في السباق إلى البيت الأبيض، يستبيح المرشحون كل المقولات من أجل استرضاء الناخب الأميركي، ما يفعله المرشح الجمهوري ماكين، ومنافسه المرشح الديمقراطي أوباما لا يخرجا عن هذه القاعدة الذهبية المتداولة في كافة اشكال الانتخابات في كل مكان، الا ان المرشحين للرئاسة الاميركية يتجاوزون هذا التقليد لاسترضاء 4 في المئة من الناخبين الاميركيين، وهي نسبة اليهود الذين لهم حق الانتخاب في الولايات المتحدة، وفي هذا السبيل يعتبر استرضاء اسرائيل، الشغل الشاغل لكل مرشح، والامر لا يعود الى النسبة المذكورة فحسب، بل الى مستوى الدعم المادي والتبرعات المرجوة من خلال هذا الاسترضاء، اضافة الى الوصول الى مراكز التأثير على الرأي العام، اذ ان معظم وسائل الاعلام الاميركية من صحف وقنوات فضائية، يمتلكها يهود، الامر الذي يجعل نسبة الـ4 في المئة، تصل إلى اضعافها من حيث التأثير على الناخب الاميركي، من هنا فلا عجب من ان معظم التصريحات الصادرة عن ماكين وأوباما والخاصة بالسياسة الخارجية تتركز حول اسرائيل، ما يجعل السباق نحو البيت الأبيض مجرد "كناية" عن سباق لاسترضاء الدولة العبرية.

وقبل ان يصل أوباما إلى اسرائيل اليوم، استبقه ماكين بتصريح يدعو فيه الولايات المتحدة واوروبا إلى منع ما دعاه "بمحرقة جديدة ضد اليهود" وذلك من خلال منع التهديد الذي تشكله ايران على اسرائيل، وبهدف تعزيز موقفه المتميز إزاء الملف النووي الايراني، إذ انه لا يدعو إلى أي حوار مع ايران، في حين ان أوباما سبق وان أعرب عن استعداده للحوار مع ايران بشكل مباشر اذا ما وصل إلى البيت الأبيض.

وباعتقادنا ان أوباما يواجه مهمة صعبة في اسرائيل، فتصريحاته المتعارضة والمتناقضة ازاء الصراع في الشرق الاوسط، زادت من تشكيك الاسرائيليين بموقفه، ونال سخطهم عندما صرح مع بدء الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي في ولاية "ايوا" متعاطفاً مع الفلسطينيين وقضيتهم، وعندما حاول "اصلاح" ما أفسده لاسترضاء اليهود الاميركان واسرائيل وقع في فخ التناقض الذي استغله منافسه ماكين بالاشارة الى انعدام الخبرة السياسية لدى أوباما، ما يجعله غير أهل للثقة من خلال مواقفه المعلنة.
ولم يخيب أوباما آمال غريمه ماكين، فعندما تحدث قبل اشهر امام المؤتمر اليهودي الاميركي "ايباك" قال: ان القدس يجب ان تبقى موحدة - استرضاء لاسرائيل- لكن ردود الفعل الداخلية والخارجية، اضطرته الى التراجع، مشيراً إلى انه يقصد ان المدينة يجب ان تخضع الى مفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وتلقف اليهود الاميركان، هذا التراجع للتشكيك بمدى مصداقيته وقدراته السياسية.

مورتوف كلاين رئيس الجمعية الصهيونية في الولايات المتحدة، كان من أوائل وأبرز المشككين، وانتقده انتقاداً قاسياً ولاذعاً عندما اشار إلى ان مقولات أوباما تهدف إلى تضليل الناخب اليهودي، وذلك من خلال عدم وضوح المعتقدات والمواقف الحقيقية، مشيراً إلى ان "اسرائيل قد لا تغفر لأوباما هذه الخطيئة".

يضاف الى ذلك، هناك قسم من مسؤولي وزارة الخارجية الاسرائيلية يخشون بالأساس من ان أوباما رجل "مجهول" فهو يقول اشياء جيدة عن اسرائيل، الاّ انه لا يملك الخبرة الكافية التي يمكن من خلالها الحكم على مواقفه الحقيقية تجاه اسرائيل، خاصة وان عدداً من طاقم أوباما الانتخابي محسوب على اليسار والمعارضين لاسرائيل عموماً.

وفي محاولة للتعرف على مواقف هذا الرجل المجهول عقد رئيس مركز الابحاث السياسية بالخارجية الاسرائيلية، نمرود بركان اجتماعاً، ضم سفير اسرائيل السابق في واشنطن داني ايالون وممثلين عن دوائر اميركا في وزارة الخارجية للتداول في احتمالات وصول أوباما إلى البيت الأبيض، تحت عنوان "توجهات السياسة الخارجية الاميركية بعد الرئيس جورج بوش" هذا الاجتماع خرج بموقف يشير الى ان ليس على اسرائيل ان تقلق بأي حال، اذ ان مكانة اسرائيل واليهود لدى الرأي العام الاميركي والكونغرس قوية جداً بحيث لا يمكن لأي رئيس المس بهذه المكانة، مع ذلك فان هذه النتيجة لم تبدد القلق والتشكيك ازاء امكانية وصول أوباما إلى البيت الأبيض.

كل هذا التشكيك، يعتقد بعض الاسرائيليين، لا يحول دون الوثوق بالرجل الذي سبق وان أيد العدوان الاسرائيلي على لبنان وتدميره العام 6002، كما انه أيد الحصار والعقوبات الجماعية على الفلسطينيين، معتبراً ان قيام اسرائيل باغتيال قيادات وكوادر الفلسطينيين مجرد دفاع عن النفس، مؤيداً الانشطة الاستيطانية في الضفة الغربية.

الاّ ان الاسرائيليين قد لا يرغبون في مرشح له مواقف، ولو جزئية، لدعم القضية الفلسطينية، وهم لا ينسون ان أوباما، لم يؤيد اقامة اسرائيل للجدار الحدودي الفاصل، واعداً بجعل المسيرة السياسية لحل الصراع العربي - الاسرائيلي في رأس سلم اولوياته كرئيس، من خلال الضغط على الطرفين لاحراز تقدم عملي في المسيرة التفاوضية، الاّ ان بعض هؤلاء من الاسرائيليين يراهن على ان أوباما "المشبوه" باسلامه ونسبه، سيضطر الى محو هذه الشبهة من خلال سياسة معاكسة، يؤكد من خلالها، انه اميركي صميم، وهذا يعني بالنسبة لاسرائيل السعي الدائم والعمل الحثيث من أجل استرضاء اسرائيل وخدمتها، هكذا يفعل كل أميركي "مخلص" لاصوله الاميركية.

مع ذلك، نعتقد ان أوباما سيواجه صعوبات ومواقف لابتزازه من أجل المزيد من استرضاء اسرائيل، والدولة العبرية لا تقبل بأنصاف المواقف، وستضغط نفسياً ومعنوياً ومادياً من خلال امكانياتها المرتبطة باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة من اجل الحصول على مواقف محددة وواضحة تزيل الشكوك حول هذا الرجل المجهول، ونعتقد ان أوباما لديه الاستعداد للاقدام على ذلك.
"الأيام"