حرب قد بدأت ولم تنته بعد، رغم الحملات الإعلامية التي حاولوا من خلالها تسويق أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. حرب كشفت ما لم يعرف من مواقع القوة والضعف عند أطرافها، أهمها أن إسرائيل غير قادرة على خوض معركة طويلة ومتواصلة، لأنها غير مبنية لذلك، وغير قادرة على الصمود فترة طويلة في معركة وحرب مفتوحة، لذا تسعى كي تكون الحرب خاطفة، قصيرة ومؤلمة، فتزرع الخوف والرعب في الطرف الآخر.

أربعون عاماً على احتلال اسرائيل للأراضي العربية الفلسطينية والسورية، يمكن اختصارها، عربيا، أنها سنوات عجاف من القهر والظلم والإضطهاد والحصار والتجويع، والمساس في حياة الناس وكرامتهم وحقوقهم، وممارسة منافية للأخلاق والإنسانية، والأعراف والمواثيق الدولية. وهي عربدة دونما رادع، واعتداءات منهجية وتنكر وتجاهل لقرارات الأمم المتحدة التي صدرت بخصوص الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

أربعون عاماً من احتلال، لا يقابله مشروع تحرير جدي، حتما سيفضي إلى تعاظم الغطرسة الإسرائيلية حتى باتت لا ترى مقابلها أي شريك للحل. من ناحيتها، ينبغي على شريكها المفترض أن يكون مفصلا على مقاس السلام الاسرائيلي الذي تسعى لتحقيقه، والداعي الى المحافظة على الكتل الإستطانية، وإبقاء القدس موحدة عاصمة لإسرائيل بسيادة كاملة والجولان بيدها، وبالحد الأدنى "مستأجراً لها"!!، فيما يتعين على الطرف العربي الكف عن التحدث في قضية اللاجئين الفلسطينيين، فذلك أصبح من المحرمات ومن شأنه أن يزعج الإسرائيلي ويغضبه.

والأنكى من ذلك أن أطرافا عربية كثيرة قد استبطنت هذه المعادلة وصارت تنصح بعدم طرح الموضوع، خوفاً من رفض إسرائيل العودة إلى طاولة المفاوضات، وكأن المفاوضات أصبحت هدف سياستهم وليست وسيلة من أجل التوصل الى حلول لما انتجته النكبة والإحتلال الاسرائيلي!! ولسان حال هؤلاء يقول للمتمسكين بحق العودة، هل تريدون أن تجعلوا السفينة تبحر في اليابسة، أو تريدون أن تجعلوا العجل يسير في البحر!!؟ ومن هذا الخروب عنا كثير في العالم العربي وعند الشعب الفلسطيني "سدة مليانة"!!.

المتغيرات السياسية، والإقتصادية، والظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني تستغل أمريكياً واسرائيلياً من أجل فرض سلام، ينسجم مع الرؤية الإسرائيلية الأمريكية للسلام. بيد أن خلق هذه الظروف هو إجراء واع ومركب ضروري للخطة الإسرائيلية التي تهدف لكسر شوكة الشعب الفلسطيني أو زجه في أتون حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.

وبدلاً من مواجهة هذه الحالة المخطط لها، بوحدة صف مؤسسة على استراتيجية واحدة وخطاب سياسي جامع يمثل المصالح العليا للشعب الفلسطيني، واعتماد سياسة نضالية عقلانية تشمل ضبطا لإيقاع المقاومة، ومن ثم جعل كل هذه العوامل توظف في خدمة الهدف الأساس والرئيس في نضال شعبنا الفلسطيني ألا وهو إنهاء الإحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كل الأرض التي احتلت عام 1967، كحل وسط فيه الكثير من التنازل الفلسطيني ولكنه يمثل ما اتفق عليه فلسطينياً، عربياً ودولياً، نجد ولشدة حزننا الفوضى العارمة مستشرية والرقص على أنغام المخطط الإسرائيلي على أشده.

