فلسطينياً؛ رايس جاءت كمقاول بناء وحفريات.../ هاشم حمدان
يمكن القول إن إسرائيل نجحت في جعل مسألة فك الإرتباط والتنسيق في تنفيذه القضية الأهم على جدول الإعمال الفلسطيني، مما أتاح لها المجال للمضي قدماَ في مخططاتها بشأن القدس والإستيطان في الضفة الغربية، مستفيدة من التهدئة، وتصنيف أي مقاومة تنشأ ضد هذه المخططات على أنها خرق للتهدئة، وفي الوقت نفسه الضغط على السلطة الفلسطينية بشأن "مكافحة الإرهاب" والإصلاح، لذلك لا يحتاج المرء إلى نظرة ثاقبة ليكتشف أن وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، قد جاءت إلى الفلسطينيين لتبحث تنسيق إخلاء الركام من المستوطنات التي سيتم إخلاؤها ومشاريع البناء على أنقاض المستوطنات، وبالطبع ضرورة عمل المزيد في مكافحة الإرهاب أيضاً..
وبنظر رايس، كان على الفلسطينيين أن يصرفوا النظر عن الجدار الفاصل والإستيطان في الضفة والقدس والأسرى واللاجئين، وأن يشاركوا رايس القضية التي يجب أن تشغلهم في نظرها...فك إرتباط هادئ وإخلاء الركام من المستوطنات ومشاريع بناء جديدة على الأرض التي سيتم إخلاؤها..
في طريقها، جيئة، صرحت رايس أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقوم بإجراءات تحدد سلفاً شكل الحل الدائم، ويتبادر إلى الذهن هنا، أن هذه التصريحات، عدا عن كونها للإستهلاك الإعلامي، تهدف إلى طمأنة الفلسطينيين بأنها جاءت من أجل قضية تؤرقهم، وبالتالي لا حاجة إلى إستقبالها بالتظاهرات والتصريحات الغاضبة، بل إظهار المزيد من الترحيب والإحتفاء بمقدم الوزيرة الأمريكية أمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية... وبالطبع فإن هذه التصريحات لم تجد لها ظلاً على الأرض كما تبين لاحقاً..
في إسرائيل كان لرايس حديث آخر، فقد استمعت إلى كل ما يقلق الإسرائيليين، وحاجاتهم وضروراتهم الأمنية الحالية والمستقبلية في شمال البلاد وجنوبها، ومطالب إسرائيل من الفلسطينيين ومصر، كما عملت على حل الخلاف الذي نشب مع الإدارة الأمريكية بشأن صفقة الأسلحة الإسرائيلية إلى الصين.
من غير المؤكد أن تعني زيارة رايس هذه أن المنسق الأمني الأمريكي لم يملك أن يفعل شيئاً وبالتالي فشل في مهمته خاصة إزاء كل ما يتعلق بإسرائيل، إلا أنه من الأكيد أن الزيارة جاءت في التوقيت المناسب، ولكن ليس للفلسطينيين...
تأتي زيارة رايس بعد أن باتت الحاجة إلى التنسيق الأمني بالنسبة لإسرائيل أكثر إلحاحاً مع إقتراب موعد تنفيذ فك الإرتباط، ومع تصاعد عمليات المقاومة والتي تأتي رداً على الخروقات الإسرائيلية للتهدئة سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس أو بحق الأسرى أو على مستوى جدار الفصل العنصري، في ظل حاجة شارون إلى إنسحاب هادئ حتى لا يبدو مثل "الإنسحاب" (الهروب) الإسرائيلي من لبنان..
وتأتي زيارة رايس بعد إقتراح الوزيرة ليفني بشأن هدم المستوطنات ونقل الركام والأنقاض بتمويل طرف ثالث، ومن ثم إقتراح وزير الأمن الإسرائيلي، شاؤول موفاز، بشأن "الحاجة" الفلسطينية إلى الركام لبناء الميناء البحري في غزة، وبذلك تستريح إسرائيل من عناء إخلاء الأنقاض والبحث عن مكان لها، والإدعاء بأن الوقت المتبقي لا يسمح بإنجاز ذلك، ومن ثم المخاوف الأمنية الإسرائيلية خاصة وأن هذه العملية من المفترض أن تتم بعد الإخلاء، فتأتي الموافقة الفلسطينية بعد زيارة رايس على أن يقوم الفلسطينيون بذلك..
جاءت بعد المؤتمر العنصري الذي عقد في كرميئيل لبحث "تطوير الجليل والنقب" ومن ثم عرض النتائج على رايس لتقوم بدورها في تحريك العواطف في الولايات المتحدة، فوعدت على الفور بتشكيل طاقم أمريكي لدراسة الموضوع من أجل المساهمة في تعويض إسرائيل عن "خسائرها" في مستوطنات غوش قطيف وشمال الضفة الغربية، وبالتالي جمع الميزانيات للمساهمة الأمريكية في المشروع الجديد للدولة "المسكينة" في تطوير مناطق بديلة..
وتأتي زيارة رايس قبل لقاء بيرس مبارك، وبالنتيجة يتبدد الخلاف الإسرائيلي المصري حول محور فيلاديلفي وتوافق مصر لاحقاً بعد الإجتماع مع شمعون بيرس على الإقتراح الإسرائيلي بشأن نشر القوات المصرية، مع بقاء قوات إسرائيلية في المناطق المجاورة، أي أن إسرائيل بإمكانها السيطرة على المحور متى تقرر ذلك ..
وتأتي زيارة رايس لتظهر أمام العالم أنها – أمريكا- أنجزت شيئاً على الأرض وأن هناك توافقاً إسرائيلياً فلسطينياً، ولتزف للعالم أن ما يجري على الأرض هو برضا الطرفين..
تأتي زيارة رايس بعد الإتصالات الأوروبية الإخيرة بحركة حماس، لتقطع الطريق مجدداُ امام أي تطور قد يحصل في هذا الإتجاه، ولتعلن بعد ذلك أنه بإمكان الشعب الفلسطيني أن ينتخب حماس، ولكن الولايات المتحدة لن تتعامل معها بوصفها تنظيماً إرهابياً.. تماماً كما تصرفت الولايات المتحدة بعد وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وأجهضت أجواء التعاطف مع القضية الفلسطينية...
وتأتي زيارة رايس أيضاً لتبحث مع إسرائيل قضية صفقة الأسلحة الإسرائيلية مع الصين تماماً قبل وصول وزير خارجية الصين إلى إسرائيل...
بإختصار، إذا لم نشأ التوسع أكثر، كالتطرق إلى توقيت تصريحات الظواهري مثلاً، فقد شهدت المنطقة حركة دبلوماسية مكثفة في الأيام الأخيرة، ويبدو أن رايس قد أفلحت في الإمساك بخيوطها، وبالنظر إلى المستفيد من هذه الحركة يتضح مرة أخرى "أن الذيل الإسرائيلي ما زال قادراً على تحريك الكلب الأمريكي"...