مجزرة نابلس وغزة.. من يحدد براءة الشعب المحتل؟../ نزار السهلي*
تحت مظلة الأسئلة الكبيرة، التي فجرتها أحداث مجزرة، نابلس وغزة، قبل يوم من حلول ذكرى العام الأول للعدوان على غزة، وهي واحدة من الإضافات الأكيدة على مجازر إسرائيل التي تثبت يوميا للعالم مزيدا من وحشيتها وهمجيتها التي لا يمكن تبريرها إلا من قبل من يماثلونها في الإجرام والبشاعة، يبقى السؤال المهم والأهم في دوائر السياسة الفلسطينية والعربية والدولية، عن الحاجة والمعنى لإبقاء الشعب الفلسطيني مكبلا ومحاصرا، أمام واقع الجرائم التي يتعرض لها من قبل الكيان الصهيوني، أمام صمت عربي مفضوح، ومتآمر ومشارك في الحصار ضد الشعب الفلسطيني، ومتفنن في وضع العراقيل أمام وصول حبة الدواء وغطاء الشتاء.
من العرب الصامتين، الذين يقولون في العلن ما لا يضمرونه في السر، هم أبناء جلدتنا في السلطة الفلسطينية، التي ادعى رئيسها قبل أيام قليلة من ارتكاب المجزرة، انه لن يسمح بان تقوم انتفاضة أخرى طالما هو جالس على كرسي الرئاسة، ورئيس وزرائه سلام فياض يقول إن العملية الإسرائيلية: "تخريب للنجاحات التي حققتها السلطة في الضفة الغربية وتدمير للهدنة في قطاع غزة، في محاولة للهروب من استحقاقات السلام".
الاحتلال يسعى إلى هدم الأمن الذي تحقق في نابلس على أيدي الأجهزة الفلسطينية، التي كان لها الفضل في تأمين العملية الإسرائيلية في نابلس، من خلال التنسيق الأمني العالي المستوى بين الجانبين، وهذه المعلومات التي مصدرها الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في عدم توقف التنسيق الأمني وملاحقة وجمع المعلومات عن أي نشطاء ومقاومين فلسطينيين، هي المسؤولية التي تقع على عاتق الأمن الفلسطيني الذي كان يشاهد ويراقب تنفيذ المجزرة بدم بارد، دون أن يحرك ساكنا، وهي الأوامر بالطبع، كما جاء في حديث فياض، أن يلتزم الجميع الهدوء، فالأهم هو بناء مؤسسات الدولة التي بشر بها خلال عامين.
وإذا أخذنا المشهد على الجانب الآخر، لنقرأ ما يقوله حماة المشروع الصهيوني، عن هكذا مجازر، الاغتيال المحدد هو أحد وسائل محاربة الإرهاب القاتل... المواطنون الذين يمنحون غطاء حيا للإرهاب ليسوا أبرياء! فكم من البشاعة أن يدعي هؤلاء أنهم من البشر وهم يتصرفون ويتحدثون مثل مخلوقات لا مثيل لها على وجه الأرض؟
ليطلع علينا المسؤولون في السلطة ليقولوا لنا إن تصرفات إسرائيل تثبت إنها ضد السلام، ويا سلام لهذا الاكتشاف، بينما بعض الإنسانية تستوجب أن ينظر هؤلاء إلى أنفسهم في مرآة الهراء السياسي للتوقف عن دس الرأس في الرمل، وهم يشهدون منظر القهر والفزع في عيون زوجة الشهيد رائد السركجي التي تلقفت دماغه المهشم بين يديها وهو مضرج بالدماء بفعل قذائف الموت التي ترسلها واشنطن إلى هذا الكيان لتحول الجسد الفلسطيني إلى كومة من الأشلاء.
نعم، نعرف بأن التاريخ الدموي والإرهابي الإجرامي لكيان قائم على اغتصاب حق الآخرين لهو تاريخ متجدد مهما فعل المنهزمون والمتخاذلون والمستسلمون والمؤتمرون بأوامر الأسياد في البيت الأبيض... وتل أبيب، لكن الذي بتنا نشك فيه إن كان العرب.. العرب.. قادرون على أن يبقوا كما في الأيام الخوالي حين كان للكرامة معنى وللأخلاق معان.
تجتهد السلطة الفلسطينية مع شقيقاتها العربيات على مدار أعوام، من العدوان الإسرائيلي والحصار والقتل اليومي فضلا عن عمليات التهويد والسلب للأرض الفلسطينية، والعدوان على القدس، أن تقدم نفسها، بثوب السلطة المطيع والأمين للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي والتي تجتهد لقمع أي ظاهرة من مظاهر المقاومة في مدن الضفة.
فأية أخلاق يملكها ممثل المجتمع الدولي؟ أين مشاعر الاشمئزاز والفزع والهول أم أنها لا تصلح لوصف دماء شهداء نابلس وغزة التي تمر ذكرى محرقتها، التي ستبقى تؤرق أخلاق هذا العالم المزيفة تماما مثلما ستبقى دماء الآلاف والمئات من أطفال فلسطين الذين لا مكان لهم في ضمير العالم المتحضر، ونسأله ليخبرنا من الذي يحدد براءة الشعب المحتل، هل هو الاحتلال أم القانون الدولي والإنسانية التي يطالبنا الالتزام بها؟