وهنا أعتقد أن على قيادات الشعب الفلسطيني الإتفاق أولاً على هذا البرناج ضمن رؤية شاملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تشمل تقسيم الأدوار بين أجزاء الشعب الفلسطيني في مواقعه الثلاثة المختلفة جغرافياً وسياسياً. بدلاً من الاحتراب والاقتتال الذي لا يخدم سوى المحتل.

1- عرب 48 (كما يسمون في العالم العربي) أي الفلسطينيون الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية:

نرى دورهم هو النضال من أجل المواطنة الكاملة من خلال تفجير التناقض الكامن في طيات الدولة الاسرائيلية، وتطويره إلى نقاش داخل المجتمع الاسرائيلي، طارحين رؤية مفادها أن إسرائيل يجب أن تتحول إلى دولة لجميع مواطنيها، وأن تكون "ديمقراطيتها" مستندة إلى المواطنة في تعاملها مع الفرد وليس إلى الإنتماء الإثني أو الديني!! بمعنى إسقاط الصبغة اليهودية عن إسرائيل. وما ظاهرة "افراهام بورغ" وتصريحاته وكتابه "النصر على هتلر" إلا مؤشراً وبداية لانتقال هذا الخطاب، الذي بدأه التجمع الوطني الديمقراطي - إلى الشارع اليهودي.

في هذا السياق أستذكر أحداث جلسة فريدة مع المستشار القضائي للحكومة روبنشطاين عام 2001 (اليوم قاضي في المحكمة العليا) عقدت بناءاً على طلبه من لجنة المتابعة، وذلك على خلفية مقالات وخطابات الدكتور عزمي بشارة بهذا الخصوص، وقد حضرها السيد شوقي خطيب رئيس لجنة المتابعة والدكتور حنا سويد رئيس مجلس عيلبون آنذاك، وكاتب هذا المقال كرئيس لمجلس محلي كفركنا، وكعضو في لجنة المتابعة وقتها. في هذه الجلسة استمعنا إلى كلام مغموس بالعنجهية والعنصرية، فتوجهت إليه خلال مداخلتي مؤكدا أن موضوع دولة المواطنين هي رؤية مستقبلية طرحها د.عزمي بشارة والتجمع برنامجاً سياسياً وتمثل صيغة عملية للعيش الكريم في هذه الدولة. حيث ينبغي إقرارها أولا بواسطة الأكثرية اليهودية وليس الأقلية العربية. وأضفت أنها ستصبح عاجلاً أم آجلاً محورا للنقاش العام في الدولة. حينها سيتم الحسم، وسيكون دورنا كأقلية عربية دعم هذا التوجه، وستصبح دولة إسرائيل دولة المواطنين وليست دولة اليهود. فقط حينذاك تتحقق الديمقراطية والمساواة والعدل بين المواطنين. فدولة المواطنين هي حل وسط قبلناه نحن المواطنين العرب مع الدولة، التي صادرت أرضنا، وهجرت أهلنا وتميز ضدنا وتعتبرنا مواطنين من الدرجة الثالثة.



2- فلسطينيو الضفة والقطاع:-

على أكتاف أهلنا في الضفة والقطاع ملقى القسط الأوفر في مهمة بناء وتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كحل وسط تاريخي مع الدولة العبرية، وتحويله بيتاً وطنياً للفلسطينيين، تتجسد فيه تطلعاتهم ويصبح بمثابة الظهر- للنضال الوطني الفلسطيني من أجل إحقاق كافة حقوقه المشروعة، والتي لم تؤخذ بعين الإعتبار في هذه الحقبة التاريخية، سواء كانت متعلقة بـ عرب 48 أو أولئك المتواجدين في الشتات.

