اختتم مؤتمر (فتح) السادس أعماله، وستعلن نتائج الانتخابات للـمجلس الثوري واللجنة الـمركزية مساء الاثنين أو صباح الثلاثاء، وهي التي تحدّد درجة نجاح الـمؤتمر. فإذا تم انتخاب قيادة جديدة مؤهلة وقادرة على متابعة أعمال الـمؤتمر وإنجاز الـمهمات التي حددها، فسيكون مؤتمراً ناجحاً بكل الـمقاييس، وإذا أعادت القيادة الجديدة إنتاج التيارات والتعقيدات والـمعسكرات نفسها، فإن هذا لن يساعد (فتح) على الانتقال من الحال التي هي فيها إلى الحال التي تصبو إليها.

ما يهم الآن هو انعكاس نتائج مؤتمر (فتح) على النظام السياسي الفلسطيني، وتحديداً على السلطة (وخصوصاً الحكومة) والـمنظمة، وعلى الانقسام الفلسطيني، وعلى وضع (فتح)كتنظيم، وهل ستبقى دون تنظيم ولا موازنة مالية وغيرها وذائبة في السلطة كلياً؟ وما انعكاس الـمؤتمر على الـمفاوضات وعملية السلام، وعلى العلاقات الفلسطينية / الإسرائيلية خصوصاً بعد التصريحات الإسرائيلية الرسمية بأن مؤتمر (فتح) خيّب الآمال الإسرائيلية، وأن (فتح) تنافس (حماس) في التطرف، وأن عناصر (فتح)، كما زعم إيهود باراك قد أزالوا القناع عن وجوههم، بزعم أن لا وسيلة لتحقيق السلام سوى الـمفاوضات.

هل ستمضي (فتح) بعد مؤتمرها في تجسيد نتائجه على الأرض وتمارس الـمقاومة الشعبية كخيار أساسي لا يمكن فصله عن الـمفاوضات؟ على أساس أن الـمقاومة تزرع والـمفاوضات تحصد، ومن لا يزرع لا يحصد.

هل ستمضي في التحقيق في جريمة اغتيال ياسر عرفات؟ حتى لو أثر ذلك على فرص التوصل إلى تسوية مع إسرائيل؛ لأن إسرائيل هي الـمسؤولة عن هذه الجريمة، ولا تسوية وطنية على الأبواب، لأن مثل هذه التسوية بحاجة إلى كفاح طويل.

هل ستراجع (فتح) مسيرة الـمفاوضات وتلتزم بالاشتراطات؟ حتى تكون هناك مفاوضات تستند إلى مرجعية واضحة وملزمة، وإلى هدف واضح منذ البداية ومتفق عليه، هو إنهاء الاحتلال. وهل سترفع (فتح) السقف التفاوضي الذي تآكل كثيراً؟.

هل سترضى (فتح) أن تبقى تشارك بالحكومة ولا تقودها؟ أم ستشكل سريعاً حكومةً جديدةً بقيادتها سواء أكان رئيسها الدكتور سلام فياض أم غيره. أم ستنتظر نتيجة الحوار وتقرر بعد ذلك ماذا تفعل؟.

هل ستذهب (فتح) بعد مؤتمرها إلى الحوار؟ وإذا ذهبت هل ستطرح شروطاً أصعب أم تبدي مرونة تتيحها لها أنها أصبحت الآن أقوى مما كانت عليه، فهي الآن موحدة على الأقل، ولديها قيادة جديدة شرعية، وهذا يعطي فرصة لنجاح الحوار أكبر من سابقتها إذا توافرت النية لإنجاحه.
أم هل تستعد (فتح) لإسقاط حكم (حماس) في قطاع غزة بالحسم العسكري أم عبر الانتفاضة الشعبية أم بصورة أمنية أم ستحاول الجمع بين كل ما تقدم؟ وهذا يدخلنا في حرب الـمائة عام، مثل حرب داحس والغبراء.

