أقدم شابان عربيّان خلال الأسبوع الماضي على وضع حدٍ لحياتيهما، أحدهما من الشمال والآخر من الجنوب، مسبّبِين بهذا ألمًا وحسرةً لذويهما ولكل من يعرفونهما، ولا سيما أنهما وضعا حدا لحياتهما وهما في مقتبل عمريهما.

ليس سهلا أن يصلَ الإنسانُ إلى هذا الخيار، ولا بد أن يكون قد مر بضغوطات أقوى من قدرته على التحمّل والتفكير السويّ فدفعته إلى هذه النتيجة المأساوية. عموما فإن أسبابًا مثل هذه المآسي تكون نتيجة لضائقة مادية ومعنوية شديدة.

هناك ضغط كبير على الشبان في الدراسة الجامعية لتحصيل علامات ونتائج أفضل، قد تفوق قدرات بعضهم، أو الضغط عليهم بهدف حثهم على التحصيل المادي بشكل أكبر، وهذا يؤدي إلى حصر تفكيرهم في بؤرة واحدة، هي الخوف من الفشل، هذا الخوف والقلق والعجز عن تلبية الطموحات المرجوة يتضخم في وعيهم وكأنه كارثة أو نهاية العالم.

الحقيقة أن شعبنا كله يمرُّ في ضائقة ولكن في درجات متفاوتة، وهذا خاضع للتقسيمات الجغرافية والسياسية وظروف المعيشة، ولا شك في أن الظرف السياسي المتقلّب وعدم الاستقرار وغموض ما يحمله المستقبل، له دور في الشعور المُحبِط، وخصوصا بعد إطلاق نتنياهو وترامب لصفقة القرن ليضفيا مزيدًا من التشاؤم والظلمة على المنطقة عمومًا وعلى شعبنا بشكل خاص.

أحد أسباب الإحباط المتزايد، هو اتساع الهوّة بين مستوى الحياة العام المرتفع في إسرائيل، ومستوى الدخل المنخفض نسبيًا لدى الأسر العربية، وهذا يدفع مزيدًا من الأسر إلى الضائقة المادية والنفسية، إذ يجد كثير من الشبان أنفسهم بين مطرقة مستوى الحياة المرتفع والدخل المنخفض، فيلجأ بعضهم إلى الكسب غير المشروع، وكثيرون منهم يتوجهون إلى القروض التي تعطيها البنوك لسد العجز، ولكنه حل مؤقت على أمل المناورة حتى يتحسّن الوضع، وغالبًا ما تكون النتيجة عكسية، ولكن الأخطر هو لجوء بعضهم إلى شركات القروض الخاصة، فيتورّطون ومعهم أسرهم، إذ أن نسبة الربا تصل إلى أضعاف مضاعفة من النسبة التي تجبيها البنوك، ويجد بعض الأهالي أنفسهم أمام حقيقة مرّة عندما يكتشفون متأخرًا تورّط أحد أبنائهم مع قروض السوق السوداء وشروطها الإعجازية، وهذا سبب كاف للبؤس لسنوات طويلة.

قبل أيام أخبرني صديق عن تورط قريب له بحوالي سبعين ألف شيكل من السوق السوداء، الأسرة الآن في مأزق وتحاول إنقاذ ابنها ونفسها من نتائج مأساوية.

كي نواجه مستوى الحياة المرتفع، يجب أن نعترف أولا بأن دخل معظمنا أقل من المتوسط العام، وعليه فإن نهج حياتنا أيضا يجب أن يكون متواضعًا، فلا يعقل أن أصرف أكثر من دخلي معتمدًا على القروض، تحت شعار غيري ليس أحسن مني! هذا التواضع لا يلغي الحق في النضال بكل الطرق الجائزة والمشروعة لتحسين مستوى الدخل من خلال المساواة في الفرص.

علينا الاقتناع وإقناع أبنائنا بأن السبب الحاسم في وضعنا المتردي هو السياسة العنصرية الممنهجة، وليس تقصيرهم هم ولا تقصيرنا تجاههم حتى وإن وُجد بعض التقصير، ولهذا فواجبنا أن نتحدى كشعب واعٍ يتعرض لسياسة إفقار، والحل يكون من خلال العمل كشعب له حقوقه وليس كأفراد، ولا بـ"فلهوة" هذا أو ذاك.

علينا توعية الشبان بأنهم ينتمون إلى شعب يمرُّ في ظروف غير طبيعية، ولهذا فإن وضعهم لن يكون أبدًا بمعزل عن قضية شعبهم الشاملة.

يجب أن نكون واقعيين، والواقعية تتمثّل في مواجهة الخطر وتحديه وليس بالتهرب منه. والتهرّب من المسؤولية تحت شعار الواقعية أو تحت شعار الخلاص الفردي هو هروب يؤدي إلى المزيد من التدهور في وضع الجميع.

كي نواجه الأزمات المتصاعدة، يجب أن نسلّح أنفسنا والشباب بالوعي الجماعي بالسبب الأساسي لمشاكلنا، فمنذ النكبة لم تواجهنا مخاطر مثلما تواجهنا في هذه الحقبة التي تعصف في المنطقة والعالم الذي يقوده ثور هائج.

مهمتنا الوطنية في هذه الظروف الحالكة هي تربية الأمل لدى كل فرد وأسرة، والحفر في جدران الظلام من خلال العمل الجماعي والانخراط في مواجهة العنصرية والكراهية في كل الساحات والميادين، ثقافيًا واجتماعيًا وفنيًا وسياسيًا وفكريًا وتنظيميًا، كي لا يشعر أحدٌ بالعزلة، وكي لا نترك أحدًا وحيدًا في مواجهة واقع مرير، هناك عائلات أنهكها الفقر وأخرى منكوبة هُدمت بيوتها، يجب أن يتحسن الأداء التضامني مع هذه الأسر وعدم تركها نهبًا لمشاعر العجز والإحباط.

يجب أن ننفض حالة اللامبالاة تجاه قضايانا الكبيرة من حياتنا، وآخرها صفقة القرن التي تمسّ بنا فردًا فردًا، وأن يأخذ كل واحد منا همّ أخيه كما لو كان همّه الشخصي، حينئذ سيتحطم على صخرة وحدتنا ووعينا كل ما يرسمونه لنا في غرف نفوسهم اللئيمة، تهربّنا سيجعلنا ندفع الثمن أضعافًا مضاعفة، كما في السوق السوداء.

اقرأ/ي أيضًا | التعددية الفكرية قرار إلهي