إن الاتفاق على برنامج نضالي يتركز في إنجاز هذا المشروع هو أمر ضروري، لأن النضال غير المنضبط والمتعدد الألوان والأهداف يجعل منه عملية عبثية تقود إلى الإحباط والتراجع، وتقود أيضاً إلى الإقتتال والاحتراب الذي سيدفع بالشعب الفلسطيني إلى اليأس والانهيار. من هنا فإن القيادات الميدانية والسياسية الحالية في الضفة والقطاع والخارج، تتحمل جميعها المسؤولية للإقتتال الفلسطيني، لأن هذا الإقتتال هو تحصيل حاصل للحالة الصعبة التي أوصل إليها القادة السياسيون والميدانيون أبناء شعبنا، وهنا أقصد قيادات التيارات المختلفة والمتمثلة بتياري التسوية والتشدد أو الرفض، لأنهم يلعبون على إيقاع مخططات المحتل وبموجب القواعد التي يقرها للعبة السياسية هناك.

فالخلافات والصراعات والاحتراب هو نتيجة حتمية لغياب برنامج حد أدنى تتفق عليه كافة الفصائل يشمل ويضبط عملية النضال بكافة جوانبها، خدمة للهدف المنشود، ألا وهو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.


3- فلسطينيو الشتات وهم ضحايا النكبة عام 1948:-

إن حقهم في العودة أمر طبيعي ويجب أن لا يكون مطروحاً للمساومة، وعليهم هم بالأساس، ملقاة مسؤولية كبيرة في العمل والنضال وتصليب الإرادة من أجل عودتهم، في حين يتحتم على كافة الفلسطينيين، أينما تواجدوا، دعم هذا التوجه الأصيل. مثل هذه الأهداف العظيمة تتحقق عبر رؤية شمولية تراعي أبسط التفاصيل وتتطلب أعلى درجات التنسيق بينهم وبين الدولة العتيدة في الأمور المتعلقة في كيفية ابتداع آليات نضالية فعالة، وقيادة حركة الصراع بحيث تتلاءم مع الظروف السائدة التي تلف المنطقة والعالم وشعبنا الفلسطيني، وعدم إغفالها كي يكون نضالنا مؤثرا، وقادرا على التحقق.

سؤالي المطروح أمام هؤلاء الأخوة هو: هل يعقل أن تظل لجان العودة، التي تقام في كل موقع، مبعثرة ومتصارعة وتكرس الخلافات الميدانية والمؤسساتية المتأثرة بعوامل خارجية في داخل الجسم الفلسطيني؟!. هل يمكن لهذا التوجه أن يعطي أقل النتائج المرجوة أم أن توحيد جميع لجان العودة هو الأكثر فعالية وتأثيراً؟؟ ألم يحن الوقت لتوحيد جهود العودة باستعمال كافة الأساليب النضالية والقانونية المتاحة جنبا إلى جنب مع النضال الفلسطيني الجاري!؟ هل تم فحص إمكانية تقديم الشكاوى إلى محكمة العدل الدولية ومراقبة قراراتها للأفراد والجماعات بخصوص حق العودة إلى بيت الوطن!!.

فهنالك محكمة العدل الدولية، وهناك مؤسسات الأمم المتحدة العديدة التي يجب استغلالها من أجل هذا الهدف!! هل استعمل هذا من قبل الافراد والجماعات المختلفة ؟؟؟ هل يركز فلسطينيو الشتات على المجتمع المدني في العالم الأول والثاني من أجل دفع القضية إلى الأمام!!؟؟.
فهناك حاجة ماسة لتجديد أساليب النضال بما يلائم المعطيات الجديدة عربياً فلسطينياً وعالمياً، خاصة في المجال السياسي والقانوني!!.

نعم على الفلسطينيين مناقشة قضاياهم الصعبة بجرأة وشجاعة وصراحة، بدلاً من الاقتتال وحرب أهلية تجهض التضحيات والآمال التي حلم ويحلم بها كل فلسطيني بعد ستين عاماً على النكبة، وأربعين عاماً على حرب حزيران التي لم تنته بعد.