هل ستذهب (فتح) نحو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حتى لو لـم يتم التوصل إلى اتفاق وطني عام أو حول الانتخابات؟ ويشجعها على ذلك نجاح مؤتمرها رغم قرار (حماس) الـمدان بمنع أعضاء الـمؤتمر من غزة من الـمشاركة. إن اعتبار نجاح الـمؤتمر "بروفة" لإجراء انتخابات دون اتفاق وطني قفزة في الـمجهول، لأن انتخابات دون اتفاق ستكرّس الانقسام ولن تعطي الشرعية لـمن سينتخب لأنها ستجري في الضفة فقط وستقاطعها أيضاً في الضفة (حماس) والجهاد وربما فصائل وقطاعات أخرى، ما يجعلها انتخابات اللون الواحد.

هل ستدعو (فتح) لتنظيم انتخابات للـمجلس الوطني باتفاق وطني أم دون اتفاق وطني أم ستلجأ إلى دعوة الـمجلسين الـمركزي والوطني للانعقاد؟

وإذا فعلت، فإنها تحاول بذلك الاحتماء بمظلة (م.ت.ف) بوصفها الـمرجعية والشرعية. وهنا لا بد من التحذير لأن الـمنظمة مشلولة منذ زمن بعيد، وهناك قطاعات سياسية وشعبية واسعة تعتبرها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني لذلك لن تستطيع أن تمنح الشرعية والقوة. ففاقد الشيء لا يعطيه. فالـمنظمة بحاجة إلى إصلاح وتجديد وتفعيل وتغيير، سواء إذا شاركت بها (حماس) أم لـم تشارك. مع أن الـمشاركة مطلوبة لأن الوحدة ضرورة ولا غنى عنها. فالاحتلال يتربص بالجميع، ومن لا يصدق فليقرأ التصريحات الإسرائيلية حول مؤتمر (فتح).

هل ستقوم (فتح) فعلاً بإصلاح وتجديد وتغيير الـمنظمة والسلطة ونفسها وتوفير ما يقتضيه ذلك من وضع الأسس والإجراءات والآليات والقوانين الكفيلة بمحاسبة الترهل والتسيب والفساد والـمحسوبية وغيرها؟ أم ستبقى تسير وراء الوهم بأن الاتفاق النهائي قادم، وأن الـمنظمة مطلوبة فقط للقيام بآخر أعمالها وهو التوقيع عليه باسم الشعب الفلسطيني.

إن الإجابة عن كل هذه الأسئلة وغيرها يتوقف على مسألتين:

الـمسألة الأولى: داخلية وهي من الذي سيفوز في الـمجلس الثوري واللجنة الـمركزية؟ ومن ستكون لديه أغلبية فيهما. أصحاب أي اتجاه؟ أم لن تكون هناك أغلبية مستقرة لأي اتجاه، وهذا سيجعل (فتح) تراوح مكانها.
من الـمعروف أن في (فتح) ـ شأنها شأن الشعب الفلسطيني ـ اتجاهات عدة تتوزع على ثلاثة اتجاهات أساسية على الأقل هي:

الاتجاه الأول: الذي يعتمد خيار الـمفاوضات كأسلوب وحيد وينادي بضرورة مواصلة مسيرتها ودفع الثمن اللازم لإنجاحها مهما كان فادحاً.

الاتجاه الثاني: الذي يعتمد خيار الـمقاومة وينادي بالعودة إلى الـمنطلقات والأصول والتمسك بالثوابت واعتماد الـمقاومة كخيار أساسي أو وحيد، وهو يقصد بالـمقاومة، الكفاح الـمسلح أولاً وأساساً. وهو يرفض الـمفاوضات وعملية السلام، على الأقل وفقاً للكيفية التي سارت فيها حتى الآن.

الاتجاه الثالث: الذي يجمع بين خياري الـمفاوضات والـمقاومة ويريد أن يحتفظ بالبندقية بيد وغصن الزيتون بيد مع اعطاء فرصة أخيرة للـمفاوضات، ولكن ضمن شروط لا تجعلها تدور حول نفسها، مثلـما حدث طوال السنوات القليلة الـماضية.

