هل هي فعلا أزمة قيادة في إسرائيل؟!../ خالد خليل
نقد القيادة في إسرائيل يحتل حيزا كبيرا في الإعلام العبري، وخاصة من قبل كتاب مصنفين في مركز الخارطة السياسية والإعلامية ويعبرون عن شرائح وقطاعات واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي، وتحديدا العلمانية منها وفقا لما درجت عليه استطلاعات الرأي الإسرائيلية في هذا الصدد.
وتكفي مراجعة سريعة للصحف والمواقع العبرية لتبيان مدى اتساع هذه الظاهرة من خلال الحديث عن الأخطاء المتتالية للقيادات الإسرائيلية، وإبداء الضعف والتلبك في حل الأزمات السياسية، علاوة على مراكمة ارتكاب الحماقات التي عمقت مؤخرا من عزلة إسرائيل الدولية واستحضرتها بقوة في دائرة النقد والضغط الدوليين.
في حين يرى البعض أن جذور أزمة القيادة بدأت في أعقاب حرب 73، يعيد معظم المحللين بدايات الأزمة الحقيقية إلى مقتل رابين عام 1994. وقد تعمقت هذه الأزمة بعد الانسحاب الاضطراري للجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، وازدادت حدة بعد كسر مقولة الجيش الذي لا يقهر في حرب لبنان الثانية عام 2006.
ولا شك أن الملاحقة الدائمة لحكام إسرائيل جراء ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في غزة، ومواصلة تجنيد الرأي العام ومناصري حقوق الإنسان في العالم، ساهمت كثيرا في كشف حالة من العجز والارتباك تهيمن على سلوك القيادة الإسرائيلية، مما يدلل فعلا على وجود أزمة جدية لديها على مستوى إدارة الصراع السياسي في ظل حدوث تغيرات دراماتيكية على الساحة الإقليمية، منها تصاعد قوة إيران وتعزيز المحور السوري الإيراني، إضافة إلى الإصرار التركي على لعب دور إقليمي يتناسب مع قوة تركيا ومكانتها الجيوبوليتيكية.
في الوقت ذاته لا يمكن الحديث عن أزمة داخلية مماثلة، خاصة وأن القيادات الإسرائيلية سجلت نجاحات كبيرة على الصعيد الاقتصادي حتى في ظل الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم.
وعلى الصعيد الاجتماعي والسياسات الداخلية والخارجية تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى ارتفاع ثقة الجمهور الإسرائيلي بقياداته رغم فتح ملفات جنائية لعدد كبير من هذه القيادات بتهم الفساد والرشوة وما شابه.. لا بل هناك نفور من غياب المعارضة في الخارطة السياسية الإسرائيلية من قبل بعض الناقدين.
ومن الملفت أن المجتمع الإسرائيلي هو من أكثر المجتمعات التفافا حول قياداته خاصة في فترات العزلة الدولية. وهذا ما يعزز مواقع هذه القيادات ويشجعها على التمترس في مواقعها ومواقفها حتى تلك التي لا تعجب الرأي العام العالمي.
إذن من الصعب تشخيص الحالة الإسرائيلية في إطار ما يسمى بأزمة قيادة، لكن لا يمكن في الوقت ذاته التغاضي عن وجود هذه الأزمة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية حتى وإن لم يكن ذلك من وجهة نظر الرأي العام الإسرائيلي بتياراته المركزية.
هناك قناعات نافذة في أوساط القيادة الإسرائيلية أن المعيار الرئيسي المحدد لسلوكها السياسي هو الرأي العام المحلي أولا، والمصلحة الأمنية والاقتصادية ثانيا، والرأي العام العالمي ثالثا. لذلك نراها تتعامل مع الأمور وفقا لهذا التدرج، فتركز على تجنيد الرأي العام المحلي في مواجهة الرأي العام العالمي، وتحدد أولوياتها على هذا الأساس.
ومن الواضح أن غالبية الرأي العام الإسرائيلي تضع المسائل الأمنية والاقتصادية في رأس سلم أولوياتها داخليا وخارجيا، وهذا ما يفسر تحول التحريض ضد العرب في إسرائيل والمنطقة إلى ظاهرة شعبية طاغية على المجتمع الإسرائيلي بمركباته المختلفة والمتناقضة أحيانا.
وإذا كانت القيادة الإسرائيلية حققت نجاحات كبيرة في توفير اقتصاد قوي ومتماسك ينعكس بمستوى معيشة عال من جهة، وحافظت في الموضوع الأمني والسياسي على تماسك وانسجام كبيرين مع جمهورها العريض من خلال تكريس وترسيخ نظرية القوة والتفوق كشرط للاستمرار والتطور، أو بكلمات أخرى كشرط لمواصلة وظيفتها الكولونيالية، فإنها مرشحة للتوعر في خطوات أكثر خطورة ستؤدي إلى إشعال المنطقة وسيؤيدها الجمهور الإسرائيلي بغض النظر عن النتائج. وفي هذه الحالة أيضا لن تكون الأزمة أزمة قيادة بقدر ما هي أزمة نظام ومجتمع، ربما تعتبر صفة المروق من أهم مميزاته.
وكما أكدنا في مرات سابقة أنه ما لم تنشأ حركة شعبية إسرائيلية واسعة معادية للاحتلال والظلم والطغيان الذي سببه الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما لم تخرج الغالبية اليهودية من قوقعتها العنصرية، فإن الحديث عن التغيير واختراق الشارع الإسرائيلي يبقى من باب الوهم. وهذا بالطبع يستلزم نشوء قيادات جديدة تحمل رؤى واستراتيجيات مختلفة في الأمن والسياسة والاجتماع.