هل سيوافق الرئيس عباس على ما سيعرض عليه؟../ مصطفى إبراهيم*
"إن اللقاء مع الرئيس بوش كان جيداً ومثمراً، وكانت زيارة مهمة لأننا مقبلون على مرحلة جديدة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية"، هذا الحديث للرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء استقباله وفد من رجال الدين المسلمين والمسيحيين بمناسبة عيد الفطر السعيد.
وأضاف "أن أهم ما سمعناه من بوش هو أن الجانب الفلسطيني قام بواجباته، هذه أول مرة نسمعها من الإدارة الأمريكية".
الرئيس عباس سعيد بما سمعه من الرئيس بوش ليس لأن اللقاء كان مثمراً ومهماً فقط، بل لأن التقرير الذي سترفعه إدارة بوش للإدارة الجديدة القادمة بعد الانتخابات سوف يكون إيجابياً، وسيتيح لها التعاطي بسرعة مع ملف القضية الفلسطينية من دون انقطاع، وهو سعيد لأن الرئيس بوش عبر عن رغبته في الوصول إلى اتفاق سلام، وأن يحتفل الشعب الفلسطيني بإنشاء دولته في العام القادم.
وتطرق الرئيس عباس إلى حديث أولمرت الأسبوع الماضي حول رؤيته للمفاوضات الفلسطينية والسورية، وأن الأخير بات على قناعة أن السلام مع الفلسطينيين والسوريين أمر ضروري ويتطلب تنازلات، حيث علق الرئيس عباس على ذلك بأنه لو طبق لتوصلنا إلى حل خلال يومين، وان فرصة السلام هذه ثمينة يجب على إسرائيل أن لا تضيعها.
لكن الرئيس لم يدقق في حديث أولمرت الذي لم يعترف بحق الفلسطينيين في وطنهم، ولم يأت على ذكر الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،حيث قال: "إن قلبه يحترق على كل ذرة تراب يتم التنازل عنها من أرض إسرائيل"، وأضاف "إن الأرض لا تحمل في باطنها خطابات جد جد ياسر عرفات بل التاريخ الإسرائيلي منذ 2000عام".
يتزامن ذلك مع ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول العرض الذي تقدم به أولمرت للرئيس عباس، وكذلك الضغوط التي تمارس عليه للقبول باتفاق يتم التوصل إليه، وطلب أولمرت أن يتم تأجيل الاتفاق إلى أن تستقر الأوضاع في المنطقة.
وحسب ما تم نقله فإن أولمرت عرض على الرئيس عباس حصول السلطة الفلسطينية على مناطق في الأغوار مقابل ضم إسرائيل للتكتلات الاستيطانية الرئيسية " غوش عتصيون" و " آرئيل" و" معليه آدوميم".
وحسب ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي فإن المناطق التي عرضها أولمرت للمبادلة، هي في منطقة قطاع غزة وجنوب الخليل، وفي منطقة خصبة قرب بيسان، ومناطق في الأغوار بما في ذلك المستوطنات اليهودية".
واعتبر مراقبون عرض أولمرت أن منطقة الأغوار ليست مناطق فلسطينية محتلة، ويعرض منها مناطق للمبادلة بالتكتلات الاستيطانية، حيث تقوم إسرائيل بفصل منطقة الأغوار عن الضفة الغربية، واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة يمنع الفلسطينيون من دخولها، وتقام البوابات والحواجز العسكرية على مداخلها.
تطابق ذلك مع ما نشرته وكالة "سما" الإخبارية المحلية الأسبوع الماضي، نقلاً عن مصدر فلسطيني مقرب من الرئاسة الفلسطينية أن ضغطاً أمريكياً وإسرائيلياً يمارس على الرئيس عباس من اجل القبول باتفاق إعلان مبادئ فلسطيني إسرائيلي يتضمن الخطوط العامة لاتفاق، قبل رحيل الرئيس بوش، وأولمرت، وأن دولتين عربيتين حاولتا الضغط على الرئيس عباس من اجل القبول باتفاق إعلان مبادئ مع الجانب الإسرائيلي.
ويأتي ذلك مع ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر فرنسية أن هناك ضغوطاً أمريكية تمارس على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للقبول بتوقيع بيان أو وثيقة قبل إنتهاء ولاية الرئيس بوش تتضمن الانجازات التي تم تحقيقها في مفاوضات السلام التي أطلقت منذ مؤتمر "أنابوليس".
هذا ما تناقله بعض وسائل الإعلام، وما أكدته صحيفة "هآرتس" العبرية في عددها الصادر بتاريخ 2/10/2008، أن ممثلين عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية، واللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، ومصر والأردن، وفرنسا بصفتها رئيسة الاتحاد الأوروبي سيلتقون منتصف الشهر المقبل في شرم الشيخ المصري، لتلخيص مرحلي للمفاوضات التي بدأت قبل عام خلال مؤتمر "أنابوليس" بين الفلسطينيين وإسرائيل حول قضايا الحل الدائم .
وحسب ما نقلته "هآرتس" فإن مؤتمر الشهر القادم في شرم الشيخ هو حل وسط بين الولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، بعد فشل محاولات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إقناع الأطراف ببلورة وثيقة تتناول المرحلة التي بلغتها المفاوضات خلال عام.
واقترحت رايس وضع " قائمة مخزون" تتطرق إلى كل واحدة من القضايا الجوهرية المتعلقة بالحل الدائم، الذي رفضته إسرائيل بإدعاء أن إعداد وثيقة كهذه من شأنه أن يؤدي إلى تراجع في مواقف الجانبين وسيلحق ضرراً بالمفاوضات.
وأضافت "هآرتس" أن من شأن هذا الأمر أن يدفع الجانبين إلى تصليب مواقفه إلى درجة ليظهر انه لم يتنازل عن أي شيء.
ونقل عن "هآرتس" أيضاً، أن تسيبي ليفتي نجحت في إقناع رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني أحمد قريع بمعارضة إعداد " قائمة مخزون" أيضاً.
الرئيس عباس مقتنع تماما أن اللقاء مع بوش كان مثمراً ومهماً وأن الجانب الفلسطيني قام بواجباته، وهو مقتنع أن الوعد بالحل نهاية العام قد تم تمديده إلى العام القادم، وثقته بالرئيس بوش ما زالت عالية، حيث تعهد له بمواصلة العمل معه خلال الأربعة أشهر المتبقية من ولايته لتحقيق الوعد، وعبر له عن رغبته في الوصول إلى اتفاق سلام، وأن يحتفل الشعب الفلسطيني بإنشاء دولته في العام القادم.
فهل الثقة الزائدة بالرئيس بوش وقناعاته بأن المفاوضات هي الخيار الوحيد للحل ستعجل من موافقة الرئيس عباس على ما يعرض عليه خاصة "اتفاق الرف" الذي عرضه عليه أولمرت؟
من خلال معرفتنا بالرئيس عباس وقناعاته من أن الطريق الوحيد لحصول الفلسطينيين على حقوقهم هو المفاوضات ولا خيار آخر لديه غير ذلك، ومن غير المستبعد من خلال ثقته الزائدة بالإدارة الأمريكية، والرئيس بوش ووعده وتعهده، وأخيراً رغبته في الوصول إلى اتفاق سلام، أن يوافق بناء على نصائح الأمريكيين والأوربيين، على رغم تعنت الإسرائيليين الذين يصرون على الرفض والتنكر للحقوق الفلسطينية المشروعة، ولن يتم الحصول على الحقوق الفلسطينية والرئيس عباس ما يزال يؤمن بالمفاوضات خياراً إستراتيجياً، والاستمرار في الانقسام.