أعتقد أن كثيرين رأوا "بشرى سارة" بإطلاق النار على سيارة الشرطة قبل أيام في دير الأسد، وذلك أنه قد يحث الشرطة على العمل بجدية أكبر في معالجة قضية العنف.

يجب أن لا نبني الكثير عليها، لأن السياسة لن تتغير بهذه البساطة، فهي منهجية وتحمل في طياتها إستراتيجية سياسية مبنية على تخريب مجتمعنا، ولهذا يجب أن نواصل معركتنا، وأن نكون نحن قادة الأمن والشرطة والجيش والجنود.

إلى جانب العنف والمظاهر السلبية، يوجد ظواهر إيجابية بناءة، ممكن لها أن تسهم ولو بجزء بسيط في شق الطريق نحو مجتمع أكثر أمنًا وتقديرًا للقيم الإنسانية، وأكثر حرصًا على أبنائه.

إحدى الظواهر الجميلة هي نوادي القراء التي تستضيفها العديد من المكتبات العامة في جميع المناطق.

مثل هذه النوادي موجود في نحف ومجد الكروم وطرعان وكوكب أبو الهيجاء وكفر كنا وطمرة وشعب ودير الأسد والناصرة ودبورية وإكسال، وأعتقد أن هناك مثل هذه النوادي في عدد آخر من القرى والمدن العربية، نأمل أن تنتشر أكثر حيث لا توجد، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من نهج حياة ذي جودة ومعنى.

أهمية هذه النوادي رغم عدد مشتركيها المحدود، أنها لَبِنات لتوجّه اجتماعي مختلف عن السائد، نجد فيها رجالا ونساء ذوي ثقافات متفاوتة، نجد طلابا وعمالا وموظفين ورجال أعمال وحزبيين وغير حزبيين.

إضافة الى الآداب العربية والعالمية، تسهم هذه النوادي بتعريف المشتركين على الكُتّاب والأدباء المحليين ومؤلفاتهم. كثيرًا ما نسمع بكاتب محلي ولا نعرف عنه شيئا، أو عن ظروف كتابته لعمل ما.

تكتسب هذه النوادي أهمية أكبر عندما يشارك فيها طلاب في المرحلة الثانوية، فهذا يعني شقّ طريق للجيل الصاعد نحو نشاطات وبدائل إيجابية، ليكونوا أكثر حرصًا على تطوير أنفسهم ومجتمعهم.

هذه النوادي في المكتبات العامة مستقلة عن الأطر الحزبية، أو النوادي التابعة للأطر الحزبية بشكل غير مباشر، الأمر الذي يتيح لمختلف فئات المجتمع والانتماءات السياسية أو اللاانتماءات المشاركة فيها، وبغض النظر عن انتماء المؤلفين أو فلسفاتهم في الحياة، هذا يعني التعامل مع الأدب بموضوعية من دون أيديولوجيا مسبقة، ودون ارتباط بدور نشر معيّنة لاعتبارات شخصية أو تجارية.

مساء أمس الأحد، ناقش نادي قراء مجد الكروم بمشاركة قراء من عدة قرى رواية "رهين الجسد" بحضور مؤلفها الكاتب فادي أبو شقارة من طرعان.

في البداية ظننت أن التقريظ الذي حظيت به الرواية هو مجاملة للكاتب بسبب وضعه الجسدي، فالكاتب مُقعد وذو إعاقة، رغم أنه شاب، فهو يبدو كطفل صغير في عربته التي لا يستطيع الابتعاد عنها بقواه الذاتية.

قرأت الرواية لإبداء رأيي فيها، فاكتشفت أنه عمل أدبي من عيار جيّد جدًا، قريب جدًا من السيرة الذاتية، لم يتهرّب الكاتب من محنته، بل اختار أن يكتب عن حالته، فسخر من وضعه لدرجة إضحاك القارئ من نفسه، فهو يعتبر أن الضحك وسيلته وسلاحه كي يستطيع مواصلة الحياة.

طرح الكاتب مواقف كثيرة مضحكة عن طريقة تعامل الناس مع حالته، يبدأ في تشريح حالته منذ ولادته، تارة على لسانه وتارة على لسان والدته ووالده وشقيقه وغيرهم من شخصيات الرواية.

هناك مواقف محزنة وأخرى مضحكة، هناك من يسأله إذا ما كان والداه أقرباء بالدم وهذا سبب تشوهه، أم أن والده مدمن على السموم. إحداهن سألته إذا ما كان يأكل الجوافة. لم يفهم العلاقة بين الجوافة وحالته، إضافة إلى أن البعض يتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم عندما يراه على العربة، فيسأل نفسه: هل أنا هو الشيطان الرجيم؟

في الرواية أسئلة وجودية مهمّة، "يقال إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه"! يتساءل: ألا يوجد أسلوب أفضل للاختبار؟ وماذا لو كرهني الله؟ ماذا سيحلُّ بي بعد؟

كذلك يتساءل هل سيحاسبني الله يوم القيامة على أفعالي، أم أنه سيعوضني عن هذا النقص والمعاناة ويدخلني الجنة بلا حساب كتعويض عن حياتي القاسية؟

بعد انتظار طويل، يحضرون له العربة ليتنقل عليها، فيكتشفون أن بطاريتها فارغة، الأمر الذي يؤدي إلى تأجيل بداية حياته على العربة. لم يتفاجأ، فهذا حظّه. يرفض ارتداء الحفاظات، ويقرر حبس بوله طيلة ساعات مكوثه في المدرسة، والنتيجة تكون أن يتماسك حتى آخر النهار، أو أن يخرج مبكرًا بعد موافقة السكرتيرة، "فلا أحد يريد تحمل نتيجة قنبلة نووية بولية". وفي أحيان أخرى تكون النتيجة سيئة إذ يصل البيت متأخرًا.

يسخر ممن يرتبكون من اختيار اسم لحالته، هل هو معاق أم من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتساءل: هل تقولون للسمينين مثلا ذوي الدهنيات الزائدة أو ذوي السكر العالي أو ذوي القامات القصيرة؟

رغم كل الإحباطات، يؤكد أن "هذه حربي الخاصة، لن يساعدني أحد لأجلب النصر، أنا وزير الأمن، وأنا وزير الدفاع، ووزير الحرب وقائد الجيش سأخوضها وحدي وسأنتصر بها لوحدي".