خطة "اختبارات التنفيذ".. دعوة لفتنة داخلية../ أحمد الحيلة*
دعا الرئيس محمود عباس (7/5) إسرائيل إلى التجاوب مع الخطة الأمنية الأمريكية المسماة "اختبارات التنفيذ"، مؤكداً في ذات الوقت أنها تتضمن خطوات مهمة لإحلال الأمن ورفع المعاناة عن الفلسطينيين..
ويشار هنا إلى أن الخطة الأمريكية التي نشرت معالمها صحيفة هآرتس (4/5) تطالب طرفي الصراع (الفلسطينيين، والإسرائيليين) بمجموعة من الالتزامات "المتبادلة" على النحو التالي:
أولاً: فلسطينياً، تطالب الخطة قوات الأمن الفلسطينية بمنع تهريب السلاح عبر الحدود وذلك بالتنسيق مع أجهزة مخابرات وجيش الاحتلال الإسرائيلي ـ مطالبة مستشار الأمن القومي محمد دحلان بتطوير خطة ضد الصواريخ الفلسطينية (منع تصنيعها أو "تهريبها" أو إطلاقها على الاحتلال) وذلك بإشراف رئيس السلطة محمود عباس ـ مطالبة كل من عباس ودحلان بوضع الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت إمرة رئيس السلطة المباشرة ـ مطالبة عباس ودحلان إعادة تشكيل قيادات التنسيق ومكاتب الارتباط للتنسيق مع الاحتلال في الضفة الغربية.
ثانياً: إسرائيلياً، تطالب الخطة الجانب الإسرائيلي برفع بعض الحواجز في الضفة البالغ عددها نحو 500 حاجز ثابت، وأكثر من 600 حاجز متحرك ـ مطالبة الاحتلال بزيادة نشاط المعابر الخاصة بمرور الشاحنات التجارية ـ السماح بتسيير حافلات بين الضفة والقطاع لنقل الفلسطينيين تحت السيطرة الإسرائيلية ـ مطالبة الحكومة الإسرائيلية الموافقة على طلبات المنسق الأمني الأمريكي (كيت دايتون) لتزويد الأجهزة الأمنية الفلسطينية الخاضعة لسلطة الرئيس محمود عباس بالسلاح والذخيرة والمعدات..
باختصار، الطرف الفلسطيني (تحديداً الرئيس عباس ومستشاره دحلان) مطالب بوقف المقاومة الفلسطينية، مقابل تسهيلات جزئية تتعلق بحركة الفلسطينيين على المعابر.
القراءة المتأنية لحيثيات الخطة الأمريكية تقودنا إلى عدة مسائل أهمها:
• أن الطرف الأمريكي يسعى من خلال خطته لتوسيع الهوة بين الرئاسة والحكومة الفلسطينية، وزيادة حجم الخلاف بينهما، وذلك عندما تخاطب الخطة الرئيس الفلسطيني ومستشاره دحلان، وتتجاهل الوزارة ورئيسها.. وعندما تخص بالذكر الأجهزة الأمنية الخاضعة لسلطة الرئيس دون التابعة لوزارة الداخلية..، وعندما تدعو الخطة كلاً من عباس ودحلان لنقل أو إلحاق كافة الأجهزة الأمنية بسلطة الرئيس، وكأنه لا يوجد وزارة داخلية مهمتها إدارة الأجهزة الأمنية لحفظ الأمن.
• أيضاً الخطة الأمريكية تغذي روح الشقاق والفتنة والاقتتال الداخلي، عندما تشير الخطة العتيدة إلى تسليح ودعم أجهزة الأمن التابعة للرئيس بهدف منع "تهريب" السلاح للمقاومة أو منعها من إطلاق الصواريخ رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، أليس في ذلك دعوة لإذكاء وإشعال نار الفتنة والاقتتال الداخلي بين الأجهزة الأمنية وقوى المقاومة الفلسطينية؟
• الشيء الأسوأ أن الخطة تتعامل مع الوضع الفلسطيني على أنه مجرد حاجات إنسانية أو مطالب لتحسين الظروف المعيشية، وفي ذلك تشويه وتقزيم واختزال لطبيعة القضية الفلسطينية السياسية بامتياز. فقد فسرت الخطة أسباب المعاناة والإغلاق ومنع الحركة ومرور البضائع للفلسطينيين باستمرار المقاومة أو إطلاق الصواريخ، متجاهلة أن أصل المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الذي تحاول أمريكا تبرئته من المسؤولية..
