إذا كانت القاعدة التي سارت عليها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة جورج بوش هي "من ليس معنا فهو ضدنا"، فإن القاعدة التي تسير عليها إدارة أوباما، حتى الآن، هي "من ليس ضدنا فهو معنا"، أو من الممكن أن يكون معنا.

على هذا الأساس تأتي التحركات الأمريكية في المنطقة لتوسيع قاعدة الانسجام مع الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة. الأهداف الأمريكية في المنطقة لم تتغير عن تلك التي حددتها إدارة بوش الحربجية، والتي رأت باستعمال القوة إستراتيجية مركزية لتحقيق الغايات السياسية.

التغيير الذي جاء به أوباما هو في الأسلوب وليس في الأهداف، وفي مركزها إحكام الهيمنة الأمريكية في المنطقة، من خلال العمل السياسي أساساً واللجوء إلى القوة كملاذ أخير فقط.

جورج ميتشل زار المنطقة وعرج على دمشق، الأمر الذي لم يقم به مبعوثو الرئيس السابق بوش. وحدد ميتشل أهداف رحلاته المكوكية بفتح ثلاث مسارات للتفاوض والتسوية: فلسطيني وسوري ولبناني.

ويبدو أن المبعوث الأمريكي لم يستطع أن يحرك شيئاً على المسار الإسرائيلي السوري، وذلك بسبب موقف نتنياهو الرافض حالياً للتفاوض مع سوريا إلا بالعودة بالمفاوضات إلى نقطة الصفر. نتنياهو لا يبدي أي استعداد لتجاوزهذه النقطة في المستقبل المنظور، فقد خاض الانتخابات تحت شعار لا انسحاب من الجولان.

بالنسبة للبنان فلا نعتقد ان ميتشل ساذج ليعتقد أنه بالإمكان إجراء مفاوضات رسمية بين إسرائيل ولبنان، دون أن يؤدي ذلك إلى هزة داخلية عنيفة، لذا تبقى لبنان على الرف حالياً، تبعاً للموقف اللبناني الرسمي بأن لبنان سيكون آخر من يوقع على اتفاق مع إسرائيل.

بقي لميتشل المسار الفلسطيني، وهنا مجال المراوغة والمناورة وصناعة الأوهام، الذي راكمت الإدارات الأمريكية تجربة غنية فيه، وتعلمت انه بالإمكان إقناع إسرائيل بخلق الوهم وبالإمكان إقناع السلطة الفلسطينية بالركض وراء السراب الإسرائيلي، خاصة إذا رافق ذلك دعم مالي دولي وأمريكي.

نتنياهو كان مستعداً ليقول كلمة "دولتين" فقط ليخفف الضغط الأمريكي عليه، لكنه أكد أكثر من مرة أنه ليس مستعداً لتجميد الاستيطان. ميتشل من جهته جاء باقتراح صفقة جديدة "التجميد في مقابل التطبيع"، وكان رد نتنياهو باقتراح "تجميد مؤقت مقابل تطبيع دائم"، وهو ما تناقلته وسائل الإعلام من مبادرة لتجميد الاستيطان مدة ثلاثة أشهر، وهذا لا يشمل البناء الجاري حالياً.

رغم كل الحديث عن تجميد وتطبيع، فقد فشل ميتشل بإقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان، ووصف فشله بأنه "تقدم دون التوصل إلى اتفاق"، فشل هذه المرة، إلا أن صيغة ما ممكنة في منتصف الطريق بين الموقف الأمريكي والرفض الإسرائيلي.

لقد عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وعادت ما تسمى بالعملية السلمية هدفاً بحد ذاته، نفس المسرحية مع تغيير الممثلين الأمريكان والإسرائيليين. قد تنجح الولايات المتحدة بعقد صفقة مع نتنياهو، ولكن هذه الصفقة لن تكون فاتحة لتسوية سياسية، بل هي معدة أصلاً لاستئناف المفاوضات ليس أكثر.

إمكانيات عقد صفقة مع نتنياهو، توافق عليها السلطة الفلسطينية، قائمة وفي متناول اليد الأمريكية. إسرائيل من جهتها تريد موقفاً أمريكيا أكثر تشدداً تجاه إيران وهذا هو الأمر الأهم بالنسبة لها، لذا ستجد الطريق للتفاهم مع الأمريكان، دون تقديم تنازلات جوهرية.

السلطة الفلسطينية يهمها اليوم مواجهة حماس، وهي بحاجة ماسة للدعم الأمريكي المالي والأمني والسياسي، لذا لن تجد أمريكا صعوبة كبيرة بإقناعها للعودة إلى مائدة المفاوضات، ويكفيها ضريبة كلامية من نتنياهو للعودة إلى مائدة الأوهام المليئة بالاطباق الفارغة. العود هذه المرة أخطر، فالنتيجة الوحيدة الممكنة لكل هذا اللف والدوران هو تكريس معادلة: السلطة تحمي أمن إسرائيل وإسرائيل تحمي أمن السلطة! أما المفاوضات، إذا تجددت، فلن تكون أكثر من ديكور هذه المعادلة.