أما الـمسألة الثانية التي سيتوقف عليها مسار الأحداث فهي مصير وآفاق التحرك الأميركي والدولي الرامي لإحياء عملية السلام، وهل سيؤدي إلى طرح مبادرة سياسية عادلة أو متوازنة وقادرة على التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع ويحقق السلام على أساس الاستجابة للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

أم سينتهي التحرك الدولي والأميركي إلى مبادرة مختلة، غير متوازنة تساوي في أحسن الأحوال بين الجلاد والضحية، عبر الـمطالبة بتطبيق الالتزامات الـمتبادلة مثل خطوات تطبيع عربية مقابل تجميد الاستيطان وليس إنهاء الاحتلال، أو توفير الأمن للاحتلال لإثبات جدارة الفلسطيني في الحصول على دولة تقرر إسرائيل من خلال الـمفاوضات مساحتها وحدودها ومقوماتها وعاصمتها ومدى سيادتها.
أم ستكتفي الإدارة الأميركية بطرح خطوط عامة (نصف مبادرة) خشية الفشل بشكل عام، وخوفاً من إغضاب إسرائيل واللوبي القوي الـمؤيد لها في الولايات الـمتحدة الأميركية.

إن الـمصير الذي سينتهي إليه التحرك الأميركي والدولي سينعكس بقوة على الـمسار الذي ستسير عليه (فتح) في الـمرحلة الـمقبلة، وسيؤثر كثيراً في تقوية (فتح) أو إضعافها، فـ(فتح) فتحت في مؤتمرها كل الخيارات ومستعدة للسير في الخيار الذي له فرصة أكبر من النجاح وهذا مهم ولكنه لا يكفي. إن خيار تحوّل (فتح) إلى حزب سياسي للسلطة ـ يوفر مظلة للـمفاوضات ولتسوية غير متوازنة ويتخلى عن البرنامج الوطني والـمقاومة ـ انتحار سياسي قررت (فتح) في مؤتمرها عدم الإقدام عليه، خصوصاً أن آفاق الحل غير واضحة ومفتوحة على كل الاحتمالات.

وبالتأكيد فإن طرح مبادرة أميركية ودولية غير متوازنة أو منحازة لإسرائيل لن يساعد (فتح) وسيدفعها نحو التشدد أو العودة إلى التصارع وإلى الشلل.

كتبت في الـمقال السابق إن الأسئلة رغم انعقاد مؤتمر (فتح(السادس ستبقى مفتوحة، والـملفات لـن تغلق، وهذا أغضب البعض، من الذين يتصورون أن مجرد طرح الآراء والأسئلة وفتح الـملفات يكفي على أهميته، أو أن ما جرى في مؤتمر (فتح) قدّم الإجابات الواضحة القاطعة الحاسمة على كل شيء مرة واحدة وإلى الأبد.

إن مؤتمراً واحداً على أهمية عقده ونجاحه في الوصول إلى محطته الأخيرة بعد عشرين عاماً من عدم عقد الـمؤتمرات وفي ضوء الكيفية التي جرى فيها تحديد العضوية (30% منتخبون فقط، وتم تعيين أعضاء جدد حتى اللحظة الأخيرة) وفي ظل ظروف الانقسام الفلسطيني، ومع عدم تبلور التحرك الأميركي والدولي حتى الآن، لا يكفي لحسم اتجاه حركة (فتح) وإصلاحها وتجديدها وتغييرها، مع أنه خطوة إلى الأمام. إن الحركة بركة، وخطوة إلى الأمام أفضل بكثير من خطوة إلى الوراء أو من الـمراوحة في الـمكان نفسه.
إن التغيير سنة الحياة، ولا بد أن يكون التغيير نهجاً دائماً ومستمراً، يتجسد من خلال الـمراقبة والـمحاسبة والعلنية والالتزام بعقد الـمؤتمرات بشكل دائم، وإجراء الانتخابات بشكل منتظم، حتى يكون أعضاء الـمؤتمر كلهم، أعضاء منتخبين، وحتى تكون الانتخابات نهجاً لا رجعة عنه بحيث تتم من فوق لتحت ومن تحت لفوق، وفي كل القطاعات والـمستويات الـمحلية والقطاعية والعامة ودون استثناء!!.