• زيادة على ذلك، فالخطة تحاول الالتفاف على الحصار المستمر منذ سنة وثلاثة أشهر، ولفت الأنظار بعيداً عنه، بقصد إدامته حتى يحقق أهدافه بأقل الخسائر الممكنة؛ فالولايات المتحدة وإسرائيل تدركان أن استمرار الحصار يعني في المآل انفجار الوضع في فلسطين، وما يعني الاحتلال هو أن لا ينفجر الوضع في وجهه. ولذلك الخطة (اختبارات التنفيذ) هي خطوة استباقية باتجاهين:
الاتجاه الأول: محاولة رفع مسؤولية واشنطن وتل أبيب عن الحصار، وذلك عندما تبدو واشنطن بخطتها وكأنها معنية بتخفيف معاناة الفلسطينيين بحسب رؤية وشهادة رئيس السلطة الوطنية ورئيس اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف السيد محمود عباس، عندما يؤكد بقوله: "أن الخطة تتضمن خطوات مهمة لإحلال الأمن، ورفع المعاناة عن الفلسطينيين".
الاتجاه الثاني: تهيئة الأجواء الفلسطينية لانفجار داخلي قادم من خلال دعم ورعاية الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس ومطالبتها بوقف المقاومة، حتى لا ينفجر الوضع باتجاه الاحتلال الإسرائيلي..
ما يزيد الأمر حرجاً على الجانب الفلسطيني أن الرئيس عباس يوافق على الخطة الأمريكية دون تحفظ، بل ويدعو الاحتلال إلى التجاوب معها، لأنه يرى في الخطة مدخلاً لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، متجاهلاً أن تلك المعاناة ليست وليدة اللحظة، وأنها مقترنة بالاحتلال مذ وجد على أرض فلسطين، وأن هذه المعاناة لن تزول بمجرد تخفيف عدد الحواجز، أو إزالة بعضها هنا أو هناك.
من جانب آخر، فإن موقف السيد عباس من خطة اختبارات التنفيذ الأمريكية يعزز ويبرر سياسة الحصار على الفلسطينيين، ويغري الاحتلال بأخذ المزيد من الإجراءات التعسفية والإرهابية ضد الفلسطينيين في الوقت الذي يتحفز فيه جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية لاجتياح قطاع غزة.. وهذا الإغراء للاحتلال بارتكاب المزيد من الحماقات العسكرية ناتج عن موقف الرئيس عباس عندما يقرن معاناة الفلسطينيين ببندقية التحرير، باعتبار أن الحواجز ومنع الحركة للفلسطينيين، والحصار ناتج عن بندقية المقاومة التي جلبت الحصار والحواجز العسكرية الثابتة والمتحركة، وبالتالي لا بد من نزع سلاح المقاومة حتى يتسنى للفلسطينيين التنقل بمزيد من "الحرية"، متناسياً سيادة الرئيس أنه لا يستطيع أن يغادر معبر رفح أو حتى الضفة الغربية أو قطاع غزة إلا بإذن مسبق من الاحتلال رغم أن السيد عباس ضد "عسكرة" الانتفاضة.
ونذكّر الرئيس عباس أيضاً بأن الاحتلال لم يتوقف ولو للحظة عن القتل، والاغتيال، والتدمير، ووضع المزيد من الحواجز رغم إعلان والتزام الطرف الفلسطيني بهدنة من طرف واحد إثر اتفاق القاهرة الموقع في آذار(مارس) 2005، فأين المشكلة إذن، هل هي في الاحتلال أم في المقاومة؟!!
يقودنا موقف الرئيس عباس من الخطة الأمريكية إلى استنتاج حقيقة هامة، وهي: أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ما هو إلا زواج مؤقت فرضه واقع الأحداث الدامية في قطاع غزة.. وسرعان ما سينتهي هذا الزواج عندما تنضج ظروف ومعطيات جديدة تمكن الرئاسة الفلسطينية (عباس ـ دحلان) من تملك زمام الموقف، ومن ثم المبادرة والشروع بالطلاق سعياً لتحقيق رؤية عباس (القديمة ـ الجديدة) بأن التسوية السياسية هي الخيار الأوحد لإنجاز واستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية!!