها، ولكنهم توزعوا متطلبات تحقيق العدالة ضمن مواثيقهم النظرية وبرامجهم العملية، بحسب خصائص واحتياجات كل مجتمع.

إن تشوه مفهوم العدالة الاجتماعية واقع نعيش تبعاته وأصبح يستخدم في كثير من المجتمعات كشعار براق دون أن يحقق الكثير، بل إن النتائج ماثلة للعيان تعميماً للفقر وانهياراً لمنظومة اجتماعية واقتصادية وتأجيل استحقاقات كثيرة مقابل عدالة اجتماعية لم تتحقق, كذلك أن غياب العدالة الاجتماعية يساعد على انتهاكات لا حدود لها لحقوق أفراد المجتمع وحريتهم، بل انه يحرمهم من التطور، ويدعم الاتجاهات السلبية المتفق على أنها من نتاج عصور الانحطاط والتخلف، والتي مثلت تراجعا عن كل القيم الإنسانية عبر التاريخ، وبدون العدل لن يكون هناك أمان وثقة ببرامج الحكومات مهما كانت تلك الحكومات.

وبدون العدل والعدالة والرعاية الاجتماعية سيبقى المجتمع متخلفا وراقدا في سبات عميق لن توقظنا منه أي جرعة من جرعات الديمقراطية أو عطرها، وبدون العدالة الاجتماعية سيبقى الأحمق في خانة الحكيم وسيبقى الجاهل في مركز المتعلم وسيبقى الخائن في خانة المخلص، إن العدالة الاجتماعية تعني إلغاء المحسوبية والوساطات غير المشروعة ومحاسبة المقصر علنا بدلا من التستر عليه، والعدالة الاجتماعية تعني تكافؤ الفرص على ضوء مقياس الكفاءة فقط..

العدالة الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص أمام الجميع وفتح جميع أبواب العلم والعمل والتطور والنجاح أمام كل فرد، أحلام راودت البشرية وسعت وتسعى بعض الدول إلى تحقيقها, لذلك انتبه كثير من (لدول المتقدمة) إلى ضرورة توفير الحد الأدنى المقبول والمحتمل من الدخل الفردي وذلك أولاً: درءا للمشكلات والانحرافات الاجتماعية والأخلاقية، وثانياً: لأن الإنسان في النهاية هو خير ما يستثمر فيه وبه من أجل إنشاء تنمية وتقدم حقيقي في عالم الحكم فيه للأقوى. والأمر الآخر أن هذه الدول المتقدمة سعت وما زالت تسعى لتطوير نظم الرعاية الاجتماعية واعتماد المجال الحر لوصول الكفاءات - أيا كان منشؤها - وتطوير منظومة الإنتاج وعلاقات رب العمل بالعامل بما يحقق معه العامل البسيط (عامل النظافة) على سبيل المثال - باعتبار أنه في المستوى الثقافي لدينا (الدول العربية ودول العالم الثالث) درجة من الكفاية والرفاهية والحقوق الاجتماعية والمادية.

أما عندنا في (العالم العربي) فإن العدالة الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص هي عبارات تقال في الخطب ومن فوق المنابر وفي التصريحات

للصحف والمجلات ثم ينفض المولد ويعود الغني المترف إلى غناه ويعود الفقير إلى جوعه وجهله وآلامه المرة التي يلوكها كل يوم، إن الاقتصاديون والسياسيون في (الدول العربية والإسلامية) لا يأبهون لتحقيق الحد الأدنى المقبول من دخل الفرد حتى تكاد الأجور الدنيا تكون مضحكة ومبكية في الوقت نفسه، وحتى يبدو الأمر كأنه نوع من الغباء وسوء التقدير، أو نوع من تأسيس الفساد والسعي لنشره من القمة إلى القواعد، أو نوع من اللامبالاة بحماية الوطن والمجتمع من الانفجار.

في بلادنا العربية من شرقها حتى غربها ومن شمالها حتى جنوبها لم تتحقق أحلام العدالة الاجتماعية ولم يسع أحد إلى ذلك أصلا، الأمر الذي جعل الفقر يفرخ كل يوم مشكلات وانحرافات بدءا من الإحباط والانحراف والسعي وراء ثقافة الابتذال وانتهاء بأعمال العنف الذي ينفجر كل يوم في بلد ما مهددا أمن البلاد والعباد، بلاد قدمت فيها المحسوبية والاعتبارات الشخصية وثقافة المواربة والنفاق على ضرورات التنمية ورشد البناء، واستطاع النظام العربي الرسمي أن يجهض كل الأفكار الحالمة بمستقبل مشرق وواعد.

في النهاية لا بد من التنويه إن انعدام العدالة بين طبقات المجتمع الإنساني لا يمكن تبريره بأية منفعة اجتماعية مهما كان لونها ومنشأها. ويجب أن ينظر إلى الأفراد في المجتمع الإنساني على أساس رابطهم التكويني في الخلق وهو رابط الإنسانية. وهذا الرابط الإنساني يجمع الأفراد في شتى المناسبات من أفراح وأتراح وتعارف، فالفرد، بغض النظر عن نوعية ارتباطه الفكري والعقائدي بالآخرين، يعيش بالدرجة الأولى ارتباطاً إنسانيا معه، إن احترام الكرامة الإنسانيّة هو المبدأ الأساسيّ الذي تقوم عليه كل نظم العدالة. وكان اشتراط احترام المسؤولية الإنسانيّة هو المطلب الأساسيّ دائمًا في الجدل حول ما يمكن أن تعنيه العدالة الاجتماعيّة

إن زيادة الثروة وحسن وعدالة توزيعها تؤدي إلى رخاء اجتماعي يساهم في رفع الحيف عن المظلومين والمحرومين؛ لأن العدالة الاجتماعية ترتبط في الأصل بنظام يساهم في توزيع عادل للثروة، ولا يرتبط بالزيادة المالية نفسها ولقد صارت التنمية اليوم بمفهومها الشامل هي معيار اختبار تحقق العدالة من عدمه، إذا أردنا ثبات النمو والتنمية فلا بد من تحقيق العدالة، وهذه حقيقة ملموسة بالتجربة، إن الحكومات هي المسؤولة عن وجود ظواهر الفقر والتوزيع غير العادل للثروة وغياب العدالة الاجتماعية في المجتمع، وهي المسئولة عن تفاقم هذه الحالات خاصة في دول العالم الثالث.
فالتنمية بمعزل عن العدالة ستؤول إلى تكدس الثروة بيد مجموعة من الأفراد وبالتالي ستترك مساحة واسعة من المجتمع تتهمها مخالب الفقر والحرمان، كما ستكون تلك المجموعة المستأثرة بالثروة سببا لهلاك الجميع.

وأخيرا يمكننا القول أن العدالة الاجتماعية هي (قيمة) وليست مسألة (غيبية) وتطبيقها في السياسة والتاريخ يكون (نسبيا) طبعاً، ولكن بالتأكيد تتّضح معالمها، في المساواة بين الناس، وفي الكفاية والعدل، وفي الرّخاء، وفي حرية الفرد في الداخل والخارج، حريته المعنوية والدينية، وحريته المادية.."